قصة حياة "مانتو" الكاتب الذي اتهم بـ "الفحشاء" وكرم بعد 50 عاما من وفاته ..

02.05.2019 | 21:46

 مراجعة : عبد الكريم انيس

هذا الفيلم ليس مجرد فيلم يتحدث عن أديب مات في ريعان عطائه وشبابه، ولا يصور القسوة التي رافقت حياته فقط، إنه يتجاوز شكلية الأفلام التي ترسم الطابع الشخصي لأبطالها الحقيقيين في عالم الواقع..

الفيلم يرسم لنا بطريقة متقنة، ملامح عالم شخصية البطل الذي يتداعى تحت وطأة انهيار شبه القارة الهندية وانقسام حدودها الجغرافية تبعاً لأثنيات وقوميات وأديان قاطنيها، فصارت بنغلاديش، بوتان، الهند، نيبال، باكستان، سريلانكا وجزر المالديف.

سنجد في الفيلم تداعيات التجزئة الجغرافية تنطبع على مسار حياة الكاتب الباكستاني-الهندي Saadat Hasan Manto، "سعادت حسن منتو"، الذي ولد هندياً في عام 1912 وتوفي باكستانياً في عام 1955 عن عمر ناهز الـ42عاماً، وهو يرسم واقع التجزئة وما جرّ إليه من أحداث طائفية عنيفة تمت بين الدولتين الجارتين، واللتين تحولتا بفعل ذلك عدوتين لدودتين. وبعد أن كان الشعب واحداً صار شعبين، وهو ما خلق واقعاً جديداً أمام الأفراد الذين ينتمون لكل منهما، وبات أصدقاء البارحة يتحدثون بلغة الكراهية والتحريض على العنف، مما دفع منتو لاتخاذ قرار الهروب لباكستان رغم محبته الكبيرة والعميقة لمسقط رأسه الهند.

يتميز الكاتب منتو بقدرته على الكتابة بلغة بسيطة تنفذ للعامة بدون تكلف، وتعد لغته انعكاساً لمرآة المجتمع، وكانت مواضيعه حساسة، فقد أجاد الكتابة بلسان المهمشين والضعفاء خاصة النساء منهم، فتحدث بلسان المرأة التي تبيع جسدها، وما يعتريها من انفعالات، وما يقع عليها من تعديات وظلم..

وكتب عن قسوة الناس الذين يشيرون إليها كشيء فاسد. وتحدث عن نفاق المجتمع الذي لا يراعي النساء الضعيفات ولا يؤمّن لهن تكافلاً اجتماعياً يمنع عنهن العوز والحاجة، فيدفعهن للدعارة ثم يعلن تبرُّأه وتطهّره منهن، ولا يتحدث بسوء عن زبائنهن من الذكور ولا عن قذارتهم ولا عن استغلالهم الدنيء لهذا الجنس المستضعف. وفضح منتو في قصصه القوادين الذين قد يكونون من الأقارب، وكيف يجعلون من لحم بناتهم مشاعاً للعامة.

لقد كان نتاج منتو القصصي أدباً وُصف بأنه فاحش ويُحرض على إشاعة الرذيلة، وقد حُوكم ست مرات، كان ثلاث منها للمفارقة في الهند ومثلها في باكستان، المصدر من هنا،  بسبب ما وُصف باحتواء أدبه على البذاءة والتحريض على الفاحشة.

وسنجد ضمن الفيلم التشديد على المحاكمة التي خضع لها في باكستان، والتي استهلكت منه ما تبقى من قدرته على العطاء، سيما بعد أن ضُيق عليه في تحصيل رزقه وتأمين قوت أسرته.

يتعرض الكاتب لكثير من القيود، حتى أن بعضهم أرهقه وآلمه من ادعاءاته بأن نتاجه القصصي لا يرقى لمستوى الأدب، وهذا كسر الإنسان الأديب في "سعادت" أكثر من المحاكمات التي خضع لها، ولهذا أفردت مخرجة الفيلم موضوع  تقييد المجتمع للأدب بكافة مخرجاته، وأعطته مساحة كبيرة، وجعلت من هذا المحور شأناً جوهرياً، فبينت ما يفرضه أفراد المجتمع وما يرسمونه من قيود على إبداع أي أديب، داعية لأن تكون حرية الكاتب في الكتابة عما يريد هي الأساس والغاية.

لقد كانت قصة "اللحم البارد" التي حُوكم بسببها منتو، والتي ركز عليها الفيلم، تتحدث عن قصة فتاة شابة اعتدى عليها جندي كان قد قتل أهلها وتركها على قيد الحياة كي يغتصبها فيما بعد، وبعد أن قام بفعلته اكتشف أنه كان يغتصب جسداً بارداً ميتاً فارق الحياة، وبدلاً من أن تؤرق القصة المجتمع فيدعو لمزيد من الضوابط الأخلاقية والتبعات القانونية للجنود على أفعالهم ضد المدنيين في الأزمات والحروب والنزاعات، أرّقت لغة سرد فعل الاغتصاب، التفصيلية، أفراد المجتمع أكثر من الاعتداء نفسه، وهذا كان يسبب لـ"منتو" مزيداً من الشعور بضرورة مواجهة المجتمع بالواقعية والابتعاد عن محظورات لابد من كسرها وإعادة توجيهها باتجاهها الصحيح.

يُعد منتو، ابن الأصول الكشميرية، الذي ولد لعائلة مسلمة، واحداً من أفضل كتاب الأوردو في القرن العشرين، وكان متأثراً بالأدب الروسي والفرنسي، وترجم عنهما، وانطبع بأدبياتهما.

توفي منتو بعد أن أدى به إسرافه في معاقرة الكحول للإصابة بتليف في الكبد وهو ما أدى لوفاته المبكرة.

في 18 كانون الثاني 2005 كانت الذكرى الخمسين لوفاته، وقد تم الاحتفال بمنتو ووضعت صورته على طابع بريدي باكستاني. وفي السياق عينه وبتاريخ 14 آب 2012 يوم استقلال باكستان، حصل سعدات حسن منتو على جائزة ميدالية الامتياز (الخدمة المتميزة لجائزة باكستان) من قبل حكومة باكستان، وقدمت السينما فيلمين عن حياته، أحدهما من إنتاج بريطاني، وهذا الفيلم الذي بين أيدينا من إنتاج بوليوود. المصدر من هنا.  

 

كتب وأخرج الفيلم المخرجة الهندية Nandita Das وقام بتأدية الأدوار الرئيسية فيه كل من  Nawazuddin Siddiqui, Rasika Dugal, Tahir Raj Bhasin وآخرون.

مدة عرض الفيلم 112 دقيقة.

 وقام بإنتاجه كل من En Compagnie Des Lamas (Co Producer)، Filmstoc، HP Studios، Magic If Films (Co Producer)، Nandita Das Initiatives، Viacom18 Motion Pictures.

عُرض الفيلم أول مرة في الهند بتاريخ  21 أيلول 2018 باللغتين الهندية والأوردية.

تقييم الفيلم 7.4 من عشرة، على موقع imdb المتخصص بتقييم الأفلام، وقد صوت له حتى تاريخ كتابة المراجعة 2500 شخص. المصدر من هنا.  

لمشاهدة المقطع الترويجي للفيلم اضغط هنا.

 

 

 

 

 


TAG: