من اجل العدالة .. 12 رجل غاضبا في وجه التيار ..

28.07.2018 | 14:31

مراجعة : عبد الكريم انيس

يعدُّ هذا الفيلم من روائع ما أخرجته السينما الأميركية بطابعها التوجيهي الأخلاقي، بل ويمكن عدّه فيلماً يتخطى حدود الزمان والمكان، فهو ملائم لقضيته القيمية الأساسية، وعندما يُعرض يقدم اختصاراً لهوية اجتماعية تشكل الرأي العام في أي مجتمع كان بصيغة مختصرة، تتمثل في تمايز أعضائه واختلاف مهنهم ومنابتهم ومآكلهم ومشاربهم وتوجهاتهم وتصوراتهم وأحكامهم المسبقة، إنهم نتاج النسيج الاجتماعي بتفاعلاته وانفعالاته ومخرجاته، موج عالٍ قاسٍ وجارف تارة، وأخرى هادئ ومتزن ومنضبط ويحتكم للعقل والمنطق.

القضاء الشعبي

يدلل الفيلم على أهمية القضاء كناحية يجب أن تكون مستقلة ومتوازنة وعادلة كي تضمن استقرار المجتمع ومخرجاته، ويضعنا في أسلوب القضاء الأميركي المعتمد سلفاً على إرث بريطاني بهذا الخصوص، حيث يشارك الشعب بالنظر في القضايا المرفوعة، ليكون ظهراً قوياً للقضاء الذي يصدر الأحكام المبرمة باسمه، وبهذا يتحمل الشعب جزءاً من مسؤولية إصدار الأحكام القضائية بناء على توصيات وتعليمات محددة تلتزم فيها هيئة المحلفين، من حيث التمييز بين القرائن التي يمكن أن تكون سنداً يعتمد عليه في بناء الأحكام وإهمال أخرى قد تكون عاطفية بدون دلائل غير ذات صلة بمجرى القضية، وبحكم أن القرار يجب أن يخرج بالإجماع عن مجموعة من الناس حين يتعلق الموضوع بحكم بالإعدام،  فهو هنا يمنح المتهم فرصة أكبر في عدم الوقوع ضحية خطأ بشري افتقد للحكمة وعميق البصيرة نتيجة إهمال بعض التفاصيل، أو أن يكون ضحية قرار فردي ربما يكون متعسفاً. 

حياة على المحك

إذا كانت الضحية قد ماتت جراء عمل إجرامي وعشوائي مبهم فعليك أن تبذل جهدك كي يحصل المتهم على حقه بالدفاع الوافي والكافي فلا يتحول لضحية على يد رجال الدولة باسم القانون. يقول القاضي في الفيلم: رجل واحد قد مات، حياة رجل آخر على المحك.

ينطلق الفيلم من مسلمة أساسية يطلق عليها عادة التعميم، وأثبتت التجارب الاجتماعية أنه يقع في فخها مختلف أطياف المجتمع، المطلّع والمثقف والجاهل والمتزمت على حد سواء، ولا ينجو منها سوى صاحب الضمير الحي، الذي لا يسمح لأي تأثيرات خارجية أن تؤثر على أحكامه، فهو يبني أحكامه بناء على خصوصيات وظروف كل قضية على حدا، وينكر تشابه الأدلة والقرائن، ويدعو لتفعيل قاعدة قضائية معروفة تقول إن الشك يفسر لصالح المتهم، وليس كما درجت عادة العموم الذين يحكمون أحكاماً جمعية، تنكر خصوصية كل قضية ومفردات ظروفها وما يترافق معها من مؤثرات. وحده فقط هنري فوندا، صاحب الرقم 8، يقودهم واحداً تلو الآخر لمراجعة قرارات إدانتهم ويتحمل كل الشدّ والمناكفات حتى لا يترك شيئاً ثقيلاً يتحول لعبء يثقل عليه متابعة حياته.

مؤثرات دلالية

اعتمد الفيلم وحدة المكان، فيما عدا دقائق قليلة فقط نجدها في قاعة المحكمة، فليس هناك كاميرا تتحرك من مكان لآخر، سوى في حيز واحد لغرفة يجتمع فيها المحلفون بعد أن توصد عليهم الأبواب بانتظار توصلهم لقرار نهائي، ولكن التصوير والتركيز على قسمات وجوه المحلفين واختلاف تعابيرهم وسماتهم بعد مداولة القرائن والشك فيها كان عالي الاحتراف؛ بقصد رصد الصراعات الضميرية في داخل كل فرد من المجموعة، كذلك الحال حين يكون التصوير شاقولياً من أعلى، يسلط عليهم الضوء مع مقعد فارغ في دلالة على أن هذا المقعد الفارغ، الذي لا يشاطر أفراد الجماعة المتحلقين حول الطاولة مداولاتهم ولا أحكامهم قد يكون عوناً للفريق بأكمله لينتقلوا لضفة الصواب، لإلغاء قرار الإدانة وإبطال حكم الإعدام، بعد أن يتخلصوا من تأثيرات مزيفة متعلقة بتجاذبات الرأي العام وتأثيرات أهوائها على أحكام الناس.

ونستطيع القول إن الحوارات التي ستجري أمامنا هي حوارات تحاكم تلك العقلية التعميمية التي أخذت طابع الشمولية في مصداقية أحكامنا، تلك الأحكام التي انتشرت فأصبح من الصعوبة بمكان محاصرتها ودحضها بالرغم من عدم منطقيتها وانهيار منظومتها كونها تغلغلت في وجدان من لا يريد البحث وراء الحقيقة ويستسهل اعتماده على أجزاء منها قد لا تكون دقيقة وعادلة. فحين تجتمع عموميات حول ملابسات قضية ما من مثيل اعتماد مكان نشأة المتهم ولونه أو دينه يستسهل الحاضرون قرار الإدانة كل حسب خلفيته الأخلاقية أو تربيته الاجتماعية أو حتى الدينية.

الفيلم عبارة عن قلب للمواقف راساً على عقب، لكل أعضاء هيئة المحلفين باستخدام أداتي المنطق والحجة بالتدرج، وتحمّل الوقاحة والتشكيك والثبات على الموقف، في سبيل الوصول لشيء من الصواب فيما قد تكون مسؤولاً عن تداعياته فيما بعد، سيما لو كانت حياة إنسان، أو قضية تمكن الخصم من تلويثها وخلط المعايير بكل صفاقة وخبث ممكنين، فكن أنت ذاك الإنسان الذي سيقف في وجه السيل الجارف، حاول ما بوسعك وقلل من الخسائر قدر الإمكان.

الفيلم من إنتاج Orion-Nova Productions لعام 1957 وقصة Reginald Rose وإخراج Sidney Lumet وسبق أن كان الفيلم مسرحية ومن ثم تم نقله لعالم السينما. ضمن الممثلين المبدعين في أداء أدوارهم كان هناك ممثلان حصلا على جوائز أوسكار في أفلام أخرى هما Martin Henry Balsam و Henry Jaynes Fonda وهو من أفلام الأبيض والأسود.

في عام 2007، اختير الفيلم للحفظ ضمن الأرشيف الوطني السينمائي من قبل مكتبة الكونغرس، لكونه أثر "حضاري وتاريخي أو جمالي". المصدر (انقر هنا).

لمشاهدة نسخة الفيلم الدعائية انقر هنا


TAG:

منظمة تتهم "الادارة الذاتية" بارتكاب انتهاكات بحق معتقليها .. وواشنطن تعلق

اتهمت منظمة "العفو الدولية" الادارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين المعتقلين في السجون التابعة لها، بالمناطق الخاضعة تحت سيطرتها، فيما علقت الخارجية الامريكية على ذلك، مشيرة الى انها ستعمل على مراجعة هذه التقارير.