جانغو الحر .. تناثر الدماء الحمراء على القطن الابيض

04.08.2018 | 18:42

مراجعة : عبد الكريم انيس

هذا الفيلم يأخذ شكل التأريخ الدرامي لمرحلة ما قبل بداية الحرب الأهلية في الولايات الأميركية، التي انتهت بانتصار الشمال على الجنوب وولادة وثيقة تحرير العبيد، وإن لم يكن توثيقياً بناء على أحداث منقولة عن قصة واقعية،

ولكن أحداث الفيلم القاسية التي كانت تصويراً لآلام العبودية في مجتمع تلك الحقبة كانت السبب الأكبر في تضخيم الكاتب والمخرج للأفعال التمييزية البالغة القسوة ضد السود الذين تم استجلابهم عبر المحيطات ليكونوا عبيداً مع ذريتهم للسادة البيض في أميركا الجديدة. هذه الأفعال بتنا اليوم نشاهدها مشينة، وقد كانت وقائع لمشاهد يومية لا ترف عين من عايشها في مرحلة من مراحل التاريخ الأميركي الذي تغير بتغير شكل الظلم الاجتماعي فيه وبزوغ مرحلة جديدة من مراحل التعايش بين السود والبيض كبشر طبيعيين عليهم الواجبات ذاتها، ولهم الحقوق ذاتها.

لا يصلح الفيلم لمن يعانون من فرط الحساسية من مشاهدة القسوة والعنف وما ينتج عن الكراهية من تبعات ومساوئ، وبالتأكيد ليس فيلماً صالحاً ليشاهده الأطفال والمراهقون.

نجاح كاسح

يمتلك الفيلم مقومات ناجحة مكنته رغم كل القسوة والعنف المتواجد فيه من النجاح بشكل كاسح في شباكات التذاكر، فوجود أربعة أسماء من نجوم السينما كانت كفيلة بالترويج للفيلم ودعمه وغض النظر عن مدته الزمنية الطويلة التي وصلت لساعتين و45 دقيقة.

الفيلم من فصيلة أفلام الغرب الأمريكي (المتوحش) تلك التي تروي قصصًا تم حدوثها في النصف الأخير من القرن التاسع عشر في الغرب الأمريكي القديم، وغالبًا تركز على حياة رعاة البقر الرحّل المسلحين بمسدس وبندقية الذين يرتدون قبعات، وينتعلون أحذية رعاة البقر ويلبسون ملابس من جلود البقر، وشخصيات أخرى تشمل الأمريكيين الأصليين، وقطاع الطرق، ورجال القانون، وصائدي الجوائز، والخارجين عن القانون، والجنود، والمستوطنين، والمزارعين ومربي الماشية، وأرياف المدن. (المصدر بتصرف).

Christoph Waltz كريستوف فالتز الحائز على جائزتي أوسكار كممثل مساعد، احداها عن دوره في هذا الفيلم، والذي يأخذ فيه دور صائد جوائز، يمكّن القانون من تحقيق عدالته، يحاول مساعدة شريكه لاحقاً (جانغو) في تحرير زوجته من عبودية سيد من أسياد الجنوب.

جيمي فوكس Jamie Foxx حاصل على جائزة أوسكار وهو ممثل كوميدي ومغنٍ كذلك، أحد العبيد المحررين، اسمه يحمل عنوان الفيلم Django مع صفة تخلصه من القيود والأغلال، اسمه روماني، بمعنى "أنا مستيقظ"، يحاول استرجاع زوجته، ماهر باستخدام السلاح، يمر بأوقات عصيبة وتحديات متواصلة ليصل لمبتغاه، ولكنه ليس البطل المخلص الذي يتبع مسيرة سبارتاكوس مخلص العبيد الذي قام بثورة ضد الإمبراطورية الرومانية في أوج قوتها وجبروتها، فقضية جانغو هنا كانت قضية شخصية ولم تكن قضية عامة.

Leonardo DiCaprio ليوناردو دي كابريو ممثل حاصل على جائزة أوسكار يأخذ في الفيلم دور السيد الأبيض وريث الأراضي الشاسعة والمزارع التي يعمل فيها العبيد، وظيفته في الفيلم لعب دور الفكر الذي يمثله أهل الجنوب الأميركي قبل الحرب الأهلية حول اعتبار العبيد ملكية خاصة يستخدمها كيف يشاء، للتسلية أو للفائدة، أو حتى يقتني عظامها لمرحلة ما بعد الموت. دور كابريو هو (Antagonist) الشخصية المعاكسة لشخصية البطل، وهو هنا يمثل الرجل الأبيض، صاحب المزارع، المواجه كخصم لفوكس الرجل الأسود وتنتهي الخصومة لصالح الأخير تاريخياً وقيمياً.  

Samuel L. Jackson ممثل غزير الظهور ومنتج أمريكي للأفلام، يعتقد كاتب هذا التقييم أن صامويل يلعب هنا دوراً يتفوق كثيراً على بقية الممثلين، ليس فقط لإتقانه أداء دوره بطريقة تتجاوز الوصف في الإبداع، بل لأنه يلعب دوراً مركباً ومعقداً ومستلباً لا نزال نراه بيننا بأشكال ومضامين مختلفة، وهو يقدم حالة لا يمكن تخطيها من الشخصيات ذات الأبعاد التحليلية التي تمتعت بالقدرة على التماهي مع العبودية وقبولها وتبريرها، ليس ذلك فحسب بل مثَّل الحارس الأمين لتنفيذ كل بند من بنودها، فهو الشخصية الأمينة على السيد الأبيض التي تبرر له كل أفعاله وقسوته وتمدحه وتنصحه بكل ما يمكن أن يزيد من أرباحه وممتلكاته ويحفظ له مقتنياته وكأنه يحفظها لنفسه، وبالمقابل هو يحصل على معاملة خاصة، معاملة محدودة ليست كباقي العبيد، مع استمرار كونه عبداً، عبد بمرتبة شيطان مقترن بسيده كما ظله، إنه يده التي يبطش بها وعينه التي يرى بها.

مشاهد وظيفية

مشهد انتثار الدماء على القطن الأبيض يحمل رسالة وظيفية تتعلق بأن أرباح التجارة الزراعية كانت على حساب العبيد الذين يشتغلون فيها بأقسى الظروف وأدنى الحقوق. وهي إدانة لمجتمع ما قبل الحرب الأهلية الذي قامت أرباحه وتراكمت باعتماد العبودية كأحد أهم الركائز لتحريك الاقتصاد، وكانت شأناً غير قابل للنقاش في مجتمعات الجنوب الأمريكي الذي كان يتمتع بصعود البرجوازية الطبقية والثراء الفاحش.

مشهد الخادم الأسود يناقش سيد المنزل الأبيض بكل اقتناع حول عدم صوابية استقبال "زنجي" في منزله، مشهد من أكثر المشاهد قسوة بدون استخدام القسوة العضلية العنيفة، بتاريخ السينما الأمريكية، سيما وأن الرافض وبشدة هنا كان عبد المنزل، الذي كان حريصاً على كون السود خارج منظومة الاعتبارات البشرية وبالتالي ليس من اللائق لصاحب مكانة لائقة مثل سيده أن يستضيف مثل هذا الـ"زنجي" في بيت العائلة، حيث تستقبل الشخصيات ذوات الأهمية والمكانة الرفيعة في المجتمع.

مشهد جمجمة الخادم السابق الذي كان عبداً والتي وضعها ديل كابريو على المائدة هي عبارة عن ذروة الفيلم عبر الاستناد لنمط فكري كان سائداً ويلقي باللائمة على الأنثروبولوجيا وردات الفعل الاستسلامية التي كانت تكرس مفهوم العبودية للشخص المستعبد نفسه وللمالك على حد سواء، حيث كان يعتبر موضوع ثوره العبد على مستعبده عبثياً وخارج سياق إمكانية الحدوث.

كل هذه المشاهد وغيرها من الملامح الكثيرة في الفيلم؛ تجعل من مشاهدته أمراً لا يقتصر على متابعة أحداث قاسية عفا عليها الزمن، بل تجعلها عملية محفّزة للتفكير بمدى وحشية الإنسان من جهة واستسلامه من جهة أخرى، في كلا الحالتين يجد مبرراً مريحاً لنفسه ليستمر في اجتراح أفعاله المخزية بحقه وبحق الآخرين.

الفيلم من كتابة وإخراج Quentin Jerome Tarantino كوينتن جيروم تارانتينو وهو كاتب حاصل على جائزتي أوسكار إحداها عن كتابة الفيلم الذي بين أيدينا، والذي حصد نجاحاً كبيراً إذ تخطت أرباحه أربعة أضعاف كلفته الإنتاجية التي قدمتها كل من The Weinstein Company و Columbia Pictures.

تم إطلاق الفيلم للعموم في الولايات المتحدة الأمريكية بنيويورك بتاريخ 11 كانون الأول 2012.

لمن يود الحصول على فرصة بمشاهدة المقطع الدعائي للفيلم (انقر هنا free trailer).


TAG: