مراجعة في كتاب

سكاكين خالد خليفة تفجر كتلة قيح في وجه القارئ ..

20.12.2018 | 18:13

لايمكن ان اصف هذه الرواية "بالسيئة" ربما لانه تكمن القدرة فيها على استفزاز القارئ واثارة مشاعر متباينة عنده بين الغضب والقرف والاستغراب ،تدفعه في النهاية للتفكير فيما اذا كانت الرواية تستحق القراءة ام انها مجرد اضاعة للوقت.

ساعترف بان "رواية لا سكاكين في مطبخ هذه المدينة لخالد خليفة"  كانت السبب وراء تغير اسم الباب الذي اكتب فيه ، من "تعرف الى صديق" الى " مراجعة في كتاب" والسبب يبدو غريبا ، فانا لا يمكن ان انصح بهذه الرواية "كصديق" ولكني اجد من الضروري مراجعتها وعرضها.

في مجمل العرض هذا سيكون ما اقوله نقدا وهو على مستويين

الاول هو الاسلوب والذي اعترف ايضا بانه غريب واعتقد بانه غير منطقي فهذه اول مرة اقرأ رواية بلسان شخصية في القصة ، اي انه موجود في القصة ولكنه يروي الاحداث كرواي من خارجها ، في مزيج يجعلك تضيع في اكثر الاحيان حول من هو الذي يخبرك بتفاصيل الاحداث!؟

هل هو الشخصية "الشقيق" الذي لم يكن له دورا على الاطلاق الا دور "الحكواتي" ، واذا كان هذا دوره لماذا لم يستخدمه الكاتب كراو من خارج شخصيات الرواية ؟

ومن ثم منطقيا الرواي يمكن ان يتحدث عن كل ما يخص الشخصيات واحاسيسها وتصرفاتها واسرارها ، ولكن ان كان الراوي شخصية في القصة ، كيف يمكن ان يروي لنا احداثا لم يكن جزءا منها وان ينقل لنا احاسيسا لشخصيات كانت مسافرة وبعيدة عنه الاف الاميال !!

لم يفسر لنا الكاتب كيف عرف تفاصيل حياة شقيقه رشيد في العراق وشقيقته سوسن في دبي وشقيقه الاخر نزار في لبنان ، وصديق شقيقه لنزار ميشيل في فرنسا ، وخاصة بان هذه التفاصيل تتعلق بلحظات خاصة جدا حتى اصحابها لن يروها لاحد .. ضاع الكاتب بين شخصية مشاركة في القصة وموقعه كراو للاحداث ..

 

الموضوع الاخر وهو الاكثر اهمية هو المستوى الاخلاقي المتدني لكل شخصيات القصة كلهم بدون استثناء ، اما هم لوطين او سحاقيات او داعرين او عاهرات ولا يمكن لاي شخصية مهما كانت مستواها الاجتماعي او التعليمي ومهما كانت اهتماماتها الا ان تشذ في سلوكها ويكون كل شيء امامها مباح.

بيئة القصة هو احد احياء حلب الفقيرة المحافظة ولكن هذا لا يمنع من ان نرى سلوكا في هذا الحي ينتمي الى اكثر الدول الغربية انفتاحا ، يمكن لسوسن مثلا ان تنقل حاجياتها وتعيش مع "جان" فترة من الزمن يوجود والدته بالبيت!

العلاقات الخاصة في العائلة مكشوفة ويمكن للاخوة الشباب ان يقبلوا كل سلوك الاخت المنحرفة والماجنة والمتقلبة ، لم يعترض احد على سلوكها قط مهما انحرف او شذ بما فيهم الراوي والذي هو احد الاخوة ، ودائما تعود من مغامراتها التي تشبه افلام "البورنو" لتجد حضنا دافئا في البيت" المحافظ" لا احد يعترض ولا احد ينتقد في تناقض غريب تجعل البيئة التي يحاول ان يضعنا فيها الكاتب بعيدة كثيرا عن الواقع.

يصور الكاتب المجتمع في مرحلة الثمنينيات والتسعينيات من القرن الماضي  ( وهي مرحلة صادف اني عشت في حلب فيها ) بانه مجتمع منحل بالكامل لا يوجد فيه اي ضوابط الكل يفكر بالجنس سواء بالجنس المختلف عنه او المثيل ، الطالبات يمارسن العادة السرية على صورة الاساتذة ، والشباب يبحثون في الشوارع عمن يقوم "بنكحهم" ، وتفاصيل ليس لها هدف سوى الاثارة للعلاقات الشاذة بحيث ان نصف عدد صفحات القصة فردت لنزار الشاذ جنسيا وعلاقته الشاذة بالتفصيل الممل ..

والامكنة هي بيوت مظلمة وغالبا متعفنة ، والاثاث مهترئ والانارة خافتة ..

تبدو حلب في هذه الرواية مدينة قذرة واهلها قذرين ، منحلين اخلاقيا ، كلهم بدون استثناء ، في كل العائلات التي استعرضها من الابناء الى الامهات الى الاباء ، كل شيء مباح وكل شيء ممكن وكل شيء يحدث ، ولا احد يعترض او يستهجن او يحارب او يصلح ..

ولا اريد ان افرد تفاصيل اللغة المستخدمة والتي كانت العبارة المفضلة للكاتب فيها هي "الخراء" .. ساتجاوز هذه الجزئية لانبه بان الكاتب لم يستعرض مشكلة في المجتمع ، مشكلة في الحارة مثلما يفعل على سبيل المثال ( ودون تشابيه ) نجيب محفوظ ، هو صور لنا كامل الحياة في المدينة لكل بكل شخصياتها مشكلة متورمة متقيحة جعلها تنفجر في وجهنا مرة واحدة.

اذا كنت مجبر ان اسجل ايجابية لهذه الرواية ، يمكن ان اقول بان تستفزنا لكي نسترجع الذكريات ونحاول ان نحاصر الصورة السيئة التي اوردها الكاتب ، في الحقيقة بالغة السوء عن المدينة ببعض الصور الطيبة والجميلة التي نحتفظ فيها عنها.

انا اعلم بان الحياة في حلب وخاصة بعد احداث الثمنينيات لم تكن مثالية وهناك الكثير من الجوانب التي عرضها الكاتب كانت امرا واقعا ـ وواقعا سلبيا سيئا ، ولكن يبقى الغريب هو خيار الكاتب في ان يعرض صورة لكامل جسم المدينة ويشير الى تلك الاماكن المتقيحة فيها ، او ان يختار بان يدخلنا في وسط كتلة القيح هذه ويجعلها كل عالم الرواية بحيث لاينهي الواحد منا تفاصيلها الا ويرافقه احساس بالاختناق ورغبة شديدة في الاقياء.

نضال معلوف

 


TAG: