نظام الأسد والسيطرة على اللاوعي

07.06.2016 | 02:42

كلنا يعلم مافعله نظام حافظ الأسد في السيطرة على العقل الجمعي وعلى اللاواعي لدينا ليسلبنا الإرادة على التغيير ، وليقنعنا أن مجرد التفكير في التغيير كبيرةٌ من الكبائر الوطنية التي يجدر بصاحبها الاختفاء وراء الشمس..

وهذه السيطرة لم تكن وليدة تفكير شخصي لحافظ الأسد ، بل هي حصيلة دراسات نفسية وسيكولوجية معروفة تحدث عنها علماء النفس والاجتماع وعلى رأسهم ( غوستاف لوبون) الذي قدم في كتابه ( سيكولوجيا الجماهير ) رؤية مفصَّلة لكيفية سيطرة القادة والأفكار والمفاهيم على الجماهير ، وكيفية تمكنهم من قيادة لاوعيهم موضحاً خصائص العقل الجمعي والعوامل التي تؤثر فيه...

ومن ذلك قوله: ( عندما نريد أن ندخل الأفكار والعقائد ببطء إلى روح الجماهير فإننا نجد أن أساليب القادة تختلف فهم يلجؤون بشكل أساسي إلى الأساليب الثلاثة التالية :

أسلوب التأكيد – أسلوب التكرار – أسلوب العدوى

وهذه الأمور لا شك أن تأثيرها بطيء ولكنه دائم ) انتهى

 

يبدأ (لوبون) مع العامل الأول ، وهو ( التأكيد ) ، فيوضح سمات التأكيد المؤثر في عقول الجماهير فيقول:

(وكلما كان التأكيد قاطعاً وخالياً من كل برهان كلما فرض نفسه بشكل أكبر فالكتب الدينية والقوانين في كل العصور استخدمت دائماً أسلوب التوكيد المجرد عن كل شيء )

 

ويتجلى لنا هذا الكلام في سياسة نظام الأسد خلال أربعين عاماً من خلال تقديم نفسه على أنه الممانع والمقاوم والمتحدي ، وليس إثبات (عدم خيانته أو تبرير عدم استرجاع الجولان أو تبرير مجازره ضد الفلسطينين في لبنان) بل قدم نفسه على أنه المقاوم لكل المؤامرات الصهيوأمريكية ، والمترفع عن مواقف الدول العربية الدولية على نحو مؤكَّد لا لبس فيه ، وأنه يرتقي فوق كل طعن أو تشكيك ، بل جعل من تعظيم دوره ومكانته بداهة لا يتجرأ أحد على الاقتراب منها فضلاً عن نقضها أو الطعن عليها

ثم يشرح (لوبون) في كتابه دور " التكرار : في سيطرة القادة والطغاة على الشعوب ، ويشبِّه ذلك بدور الإعلانات التي تعتمد على تكرار العبارات والأفكار عن منتجاتها لتصبح راسخة في لاوعي الجماهير ، وليصير اسم المنتج راسخاً أيضاً وإن زال المنتج نفسه ، ( كما صار لدينا مثلاً اسم (كلينكس) علماً لكل أنواع المناديل ) ... الأمر هذا هو ما اعتمده نظام الأسد وعلى مدى أربعين عاماً في ترسيخ حكمه لنا وسيطرته علينا ، ويتجلى ذلك في:

- شعارات يرددها الطلاب في المدارس كل صباح

-  ما يتكرر يومياً في الصحف والتلفاز من تعظيم للقائد وإنجازاته وبطولاته وربط كل ما في الوطن باسمه ليصبح وجود الوطن نفسه من إنجازاته ، وخصوصي في وقت أغلق فيه نظام الأسد البلد ، فما كان فيه إلا إعلام واحد وصوت واحد

- خطب المساجد وأدعية الخطباء على المنابر التي تجعل وصول القائد للحكم إنما هو قدر الله الذي لا مفر لنا أمامه ، وبالتالي فطاعته من طاعة الله ، والقيام عليه خروج عن أمر الله ، وشقٌّ لعصا الطاعة ، ومن ذلك دعاؤهم المشهور في كل مناسبة:  (اللهم وفق عبدك هذا الذي وليته (أنتَ) أمرنا للحكم بكتابك والسير على شريعتك إلخ)....

وبالعودة للأمر الثالث الذي تكلم عنه (لوبون) في كتابه (سيكولوجيا الجماهير) وهو ( العدوى) ، يقول لوبون: (وعندما يُتاح لتوكيدٍ ما أن يكرَّر بما فيه الكفاية ، وأن يُكرَّر بالإجماع ، فإنه يتشكل بذلك تيار الرأي العام ،  وعندئذ تتدخَّل الآلية الجبارة للعدوى وتفعل فعلها ، فالأفكار والعواطف والانفعالات االعقائد الإيمانية تمتلك سلطة عدوى بنفس قوة وكثافة سلطة الجراثيم... )

بهذا الكلام نستطيع أن نفهم كيف كان السوريون يتدافعون في المدارس والجامعات للانتساب لحزب البعث ، وكيف كانوا يخرجون في الساحات العامة يهتفون بحياة "القائد" وخلوده ، هذه العدوى التي ظلت حتى يومنا هذا مع كل الدماء التي تسبب بنزيفها القائد وابنه

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم:  كيف يمكن لهذه العوامل الثلاثة التي طوعها نظام الأسد لفرض سيطرته وترسيخ حكمه أن تكون أداة لواقع أفضل نطمح إليه؟

الجواب: يكون ذلك بتحميلها للمعاني الإيجابية، أي باستثمار خصائص ( التأكيد ، والتكرار ، والعدوى ) لتعزيز معاني وقيم ومبادئ نحتاج إليها مثل : الحرية المسؤولة – الكرامة – الوطن – العدالة الاجتماعية – الديمقراطية ..... وذلك على نحو تستقر في اللاوعي وتصبح هذه القيم هي التي توجه سلوك الشعب وتؤطره.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن من الضرورة بمكان أن ينبري المختصون بهذا المجال لإعداد الدراسات سواء فيما يتعلق بسيكولوجيا الجماهير ، أو تشكيل الرأي العام ، أو العقل الجمعي ، أو اللاوعي.... وغيرها.. ، فكما كنا وفقها خاضعين لقوى الباطل علينا اليوم أن نجعلها أدواتنا لتحقيق أهداف الثورة  ولرسم معالم الطريق الذي لأجله كانت بحور الدماء.

سهير أومري

 


TAG: