-

 عيد الحب.. بقلم:  مروى برقوقي

16.02.2017 | 12:23

خرجت شام في صباح يوم الرابع عشر من شباط عند الحادية عشرة صباحا قاصدة المقهى الذي ترتاده دائما 
كان يوما باردا لذلك ارتدت معطفها الأسود ولبست قبعتها الصوفية وقفازاتها وكذلك اللفحة والتي كانت بلون احمر وهي ترتديها تذكرت أنها اهديت لها فتذكرت أن اليوم  يصادف عيد الحب وأن اللون الأحمر ينتشر في الكون تذكرت أنها لا حبيب لها ينتظرها فلما ستخرج في هذا اليوم إلى المقهى لابد من أنه سيكون مزدحم كما جميع المقاهي والمطاعم في هذا اليوم من كل عام ولكن خروجها إلى المقهى من عاداتها اليومية فهي في كل يوم تخرح في ذات الوقت إلى ذات المقهى وتجلس على ذات الطاولة لتشرب قهوتها الخالية من السكر فلماذا ستكسر روتينها اليوم لابد من ان طاولتها محجوزة لها وصاحب المقهى لن يسمح لأحد بالجلوس عليها
خرجت شام بلباسها الشتوي الأسود والأحمر وقصدت مقاهاها المفضل كانت عيون المارة تتابعها وكأنها توجه لها أصابع الاتهام فكيف ترتدين الأحمر وليس معك حبيب
كانت كل الطرقات الواصلة إلى المقهى مزادنة باللون الأحمر والأطفال بائعي الورد منتشرين بالطرقات يستجدون العشاق بكلمات منمقة وأخرى محتالة ليشتروا ورود الحب منهم
اوقفها أحد الصبية يرجوها لتشتري وردة حمراء أرادت أن ترفض ذلك ولكن نظراته البريئة كسرت قلبها فكرت ولما لا أشتري وردة حمراء لما عليي أن انتظر أحدهم ليقدمها لي سأشتريها لنفسي اشترت منه وردة ودخلت إلى المقهى كان ممتلئ على كل طاولة يجلس عاشقان نظرت إلى طاولتها فوجدتها خالية واذ بالنادل يقترب منها ويرحب بها ويشير لها بيده إلى طاولتها أن اجلسي وقهوتك ستصل إليك
جلست شام وبنظراتها بدأت تتفحص رواد المقهى العشاق هناك في زاوية بعيدة كانت فتاة ترتدي ملابس فاخرة فيها من المبالغة مايكفي لتدل على أنها من طبقة مخملية وامامها شاب ببدلة رسمية قدم لها مفتاح بعلاقة على شكل قلب أحمر واضح انه مفتاح سيارة هدية عيد الحب لها قابلت هديته بضحكة مصطنعة ففي عينيها لم تكن نظرات حب بل نظرات مادية قالت شام في نفسها هذا ليس حبا
قلبت نظرها إلى زاوية أخرى فتاة في أول صباها على محياها بقايا براءة يهديها عاشقها دبا احمرا ويمسك بيدها وهي تبتسم مابين الخجل من عيون الرقباء ومابين خوفها من أن يراها احد يعرفها قد يخبر أهلها أنها ليست في دوامها المدرسي
قالت شام في نفسها هذه مراهقة لكنها افضل من الحب المادي
أحضر النادل فنجان القهوة وبدأت شام ترتشفه بتلذذ كانت ترتشف قهوتها بتحبب كمن يتلذذ بقطعة شوكولا لا يريدها أن تنتهي ويفقد متعته بعدها
لفت انتباها شاب وفتاة على طاولة قريبة منها كانا يتحدثان بصوت منخفض لكنه وصل إلى مسمعها
-سامحيني حبيبتي لم أتمكن من شراء هدية لك فالمال الذي وفرته من راتبي في الجيش أرسلته إلى أمي فقد مرضت مرضا شديد وكانت بحاجة لدخول المستشفى وماتبقى معي لم يكفي إلا أجرة حافلة حتى أتي لأراك في هذا اليوم أعلم أني وعدتك بهدية ووعدتك أن نذهب إلى المطعم ولكن مابقي معي لا يكفي إلا لأن نأتي إلى هنا أما أن نجلس في الحديقة في هذا البرد القارس لأتمكن من شراء هدية لك عوضا عن جلوسنا هنا فهو غير مناسب أخاف أن تبردي وتمرضي 
كانت الفتاة تنظر إليه بحب وبعينين حزينتين كانت تبدو الطيبة على وجهها فذرفت دمعة ومانبست بحرف 
مسح الشاب دمعتها بيده وامسك بيدها وكأنه يرجوها أن لاتحزن فقالت له الفتاة
-يكفي أنك أتيت لرؤيتي ويكفيني أنك بخير مابكيت لأنك لم تحضر لي هدية بل أبكي لأنك بعيد عني وربما يكون هذا لقاؤنا الأخير وأخشى فقدانك فقد طال أمد الحرب وأخشى أن تأخذك مني قبل أن تنتهي
دمعت عينا شام لحال هذين العاشقين فهما فعلا عاشقين ويليق بهما هذا العيد ولكنهما مااستطاعا أن يقدما لبعضهما هدية حب فاكتفيا بتقديم قلبيهما لبعضهما وقالت هذا هو الحب الحقيقي فعلا
تنبهت شام إلى الوردة التي اشترتها من الصبي فحملتها ونهضت من وراء طاولتها وتقدمت من العاشقين 
أعذراني على تطفلي ولكن أتسمح لي ان أقدم لك هذه الوردة لتقدمها لحبيبتك فهي من تستحقها
تفاجأ العاشقان من تصرف شام ولكنهما لمحا طيبتها على وجهها وإصرارها بتقديم الوردة لهما فقبلاها وشكراها على تعاطفها معهما
خرجت وهي تنظر إلى وجه الفتاة كيف تفتحت السعادة فيه وهي تمسك بالوردة التي قدمها لها حبييها
تابعت شام طريقها وهي سعيدة بأنها أدخلت السعادة إلى قلبي عاشقين حقيقين واتجهت إلى المقبرة لتضع وردة حبها على قبر حبيبها الذي قضى شهيدا حبا وفداءا للوطن
وقفت أمام قبره ركعت فقبلت شاهدة القبر وصورته المحفورة عليه واسمه وبكت 
أتذكر هذه القبعة واللفحة والقفازات الحمراء أهديتها لي في عيد حبنا الأول كنت دائما تقول لي أن عيد حبي يوم أحببتك وليس التاريخ الذي يحتفل به العالم اجمع بيوم الحب فأنا وأنت مختلفان وكل ايامنا حب لذا في هذا اليوم بالذات سنتوقف عن الحب ولن أناديك بحبيبتي 
ومنذ استشهدت وأنا في كل عام في هذا التاريخ أتي إليك لأضع وردة حمراء على قبرك ولكن سامحني هذه المرة فهذه الوردة قد قدمتها لفتاة حتى لاتبكي حبيبها عندما يستشهد حبييها الذي ماقدم لها وردة حمراء ليس لأنه لايعترف بعيد الحب مثلك وله فلسفته الخاصة به إنما لأنه لايمتلك ثمن الوردة 

ولكني الآن فهمت لماذا لم تكن تعترف بعيد الحب لأنك لم تشأ أن أشعر بالوحدة في هذا اليوم بعد استشهادك فهو الأن عندي كما باقي الأيام ولكنك لم تعلم أنني افتقدك في كل الأيام أيها الفيلسوف الفاشل
أحبك دائما وسأبقى فأنا لاأريد حبييا سواك وماهمني بالحب المبتذل الذي ينام كل أيام السنة ويستيقظ في يوم واحد ويقاس بالمظاهر 

 


TAG: