الاردن كانت متصرفيتين تابعتين لسوريا فكيف اصبحت دولة ؟

21.01.2019 | 21:51

تقديم 

كان للشريف حسين بن علي الهاشمي (مؤسس المملكة الحجازية الهاشمية)  عدداً من الأبناء، أكبرهم علي وأوسطهم عبد الله وثالثهم فيصل، ولما كانت نزعة القومية العربية التي تبناها الشريف حسين ليبسط نفوذه محل الدولة العثمانية المتقهقرة، قد تفاقمت لدى القوميين العرب في بلاد الشام والعراق، فقد نصبَ نفسه بالتعاون مع البريطانيين قائداً للثورة العربية الكبرى، وشرعَ بتوزيع المناصب على أبنائه فالأكبر علي يخلفه على ولاية مملكة الحجاز، وعبد الله على العراق، وفيصل على سورية، وبدأت خطته، مع إعلان مملكة سورية في 8 آذار 1920 وتسمية فيصل ملكاً عليها، إلا أن هذه الفرحة لم تتم بسبب اتفاقية سايكس بيكو، واحتلال فرنسا لسورية، وطرد فيصل منها، الذي تخبط بحثاً عن منصب جديد يعوضه عن منصبه في سورية، فتم الاتفاق على تعيينه ملكاً على العراق.

في بلاد الشام، كان هناك نهر يدعى نهر الأردن، وهو نهر يتشكل من التقاء ثلاث روافد، بانياس القادم من سورية، واللدان القادم من شمال فلسطين، والحاصباني القادم من لبنان، وكانت المنطقة التي تقع شرق هذا النهر، عبارة عن متصرفيتين تابعتين لسورية، هما متصرفية الكرك ومتصرفية السلط، ولما كان الشريف حسين كما ذكرنا سابقاً، قد وعد ابنه عبد الله بإعطائه مملكة العراق، إلا أن وعده لم يلقَ قبول، نتيجة طرد فيصل من سوريا، وإعطاءه مملكة العراق، فقد تم بالاتفاق مع البريطانيين، إعطاء عبد الله إمارة خاصة به، اقتطعت من شرق نهر الأردن، وأطلق عليها إمارة شرق الأردن التي تأسست عام 1921، لتشكل لاحقاً في العام 1946 المملكة الأردنية الهاشمية والتي لا يزال أبناء الأمير عبد الله بن الحسين حكامها إلى يومنا هذا.

في هذا المقال، الذي كتبه أبو الهدى اليافي المتخصص بزاوية (صفحات من جهادنا الوطني)، التي تنشرها جريدة (المضحك المبكي) بشكل دوري، تحدث اليافي عن تأسيس إمارة شرق الأردن، وعن بعض المواقف الطريفة التي رافقت هذا التأسيس.

نتركم مع هذا المقال الذي يحمل عنوان (كيف تأسست مملكة شرق الأردن) ونشر في العدد 1008 11 تشرين الثاني 1962


 

صفحات من جهادنا الوطني

يكتبها ابو الهدى اليافي

كيف تأسست مملكة شرق الاردن

وكيف بدأ في الماضي تدخل الانكليز فيها

علم القراء مما كتبته في العدد الماضي من هذه المجلة انه بعد دخول الافرنسيون هذه البلاد غادرها ذلك الرهط الوطني من السياسيين الى شرق الاردن، هربا من احكام فرنسا، ومطاردتها لهم.

وهنا لا بد من التساؤل كيف تشكلت دولة شرق الاردن، وقد كانت عبارة عن متصرفيتين تابعتين لسوريا وهي متصرفية الكرك ومتصرفية السلط؟

من المعلوم ان مؤتمر فرساي كان قد اقر تقسيمات معاهدة سايكس بيكو التي جعلت سوريا ولبنان تحت الانتداب الافرنسي، وفلسطين تحت الانتداب البريطاني، وقد تركت شرق الاردن تحت ادارة الملك فيصل الاول حتى لا يشملها وعد بلفور..

وعندما خرج الملك فيصل من سورية، لم تشأ الحكومة البريطانية ان تضم الاردن الى فلسطين حتى لا يشملها وعد بلفور كما قلت، ولم تشأ ان تتدخل فيها عمليا، لا سيما بعد ما لمست نقمة السوريين على فرنسا لتدخلها بالقوة، فتركت امر الردن معلقا، وتركت الحالة فيها على ما كانت عليه زمن الملك فيصل وكانت النتيجة ان اختلت الاوضاع الادارية وكادت تعم الفوضى في تلك المنطقة لعدم وجود حكومة مركزية تنتمي اليها هذه المتصرفيات، وهكذا اخذت كل بلدة تحكم نفسها بنفسها وتدير امورها بالنسبة لاستعداد رئيسها الاداري ومقدرته او سعة اطلاعه، فكانت متصرفية السلط مثلا التي يرئسها مظهر رسلان، وقائمقامية اربد التي يديرها علي خلقي يسودهما القانون والنظام بينما كانت بقية المدن والقائمقاميات تدار عشائريا..

وكان متصرف الكرك في ذلك الوقت المرحوم محمد علي التميمي، الذي كان مديرا عاما للامن في في سورية في زمن فيصل، فلما انسحب الملك فيصل من سورية، ترك المتصرفية وغادر الاردن الى حيفا، حيث اشتغل بالمحاماة، فاستلم مكانه فيفان باشا المجالي، والد اللواء حابس المجالي رئيس اركان حرب شرق الاردن اليوم...

وبعد مدة وجيزة من دخول الافرنسيين الى دمشق، وبالنظر للرتباك الاداري الذي وقع في شرق الاردن اذ ذاك فقد اخذت الحكومة البريطانية المتمركزة في القدس تتصل بالاردنيين مباشرة لتمهد لنفسها السبيل للتدخل وبسط النفوذ، وكان اول تدخلها في تلك المنطقة ان عينت الميجر (بيك) وقد صار فيما بعد (بيك باشا) معاونا لقائد درك السلط، عارف باشا الحسن، فسلمه الشرطة ليقوم بتنظيمها مع الاشراف على شؤون الدرك.

ولعل اطرف ما حدث للميجر بيك ان ارسله قائد الدرك عارف الحسن على راس قوة لتنفيذ حكم اجرائي، فلما شاهده عرب بني صخر، وعرفوا انه انكليزي، القوا عليه القبض، وزجوه في احدى الياخورات، وقد ظل هناك يقوم بخدمتهم، ويعمل بمشيئتهم حتى عرف بذلك متصرف الكرك مظهر رسلان فتدخل في امره، واخلوا سبيله وعاد الى السلط..

وكان هناك موظف انكليزي آخر يدعى المستر سمرست، عينته الحكومة البريطانية مستشارا لمتصرفية اربد، فلما فلما علم بما وقع لزميله الميجر بيك لم يجرأ على المجيء لاربد وظل في طبريا، حتى عقد اتفاقا مع قائمقام اربد علي خلقي، سمي بمعاهدة اربد، وكان واضعه الصحفي المعروف المرحوم اديب الصفدي، وذلك بان يعترف المستشار باستقلال اربد استقلالا تاما، وهكذا اذن له بالدخول، على انه لم يبق فيها اكثر من شهرين، ثم نقل مستشارا لمتصرفية الكرك، ولكنه لم يستلم وظيفته هذه الا بعد ان استلم المغفور له الملك عبد الله رئاسة الحكومة الاردنية، فبقي فيها برهة قصيرة من الزمن، ثم غادرها الى لندن بناء على برقية وردت اليه بوفاة عمه اللورد ريكلان وهناك دخل في مجلس اللوردات، وراح يحمل حملات شديدة على الامير نفسه.

ومن الحوادث الطريفة في هذه المدة السر هربرت صاموئيل المندوب السامي في فلسطين اراد مرة ان يزور السلط، فاضرب جميع الموظفين والاهلين عن استقباله، وبعد المفاوضة قبلوا ان يستقبلوه على اساس ان يعلن العفو عن الحاج امين الحسيني، وعارف العارف، فوعد بتحقيق ذلك، ولما وصل الى السلط عقد اجتماعا عاما اكد فيه باسم الحكومة البريطانية الاستقلال التام لهذه المنطقة واستعداد الحكومة لمعاونتهم والاخذ بيدهم.

وهنا نهض المرحوم اديب الكايد، وقد كان عضو مجلس ادارة السلط، ورد على خطبة المندوب السامي بلهجته العامية وقال، اننا نشكر المستر صموئيل على اعلانه استقلال شرق الاردن، واذا علمنا ان شرق الاردن عبارة عن بلد لا يزيد عدد سكانها 25000 شحاد، كان استغرابنا شديدا كيف انجلترا تمنح هذه البلاد استقلالها، وتترك العراق وسورية ولبنان وبقية البلاد العربية بدون استقلال، وهذا مما يدل على ان الانجليز يمنحون استقلال الامم بالقرعة..

ثم التفت الى الحاضرين وقال لهم، ياجماعة الخير، لقد اصابت الفرعة منطقة الاردن واعطوها الاستقلال.

وكانت دهشة المستر هربرت صموئيل من هذا الخطاب شديدة..

ودارت الايام حتى عقد في القاهرة، في شهر اذار من عام 1921 مؤتمر للسياسيين الانجليز في الشرق الاوسط تحت رئاسة المستر تشرشل، وقد كان وزيرا للمستعمرات وقد تقرر فيه تنصيب الملك فيصل.

ولما كان العراقيون قد اعلنوا في دمشق في (7) آذار يوم تنصيب الملك فيصل على سوريا، ان يكون عبد الله هو ملك العراق، وبالنظر لترك الملك فيصل سورية فقد ارتأى الانكليز ان يستدعوا الامير عبد الله من معان ليسلموه رئاسة الاردن ترضية له، وعلى اثر ذلك حضر المستر تشرشل الى القدس حتى اجتمع بالامير عبد الله، وقد كان يرافقه مظهر رسلان وعوني عبد الهادي، وهناك تم الاتفاق على ان يكون الامير حاكما لشرق الاردن..

وكان اول عمل قام به الامير عندما تسلم امارة الاردن ان شكل حكومة برئاسة المرحوم رشيد طليع، وهو من الاداريين المشهورين بمقدرتهم ونزاهتهم ووطنيتهم في جميع البلاد العربية، وقد اشغل في زمن الاتراك عدة وظائف ادارية منها متصرفية حوران، وطرابلس واللاذقية، وانتخب نائبا عن حوران، وكان متصرفا لحماه في زمن فيصل ثم مديرا للداخلية في عهد حكومة المديرين برئاسة الامير زيد، ثم واليا لحلب في وزارة رضا باشا الركابي وفي وزارة هاشم الاتاسي.

وعندما دخل الافرنسيون لسوريا هرب من الصحراء لجبل العرب مع السيدين نبيه العظمة مدير شرطة حلب، وقد التجاؤوا جميعهم الى شرق الاردن مع بقية المجاهدين العرب..

وفي الاردن كلفه الامير بتشكيل الحكومة بلقب الكاتب الاداري، وكان يعاونه فيها امين التميمي للداخلية، ومظهر رسلان للعدلية، والشيخ الشنقيطي للمعارف، والامير شاكر بن زيد للعشائر، ينوب عنه احمد مريود..

وقد اصطدمت حكومته هذه بالمستر هربرت صموئيل المندوب السامي في فلسطين في عدة مناسبات، كانت النتيجة ان اعلن المندوب السامي عدم استطاعته التعاون مع هذه الحكومة، وهكذا تبدلت بحكومة جديدة برئاسة مظهر رسلان.

اعداد : سيريانيوز


صدرت مجلة المضحك المبكي في دمشق عام 1929، وهي مجلة سياسية كاريكاتورية اسبوعية من اشهر المطبوعات السياسية الساخرة في الوطن العربي ، ويمكن اعتبارها هي من اسس الكوميديا السياسيّة على الساحة السورية ( وربما العربية). اصدرها الصحفي حبيب كحالة ( 1898 – 1965 ) وهو درس التجارة والاقتصاد في الجامعة الاميركية في بيروت. أنشئ كحالة في بداية الثلاثينات من القرن الماضي مطبعة حديثة بدمشق لطباعة المجلة، وكانت تقع في شارع الملك فؤاد الأول، استمرت هذه المجلة في الصدور إلى عام 1965 ، وقامت "الجهات المعنية" بإغلاق المجلة وإلغاء ترخيصها وذلك عام 1966.


TAG: