عين في السماء .. قتل "بميزان اخلاقي" ..

28.08.2018 | 20:50

مراجعة : عبد الكريم انيس 

الفيلم الذي بين أيدينا اليوم عبارة عن فيلم يؤدي رسالة عامة، هذه الرسالة تسترعي منا الانتباه كوننا لسنا وحيدين بعد الآن، نحن مكشوفون وحاسرون تماماً، ومتَابعون.

وفي حال كنت شخصاً مهماً، وفقاً لأهمية ودرجة مركزك؛ يأتي ترتيبك في سلم الأولوية لدى جهات عليها مراقبة كل شيء.

بالإمكان القول إن الفيلم يكشف الستار عن عالم من العوالم الخفية، العوالم التي تحرك الأحداث وتديرها في الخفاء، إنها عوالم التجسس والعمليات الاستخباراتية التي تستخدم التكنولوجيا المتطورة، العالم الذي يتم فيه توظيف التقدم المعرفي لكسر الخصوصية واستباحتها وفق مصالح سياسية تخدم الجهات التي تدفع أكبر التمويلات التي يمكن تخيلها ليتاح لها الاطلاع شبه الكامل على ما يدور حولها من مؤامرات ومخططات وخصوصاً تلك التي تعادي مصالحها.

تحديد الهدف

الهدف اليوم مراقبة مجموعة إرهابية، هذه المجموعة مسؤولة عن مقتل أناس آخرين وستتسبب بالمزيد من القتل لو بقيت على قيد الحياة. جهات المراقبة تمتلك القرار فيمن يبقى على قيد الحياة وفيمن يتم تصفيته، باستطاعتها جلب أعدائها أو تصفيتهم في الوقت الذي تريده قياداتها، وفي المكان الذي تستطيع أن تصل إليه عيونها وطائراتها وعملاؤها. جهات المراقبة تلك تحدد من هم أولئك الذين تستدعي جنسياتهم أن يكونوا مثار شكوك قانونية وحقوقية ودبلوماسية.

يعتمد الفيلم اعتماداً أساسياً على الإثارة وتداخل المعطيات مع تطور وتبدّل مسار الأحداث، ويمكن للفيلم أن يستفز كامل انتباه المشاهد، من ترقّب وتصعيد تتدافع فيهما المشاعر والعواطف والأفكار... كلها تتداخل مع الحواس ليشعر المشاهد وكأنه أحد عناصر الفيلم الذين يتوجب عليهم أن يأخذوا قراراً سريعاً وحاسماً، وبالوقت ذاته ينبغي أن يكون قرارهم أفضل الخيارات المتاحة ضمن قدر ضيق من الخيارات. الفيلم من عينة الأفلام التي تتصارع مع الزمن وتضع المشاهد في مضمارها ليتسابق مع أحداثها حتى اللحظة الأخيرة.

ميزان أخلاقي مُشكل

كان كاتب السيناريو ذكياً للغاية حين استحضر شخصية طفلة صغيرة بسيطة وفقيرة، تساعد أهلها في تدبير شؤون حياتهم، قد تتأثر جراء قصف محتمل ووشيك للمنطقة، وقد أكد هنا، للمشاهد الغربي تحديداً، أن رصد الأضرار (الجانبية) من تلك العمليات يتم حسابه وتقييمه ودراسة أبعاده، وتبعاً لذلك يتم منح الإذن بالقصف، كما يبين أن هذا الأمر يمر عبر تسلسل الرتب العسكرية والمدنية مما يفترض معه وضوح  الميزان الأخلاقي للعمليات العسكرية، ويقيّد المشاهد بموازنة حاول وسعه جاهداً أن يجعلها إلزامية، ولا يمكن الفكاك من تداعياتها المؤلمة الأخرى، فهناك إمكانية لتصفية الهدف الإرهابي بشكل دقيق، مع إمكانية سقوط ضحية بريئة في عمر الورود، وهذا التضاد بين ما تريد وبين ما يحكم عليك بحكم الظروف، يزيد من شأن حمى الصراع بين المفترض وهو الحرص على حيوات الأبرياء، والواجب في التخلص من العناصر التي تشكل خطراً على العموم،  إنه صراع  محموم لمحاولة الحفاظ على الضحية المفترضة وهي هنا تشكل الطفلة الصغيرة، مع نتائج جدوى واقعية إتمام العملية بتخفيض مفترض لضحايا الإرهابيين ومقارنة ذلك مع تصور أن نجاة وإتمام الإرهابيين لعمليتهم القادمة المفترضة ستكلف الكثير من الأرواح.

وهنا يقع المشاهد بين خيارين قاسيين: ماذا كنت ستفعل لو كنت أنت في الموقف والظرف ذاته؟! يضعك الكاتب والمخرج وطاقم العمل بمكان القاضي لتحكم بنفسك، لو كنت في مكان القائمين على العملية أي الخيارات ستتخذ؟ وأيها سيكون أقل ضرراً؟  مع ضبط إيقاع الحدث لجهة تنفيذ العملية، وشدّ الأعصاب للحد الأقصى الذي سيجعل المشاهد يختار بدون أن يرف جفنه أن تتم عملية إطلاق الصواريخ، حتى لو كانت الطفلة ضحية، وليكن ذلك أخف الأضرار الممكنة، وحين يقرر إطلاق الصاروخ، يصبح المشاهد مداناً أخلاقياً تماماً كمن أدى العملية الحقيقية، إنه متورط بالقدر ذاته كعناصر العملية العسكرية بأكملها. يقول صانعو الفيلم إنهم مكرهون على آخذ هذا الفعل، وعلينا أن نتفهم ذلك.

قد يبدو موضوع إطلاق الصاروخ أمراً سهلاُ غير ذي بال ولا يقترن بنتائج تليه، وهذا مجرد مبالغة، ويتبدى هذا حين نشاهد الشدّ العصبي الذي يصيب العناصر العسكريين الموكلين بإتمام المهمة، وعلى المشاهد أن يعرف أن تنفيذ أمر الإطلاق وما يترتب عليه من إزهاق أرواح ضحايا أبرياء أمر بالغ التأثير على كثير من الناس، للحد الذي كان يجعل من تنفيذ قرار إعدام عسكري أمراً بالغ التأثير في نفوس الجنود ولذلك كان يتم وضع رصاص خلبي في بنادق منفذي مهمة الإعدام ورصاصة واحدة حقيقة في بندقية أحدهم، لتنفيذ الإعدام بدون أن يعلم الجنود أيهم كانت رصاصته القاتلة، لتداعيات ذلك على النفس البشرية فيما بعد، يدعم هذا التوجه العلاجات النفسية التي يخضع لها كثير من الذين كانوا اليد المنفذة لكثير من العمليات العسكرية في مناطق مختلفة من العالم.

تبرير القتل

الأحداث على أرض الواقع لا تحدث غالباً بالشكل المنضبط الذي صوره الفيلم، فكثيراً ما سمعنا عن أخبار لقصف أعراس أو مآتم ما لبثت أن اتسعت وأضحت بقايا مجازر، لشبهة وجود أشخاص مطلوبين للنظام الدولي الذي يتزعم محاربة الإرهاب، هذا النظام الذي يحرث أراضي المشتبه بهم بالصواريخ بالرغم من امتلاكه كمية كبيرة من وسائل التجسس والعملاء الذين بإمكانهم العمل على التقليل من حجم الكارثة التي تتسبب بها غاراتهم الجوية التي تنفذ عن بعد.

ويعتقد كاتب هذا التقييم أن هذا الفيلم يعتبر نوعاً من أنواع التبرير للجرائم التي ارتكبتها قوات جوية أجنبية بحق آلاف من المدنيين بدعوى التخلص من أهداف معادية، حدث هذا وتكرر في سوريا والعراق وأفغانستان وباكستان ومناطق أخرى في العالم، وبدون أن يأخذ هذا الإجرام حقه من التنديد وفهم ما قد ينتح عنه لاحقاً من عنف مضاد وبناء كراهية وحقد لا يُعرف متي وأين وكيف قد يظهر وكيف بالإمكان أن يتم السيطرة عليه ووأده قبل أن يتحول لنار تأكل الجميع، بل ويتساهل الكثير بنتائجه البعيدة.

عمليات عسكرية كثيرة كانت تحدث بدون حتى اطلاع السلطات (الشرعية) في المناطق التي يتم فيها تنفيذ العملية، وهذا بحد ذاته يفتح باب شرعنة القتل وباعتماد وسائل تدمير عشوائية ويمنح فاعليها حصانة (أخلاقية) كونه يخلص العالم من شرور يراها هو تهدد مصالحه، وهو أمر له نتائج ليست محمودة العواقب إطلاقاً.  

خدع باتت مكشوفة

وفي ظل الواقع ومع الأوضاع الميدانية في سوريا خصوصاً، وسابقاً مع جارتها العراق ومناطق أخرى مختلفة من العالم، ومع توافر هذه التكنولوجيا التجسسية، والمعرفة الأكيدة للتفاصيل التي حدثت في بداية الثورة السورية، والعلم بدقائق إجرام الأنظمة خاصة في سوريا ومع متابعة دقيقة لدخول وتشكيل العناصر التي أخذت بعداً متطرفاً في المنطقة في مرحلة تالية، لم يعد المشاهد يعزل ما يشاهده من أفلام تحاول تبرئة ساحة الدول التي تصف نفسها بأنها من داعمي حقوق الإنسان والتي تخشى من الأضرار الجانبية لعملياتها التي تصفها بـ"النظيفة"، لكنها بالوقت نفسه تغض الطرف عامدة متعمدة عن مقتل عشرات الألوف من البشر، بكل أساليب القتل الجماعي العشوائي بالسلاح الذي تبيعه لهذه الأنظمة، وكذلك بالتغاضي عن قوائم التعذيب حتى الموت لألوف مؤلفة من البشر في أقبية المعتقلات، وهي تحاول إيهامنا فقط أن مشكلتنا كما هي مشكلتهم مع إرهاب لم يتم تحديده أو وضع إطار تعريفي له يدينه، وفي الوقت عينه تقوم هي بتدعيم وبيع أسلحة تقليدية وغير تقليدية وشرعنة أنظمة إجرامية تدفع شعوباً بأكملها كي تصاب بجنون لا يمكن معرفة أذى الحريق الذي سيتسبب فيه للعالم بأسره.

الفيلم من إخراج Gavin Hood وكتابة Guy Hibbert وبطولة كل من Helen Mirren, Aaron Paul, Alan Rickman وآخرين. قام بإنتاج الفيلم Raindog Films.

يمكنك مشاهدة المقطع الدعائي للفيلم من الرابط التالي (اضغط هنا)

 


TAG:

منظمة تتهم "الادارة الذاتية" بارتكاب انتهاكات بحق معتقليها .. وواشنطن تعلق

اتهمت منظمة "العفو الدولية" الادارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين المعتقلين في السجون التابعة لها، بالمناطق الخاضعة تحت سيطرتها، فيما علقت الخارجية الامريكية على ذلك، مشيرة الى انها ستعمل على مراجعة هذه التقارير.