راتاتوي .. اطباق تفوز بالاستحسان يعدها جرذ قذر !؟

01.03.2019 | 14:21

مراجعة : عبد الكريم انيس

غالباً، الأشياء التي تخيفك والتي تتقزز منها ستبقى مرافقة لك حتى مماتك، لكن السينما عموماً بإمكانها أن تدفعك لتغير من قناعاتك السابقة أو تخفف مخاوف التصقت بك في مرحلة فائتة، ويستطيع قصَّاص جيد أن يقلب مزاجيتك تجاه شيء محدد عندما يكتب نصاً جميلاً ويضفي عليه صبغةً إنسانيةً، ومن ثم يقوم مخرج فذ بإدارة موهبة الكاتب والممثل والرسام والموسيقي كي يخرج إليك مادة فلمية تجبرك على أن تعيد النظر تجاه الأشياء من زاوية مختلفة.. هذا ما حدث تماماً في Ratatouille فيلم الأطفال الذي سيدفعك لتغير نظرتك وتتعاطف مع الجرذ، القارض القذر، الموبوء بالأمراض والمسكون بلعنة الطاعون منذ القرون الوسطى.

في فيلم Ratatouille ستجد أن قصة جان بينكافا Jan Pinkava مستغرقة بالفرادة والغرابة في جعلها بطلها جرذاً متحضراً وصاحب ذوق رفيع بتحضير الطعام على أصوله، وكذا إخراج براد بيرد Brad Bird الملفت للانتباه، وخصوصاً من ناحية اختيار موقع حدوث أحداث الفيلم، في مدينة السياحة والمطاعم والأنوار باريس، حيث تجتمع هناك المتناقضات، جموع حاشدة من الناس تلجأ للأكل في المطاعم، تكاد لا تجد كرسياً فارغاً في وقت الغداء أو العشاء، المدينة التي تفتخر بتنوع مطبخها وأطباقها، ولا تجد حرجاً أو إشكالاً في استضافة الثقافات القريبة في مطابخها، المدينة التي يقول عنها مختصون  إن هناك جرذاً لكل ساكن فيها يسكن في أروقة المجاري أسفل المدينة على نحو مواز لحياة الرفاه والسياحة، من هناك تبدأ القصة.

أما اسم الفيلم فيأتي من الطبق الذي يعتبر شعبياً في الثقافة الشرقية من نوع "المسقعات" وهو طبق خضار يتم تحضيره في الفرن، من أهم مكوناته البندورة مع الثوم والبصل والكوسا والباذنجان والفليفلة والجزر وقليل من الحبق والزعتر ومزيج من الأعشاب مثل توابل بروفنسال وهي مكونات عشبية فرنسية من مقاطعة Provence. تقطع الخضروات إلى مكعبات صغيرة ثم تقلى بالقليل من الزيت أو الزبدة ثم تضاف المنكهات ومن ثمّ تقدم. المصدر.

فن الطبخ والفرادة

 "الكل يستطيع أن يطبخ" شعار رفعه طاه رفيع المستوى استطاع أن يحصل على شهرة كبيرة، إنه "أوجست جوستو" Auguste Gusteau، يرفع هذا الطاهي شعاراً يداعب فكر أي مغرم بشؤون الطعام وفنونه، إنه يمكّن ذاك الإنسان صاحب المهنة التقليدية، من تحويل عمله الاعتيادي ليصبح بمثابة إبداع يصدر عن فنان مرهف المشاعر، يتميز بلوحته المطبخية، يلطّخ جانباً منها ببعض بهاراته، ويرمي في جانب آخر مقداراً محدداً من الأعشاب العطرية الندية، ويضيف قدراً وافياً ومناسباً من الدسم، يعرّضهم لدرجة استواء كافية، كي تجتمع لديه تحفة فنية تُقدم في طبق مفعم باللمسات الإبداعية.

حسب الفيلم، بإمكان الطاهي أن يتحول لراقص باليه، يتنقل برشاقة وليونة بين مكونات مطبخه، ويستطيع عبر هذا الأداء أن يجانس بين تلك المكونات وصفاته، فيضيف إليها البهجة والسرور والمذاق الذي يأخذك بعيداً لتستمتع بفرادة وجبتك التي صنعت خصيصاً لك، وبذلك تعزز لديك المزيد من الشعور بالاستغراق في التجربة لتحكم على النتيجة، وبذا تصير فرداً لا يأكل الطعام فقط بل يتذوقه أيضاً، ويشارك بتحسينه وإضفاء اللمسات الشخصية الفريدة عليه. إنها بطريقة أو بأخرى حاسة التقييم التي تعطيك القيمة بأن تكون أكثر من مجرد كائن حي يتناول وجباته اليومية بشكل روتيني ودوري.

في الفيلم بإمكان الحلم والشغف عبر شعار "جوستو" أن "الجميع بإمكانهم أن يطبخوا" أن يصل لعتبة جرذ Remy يمتلك هذه الموهبة الفريدة للدرجة التي تمكّنه من الفوز باستحسان ناقد طعام متوجس لكل تفصيل دقيق في النسب والكميات والأصناف والمذاقات على اختلاف درجاتها وتشابكاتها، هذا الناقد Anton Ego يصل لخلاصة مفادها أن كل غروره الذي أسبغه في أحكامه القاسية السابقة والتي كانت تتسبب بقطع أرزاق أصحاب المطاعم حين يكتب عنها بطريقة لاذعة منتقدة، كل تلك الأحكام استطاع جرذ أن ينسفها، ويستحوذ على رضاه صعب المنال، وهو ما دفعه للاستقالة كون هذا يعد فضيحة في عالم لا يعترف بالتفرد والخصوصية تجاه كائن آخر تستحقره العين قبل أن تقبل أن تتذوق ما قد يعده من وجبات وأطباق.

أنسنة الجرذان

أحداث الفيلم، تمتزج بالفكاهة والمشاعر والعلاقات الإنسانية المعقدة، تنتقل بين عالمين متوازيين يكادان لا يلحظان بعضهما بعضاً إلا من ناحية العداء، أو التعدي على بعضهما، ومع ذلك هي متشابهة من حيث الطباع وحاجات البقاء، فحين حاول الكاتب أنسنة الجرذان، نقل إلينا الاختلافات التي طرأت على Remy حين انتقل في سلم الرقي الاجتماعي وبات يخالط الإنسان، ككائن أرقى، بات يواجه مشكلات جمّة كتلك التي يواجهها إنسان ناجح خرج من بيئة معدمة وفقيرة، تارة يشعر بالحرج من انتمائه السابق لها وتارة أخرى يضطر ليواسيهم بما جادت عليه أوضاعه الجديدة.

حصل الفيلم على تقييم مرتفع مما يزيد على نصف مليون شخص على موقع imdb المختص بتقييم الأفلام وأُطلق للعموم بتاريخ الأول من آب في فرنسا لعام 2007، وتصدر شباكات التذاكر لفترة طويلة وحقق أرباحاً كبيرة لمنتجيه Pixar Animation Studios, Walt Disney Pictures

بإمكانك أن تشاهد المقطع الترويجي للفيلم عبر هذا الرابط (اضغط هنا لمشاهدة free trailer)


TAG: