اذا اردت ان تعلم طريق تحرير القدس من اين يبدأ .. !؟

23.07.2017 | 16:21

لا يمكنني وانا اتابع الاحداث في القدس الشريف اليوم الا وان استرجع تلك الوثيقة التي يبارك فيها الشريف حسين للانكليز احتلالهم "تحريرهم" للقدس في نهاية العام 1917.

ولا يمكنني الا ان استرجع في مخيلتي مذكرات فوزي القاوقجي ( قائد جيش الانقاذ الوطني فيما بعد ) والذي كان ضابطا عربيا مشاركا مع الجيوش العثمانية التي تدافع عن القدس في مواجهة الجيش الانكليزي ، واتذكر البطولات التي كتب عنها والاستبسال في الدفاع عن فلسطين الذي اخر تقدم الانكليز اليها اكثر من عامين كاملين ..

في هذه الاثناء كانت قوات الشريف حسين تستلم جناحا اخر في محاربة الجيش العثماني لتدعيم جهود والانكليز في فلسطين وتخفيف مقاومة العثمانيين لهم ..

ولا يمكن ان ننسى ايضا كيف هنئ الصهاينة العرب بقيام "الثورة العربية"  ، ولم يكن يحلم الصهاينة والغرب من بعد ان حرر صلاح الدين الايوبي المدينة قبل سبعة قرون ان يسترودها من اهالي المنطقة ( المسلمين ) لولا تآمر بعض العرب مع الانكليز على اسقاط المنطقة بايديهم وحلفائهم الفرنسيين.

من يتابع الصحافة في تلك الفترة سيجد بشكل واضح  بان دخول "اللنبي" قائد اليجش الانكليزي الى القدس قُدم على اساس انه تحرير للمدينة من ايدي المسلمين بعد 7 قرون من السيطرة عليها .. وجاء ذلك بعد ان نشرت تفاصيل اتفاقية سايكس بيكو، وعلم بها الحسين وعلم بان المنطقة سيتم توزيعها بين الدولتين الاستعماريتين وجاء بعد وعد بفلور الذي وعد باقامة وطن قومي لليهود بفلسطين .. ومع ذلك وجد الحسين بان الحدث ( احتلال القدس من قبل الانكليز ) مناسبة تستحق التهنئة ..

قبل ان نتباكى على القدس اليوم يجب ان نعيد قراءة التاريخ ونحدد المسؤوليات عن ضياع المدينة المقدسة من بين ايدي اهلها ..

وعوضا ان نضع اللوم على ال"التبعات" يجب ان نحدد "الفعل" الرئيسي الذي ادى الى ضياع فلسطين ..

ما هو اخطر من ضياع فلسطين ، هو  النهج الذي اسسه الشريف حسين عندما اراد ان يحافظ على امارته في الحجاز وقاده طموحه الساذج ليحلم بان يكون ملكا على العرب وخليفة للمسلمين ،  هو نهج "التآمر" على الشعب ..

صحيح ان الانكليز خلفوا بوعودهم مع العرب وخدعوهم ولكنهم اوفو بتلك الوعود التي قطعوها لشعوبهم ووطنهم ..

وقبل ان نلوم الانكليز يجب ان نلوم انفسنا ، فنحن اخترنا قادة تآمرت وكذبت علينا فلماذا يحترمنا الانكليز ولماذا لا يقوموا هم بخداعنا اذا كان الاولياء علينا يطلبون منهم ذلك ..

لم يكن هناك حماس في الجزيرة العربية للقيام بثورة ضد الاتراك وضد "الخليفة" في اسطنبول .. وكانت بالنسبة للشريف حسين هذه مشكلة كبيرة بعدما ان وعد الانكليز بجمع "ربع مليون" مقاتل لقتال الجيش العثماني .. وكيف سيقنع ويجيش كل هؤلاء .. ؟!

ولان فكرة الثورة ضد "الدولة" العثمانية لم تكن واردة ، استغل الشريف حسين قيام الحرب العالمية الاولى وطلب من الانكليز حصار شواطئ الجزيرة العربية لقطع ارزاق اهلها وتجويعهم وبالتالي "اهاجة البسطاء" على حد تعبيره في رسالته الى مكماهون الشهري المؤرخة بتاريخ 6/3/1916 ومحفوظة في ارشيف الوثائق البريطانية بالرقم  ( FO 882/19 ) ..

وفي تفاصيل خطة الحسين لضرب الحصار على شواطئ الجزيرة ، طلب ( ناصحا ) ان يتم حجز السفن المتجهة الى جدة وغيرها من الموانئ في عدن وفي بور سودان  حرصا على "عواطف" اهل الجزيرة تجاه الانكليز ..!

واسهب الحسين في شرح خطته الجهنمية ، ونصح الانكليز في حال ارتفعت اصوات الاحتجاج بعد تجويع شعبها ان يرد الانكليز على هذه الاصوات ، بانه من حق انكلترا ان تفعل ذلك بعدما قام المسلمين في الشام بقبول التحالف مع الالمان ودخول قطعات من الجيش الى اراضيهم ، ولهذا من حق انكلترا ان تحفظ مصالحها .. لان "المسلمين" سمحوا للنفوذ الالماني بالتمدد ولم يكترثوا لما في هذا من "مساس شعائر دينهم ودنياهم وقوميتهم" ..

وبالفعل نفذ الانكليز الخطة .. و"هاجت" الجموع بعد الجوع وثارت .. وكان الشريف حسين قد خطط ايضا ليلاقيها بعد الجوع باموال الانكليز ، بالوفر والمكافاة لضامن استمرار القتال حتى اخر "باوند" انكليزي ..

ما اريد ان اعرضه هنا ليس استهداف شخصي للحسين والانتقاص من "مكانته" ولكن للاشارة الى هذا الحدث كاساس لسياسات "الحاكم" المتبعة في منطقتنا منذ 100 عام ..

وتتمثل هذه السياسات في تحالف الحاكم مع "الاجنبي" القوي ضد شعبه ليحافظ على المُلك .. وفعل من بعد الحسين هذا "ابن سعود" واولاد الشريف فيصل وعبدلله .. واستمر هذا النهج الى اليوم في "الغزوات" التي تشهدها المنطقة ان من كانت جيوشا اجنبية او محلية او مرتزقة ..

سيكشف التاريخ مرة ثانية ( وثالثة ورابعة .. حتى نتعلم ) بان كل الحروب والجماعات " داعش" و"القاعدة" وغيرها .. والاحداث التي نشهدها هي اتفاق دقيق بين "الحاكم المحلي" العربي وبين القوة الخارجية الاجنبية على شعوب المنطقة ..

 

اذا اردنا فعلا استعادة القدس يجب ان نقرأ التاريخ وان نفهم ونعتبر ونعرف ونسنتخدم هذه المعرفة حكمة في اتخاذ قرارتنا لتوجيه جهودنا بالاتجاه الصحيح ، عوضا عن بقائنا هكذا نتخبط ونهوج ونموج مثل عملاق نائم  .. يضرب بهراوته يمنة ويسرى ليستفيق ويرى بانه لم يفعل سوى انه حطم جدران البيت الذي كان يؤيه وسهل على اعدائه الدخول ليسروحوا ويمرحوا فيه ..

 

نضال معلوف


TAG: