وجهة نظر مع نضال معلوف

إذاً ما السوء في قانون الاوقاف الجديد !؟

02.10.2018 | 16:44

يشكل قانون الاوقاف الجديد خطة عمل او استراتيجية الدولة لمواجهة التطرف و"الارهاب" الذي كان لهما دوراً كبيراً فيما جرى في الكارثة التي ضربت سوريا في السنوات الثمانية الماضية.

اذاً يمكن ان نقرأ من خلال المرسوم ما هي خطة الدولة لمحاربة التطرف الديني وانتشار الفكر الوهابي والاخواني في سوريا ؟


وبشكل مبسط يمكن ان نصف القانون بانه يهيئ الارضية ويوفر الامكانيات والموارد لبناء هيكل ضخم تابع للوزارة والسلطة التنفيذية  ، يمتد من رأس النظام ويصل الى كل "حارة" في سوريا "لضبط العمل الديني " بكل مراحله ابتداء من التعليم في مدارس الشريعة وجامعاتها وصولا الى اداء النشاط الدعوي والممارسات اليومية .. حتى انه تدخل في تحديد من له الحق في ارتداء "الكساء الاسلامي" واطلاق الالقاب الاسلامية على الافراد .. ووضع شرط موافقة الوزير عليها.


وهذه الطريقة المعتمدة في القانون هي نظريا طريقة ممكنة في ضبط العمل الديني وحمايته من التشوه ومنع الانحراف عنه.

وهذه الطريقة هي طريقة متبعة منذ عقود طويلة في سوريا لضبط اداء المجتمع ككل ويمكن ان نطلق عليها طريقة "التثبيت".

ما هي طريقة اتثبيت ؟

ويمكن ان نشرح طريقة التثبيت بشكل مبسط بانها:


لنتخيل ان لدينا مواطنا افقرناه وجهلناه ومن ثم شردناه وربما احيانا سجناه وعذبناه ليخرج ويرى احد اطفاله قد قتل وتوفي والداه قهرا وكمدا ، جاء ليغضب ويثور فتمتد اليه الايادي .. يد من فرع الحزب ويد من فرع مخابرات ويد من اللجان الوطنية واخيرا تمد وزارة الاوقاف يدها لكي تساعد في عملية تثبيط "ثورة" هذا المواطن وتثبيته وإعادته للسكون والخنوع ..


وطبعا هذه الطريقة متبعة في سوريا منذ 50 عاما .. والسؤال لماذا لم تجد نفعا اذاً ؟

هذه الطريقة لم تجد نفعا ..  لان هذا الرجل الجاهل الفقير المعدم المقموع سينشئ اسرة تشبهه بل بسبب تردي الاوضاع المعيشية وزيادة القمع والضبط والتقييد ، سيكون اولاده من بعده اكثر جهلا وفقرا وتشددا منه وسننتج بهذه الطريقة في اول جيل 5 اشخاص بحاجة لـ "تثبيت" مقابل شخص واحد في الجيل الذي يسبقه وهذا سيتطلب منا زيادة كادر "القمع" وعدد اجهزته وربما في يوم من الايام سنستعين بوزارة "الكهرباء" !!

 

هل يوجد طريقة اخرى لمواجهة التطرف والتشدد والارهاب اكثر نجاعة اذا ً.. ؟

نعم يوجد بالطبع .. هذه الطريقة هي في ان :

نستخدم هذه الموارد والامكانيات التي ننفقها في بناء اجهزة الضبط والقمع في التنمية والتعليم ، لان البيئة الاساسية لنمو الطرف والمضي باتجاه الدعوات التي توعد الانسان بالآخرة باكثر ما هو موجود في حياة الفقر والعوز والجهل.

ولنحارب الجهل والفقر فان افضل طريقة ليست تثبيت الجاهل المعدم ، وانما دفعه لكي يتعلم وبعد ان يتعلم ان يجد فرصة عمل مناسبة تؤمن له حياة كريمة يتمسك بها ويدافع عنها وعن استقرار حياته ، وسيفكر بالتالي في أي فعل قد يعرض حياته للزعزعة والاهتزاز ، والاهم بانه سيدفع ابناءه في ذات الطريق طريق العلم والحياة وعلى الاغلب سيحظون بحياة افضل من حياة ابيهم وعليه فان مهمة الدولة في مراقبة انشطة "التطرف" و" الارهاب " .. ستكون في الحد الادنى ..

 

بمعنى اخر ..

هناك طريقتان نظريا للقضاء على التشدد

 

♦ الاولى في ان نزيد  في اعداد المتشددين وبالتالي يتطلب هذا  زيادة حجم الاجهزة لضبط ادائهم وتثبيت انشطتهم وبالتالي استخدام موارد وامكانيات الدولة بشكل متزايد لتحقيق هذا الهدف ، وهذا ما سيزيد في حالات الفقر والعوز والجهل ويغذي هذه الدائرة الجهنمية ..

 

♦ والطريقة الاخرى هي في صرف الموارد المتاحة على التعليم والتنمية ، فالعلم سيكون مؤهلا  للشخص للحصول على فرصة عمل ، والتنمية ستوفر لهؤلاء الاشخاص المتعلمين هذه الفرصة ، وستتحسن بالضرورة حياة الناس رويدا رويدا ويبتعدون عن التشدد والغلو في التدين ، وسيعملون على الدفاع عن كفايتهم وحياتهم ومستقبل اولادهم .. ويمضون بذات الطريق للجيل القادم وتتناقص فرص التشدد واعداد المتشددين ... وهكذا .. الى ان نجعل هذه المشكلة في حدودها الدنيا ..


اريد ان اوضح  في سياق الحديث بان اللجوء الى العلم والتنمية هو الضمان الوحيد للحفاظ على الدين بشكله النقي غير المشوه ، لا تعني الدعوة لنشر العلم محاربة الدين ، وانما الانسان المتعلم المكتفي اقدر على خدمة دينه وتوظيف تعاليم هذا الدين ليعيش حياة افضل وليخدم مجتمعه ومحيطه ووطنه بشكل امثل.


مع عدم تجاهل كل الملاحظات التي تتعلق بالتفاصيل والتي تطلق يد "السلطة التنفيذية" في السيطرة على سلطة كانت نوعا ما تتمتع بالاستقلالية على مر العصور كموروث اسلامي وسلطة روحية ، وهي ممارسة لم يتجرأ أي حاكم على المساس بها والقضاء عليها او طيها  وضمها الى سلطته "الدنيوية" حتى في عهد السلاطين.. ، او من حيث الصلاحيات الواسعة التي اعطاها القانون لوزير الاوقاف لزيادة موارد الوزارة دون اتاحة الفرصة للاستفادة منها في التعليم والتنمية والخدمات العامة وحصرها في انشطة الوزارة نفسها التي باتت تكرس معظمها على الضبط والتثبيت ..

 

مع عدم تجاهل كل هذا .. فان خطورة القانون تكمن في كشف استراتيجية النظام لحكم المجتمع والابقاء على عقلية ادارة المجتمع بقبضة "الامن" و"الاجهزة" واسلوب الاخبار والتقارير والمراقبة وتبديد الموارد والامكانيات على عمليات الملاحقة والتثبيت والضبط والقمع على حساب نشر العلم والقيام بالتنمية وضمان نمو الاقتصاد لتأمين فرص العمل والاجور والرواتب المناسبة ليعيش الانسان كفايته ويؤمن حياة مستقرة تستحق ان يدافع عن الوطن ليحافظ عليها.

 

نضال معلوف


TAG: