أنابيب الغاز والنظام الضحية والقرضاوي المحرض

من المفيد الاستماع لقنوات إعلامية مؤدلجة وصاحبة تاريخ عريق بالترويج للكذب مثل روسيا اليوم، ففي بعض الأحيان تُظهر شهادات تقدمها عكس ما يراد من الرواية الروسية الرسمية، وما تشيعه من أكاذيب وأقاويل تدفع مقابل ترويجها بين الجمهور مبالغ طائلة،

من المفيد الاستماع لقنوات إعلامية مؤدلجة وصاحبة تاريخ عريق بالترويج للكذب مثل روسيا اليوم، ففي بعض الأحيان تُظهر شهادات تقدمها عكس ما يراد من الرواية الروسية الرسمية، وما تشيعه من أكاذيب وأقاويل تدفع مقابل ترويجها بين الجمهور مبالغ طائلة، إما عبر إعلامها أو عن طريق شركات علاقات عامة مدفوعة الأجر أو عبر الذباب الإلكتروني وكل منها يقوم بدوره المرسوم لتبرير ما تقوم به روسيا من جرائم في سورية بالشراكة مع نظامي إيران وأسد، ونشر التلويث الذي جعل من أي مطالب شعبية شرعية تبدو مجرد خيانات غير قابلة للغفران.


في برنامج "رحلة في الذاكرة" الذي تعرضه القناة، يتم عادة استضافة شخصيات ذات صلات وثيقة بصناع القرار الروسي الرسمي أو السوفيتي سابقاً، وعادة يتم تقديم شهادة قد لا يكون كثيرون مطلعون على تفاصيلها وتجاذب بعض أسرارها للعلن، فتسهم بكشف ما لما يمكن أن يكون مقدماً من جهة واحدة فقط، طول فترة من الزمن.

في إحدى الحلقات خرج علينا فريق الإعداد والمقدم خالد الرشد بعنوان مثير: "فلاديمير تيتورينكو يخرج عن صمته ويفتح ملف قطر بشهادته كسفير لروسيا لدى الدوحة سابقاً".

خيل إلينا كمتأثرين مباشرين بالشأن السوري ومتابعين لنتائجه الكارثية، أن الشخصية الضيف سيقوم بإفشاء معلومات خطيرة تذاع للمرة الأولى عن حقيقة تدخل قطر في ما حدث في سورية، وهو ما جعلنا نتابع البرنامج باهتمام.

بدأ الرجل البرنامج بسرد حقائق عن العلاقات الروسية القطرية، وكيف أنها وصلت لمرحلة راكدة تماماً، قبل أن تثمر جهوده العظيمة توقيع تفاهمات خلال أقل من سنة، كانت فترة وجوده كسفير هناك.

ادعى السفير، ممثل الدولة العظمى روسيا، أنه لا يحب الاستخفاف بقطر، كعادة حمقى أبواق الأنظمة العربية، كونها ذات عدد منخفض من السكان (حوالي 300 ألف نسمة)، وكذا عدد أفراد جيشها ومعداته، الذي قال إنه يكفيه 30 مدفعاً أو دبابة، لأنه مسؤول فقط عن تأمين العائلة الحاكمة واحتياطي الذهب والصمود فقط كي يتدخل المجتمع الدولي إذا حدث اعتداء على البلاد، على اعتبار أن قطر لقمة صغيرة في بحر تحيط فيه الوحوش.

ولكنه وقع في تناقض واضح عند الحديث عن محاولاته وإنجازاته لفتح ملف جديد من العلاقات لدولته العظمى مع هذه الدويلة الصغيرة، ظهر كاستجداء وملاحقة للجانب القطري لإنعاش ملف العلاقات الاقتصادية بين البلدين بعد أن وصلت للصفر، ولكن قطر كما قال، كانت تعامل الروس بندية لم يعتادوا عليها، وكانت بالمقابل تبحث عن إقامة مصالح استثمارية في روسيا بأموال قطرية. وكانت أثناء النقاشات تحتاط بكمية كبيرة من الموظفين الأجانب المختصين، أكثرهم تواجداً كان أسترالي الجنسية تم استبداله بسوداني بعد الاعتراض، وكان هؤلاء الموظفين من ذوي الخبرة في العقود، وكانوا يعطلون إبرام بعضها لاعتقادهم أن هناك نقاطاً لا تتعلق بالمصلحة العقدية بين الطرفين، وربما كانت مجرد بنود وهمية ومحاولات للهبر والهبش يقوم بها لصوص التعاقدات للحصول على مبالغ إضافية يتم تحصيلها من دول تعتبر ثرية.

وصرّح السفير أن المختصين الاستشاريين الأجانب كانوا يحضرون عند مناقشة الأمور الاقتصادية والاختصاصية، وكانوا مهتمين بمحطات التحلية وتطوير المشاريع الزراعية وإنشاء مفاعل نووي، والتقنيات المعلوماتية ومجال الفضاء وأنظمة الحصول على المعلومات عبر الأقمار الصناعية الروسية، فيما عدا ما يختص بوزارة الدفاع ووزارة الخارجية.

تحدث السفير عن كفاءة عالية لإدارة شؤون الدويلة القطرية، وأن قطر تؤمن بعالم متعدد الأقطاب، وأنه يجب أن يكون لها علاقات متوازنة مع أمريكا التي تمتلك أكبر قاعدة جوية لها في المنطقة على أراضيها، وكذلك مع روسيا على حد سواء، وهي تدرك أن الأمر ليس سهلاً ولا بسيطاً في ظل الخارطات الدولية للمصالح...

وهنا تظهر مبالغة مفادها أن الشائع عن الدويلات الخليجية أنها كيانات تابعة، لكن قطر كانت تقوم بأفعال ندية مع دولة مثل روسيا في مجال التنسيق لبيع الغاز في الأسواق العالمية ضمن تفاهمات بعدم التعرض لمصالح بعضهما بعضاً، وقد وصلت قطر لحد تهديد روسيا بدفع الثمن كونها تستمر بدعم أنظمة عنفية مثل الموجودة في ليبيا وسورية، وهو ما اعتبره السفير وقاحة بالغة لم تصل لهذا الحد ولا في أي زمن، حتى الولايات المتحدة الغريم الأساس لروسيا في العالم لم تفعله، وكذلك السعودية التي تتوافق مع قطر في موقفها حول الوضع في سورية!. وكان هذا تحولاً كبيراً، برأي السفير، بعد أن لمس أن أمير البلاد ونظامه السياسي ينحون باتجاه إيجابي تجاه محاولات الروس لتطوير العلاقات بين البلدين بكل جدية. واختتم السفير كلامه بإظهار إيمانه القطعي بأن كل تلك المشاريع التي تم الإعداد لها عبر فترة طويلة من الزمن مع القطريين كانت ستتم لو لم تبدأ "الثورات الملونة" في العالم العربي.

لم يخجل المحاور من السؤال فيما إذا تم تقديم عروض بديلة من قبل القطريين للروس كي يتخلوا عن النظام السوري، فأجاب بالنفي. لكن المحاور اعتبر ذلك عملاً غبياً، فكيف لا يتم تقديم عرض ما مقابل ترك عصابة دموية كعصابة الأسد؟. صحيح أن المحاور ربما خجل من تسمية ذلك رشوة يتلقاها عادة بعض الزعران الذين لديهم سطوة أو قوة ما ليتخلوا عن نظام قام بأفظع المجازر تجاه شعبه، لكن جواب السفير كان أن النظام القطري اكتفى فقط بإظهار أن النظام البديل في سورية سيكون صاحب علاقات جيدة مع النظام الروسي إذا ما تخلى عن النظام الأسدي.

المطب الأساس الذي وقع فيه البرنامج أنه كذّب كل ما تم الترويج له في مرحلة سابقة عن كون النظام السوري المجرم كان ضحية لمؤامرة صراع الأنابيب الغازية، وأن ما يجري في سورية هو نتيجة رفض بشار الأسد "البطولي" لمد أنبوب غاز يمر بالأراضي السورية. وقد صور أصحاب هذه التمثيلية أن رفض زعيم العصابة الأسدية لهذا المشروع سبَّب الانتقام منه بدعم ثورة ضده على الأراض السورية. وهنا شهدنا الكثير من المحاولات لدى أنصار هذه العصابة لتصوير زعيمها وكأنه بطل تراجيدي، تجتمع ضده كل الظروف كي يأخذ خياراً صعباً ويموت في سبيله، وقد يشاهده التيار الوطنجي والقومجي يوماً على سطح القمر، كما حدث مع المجرم صدام حسين سابقاً، وذلك حين يتخذ القرار بالتخلص منه، كما سابقيه من الحكام العملاء الذين يقدمون كل ما يمكن من فروض الطاعة للدول التي تضمن بقاءه.

لقد اكتشفنا عبر السفير، واسع الاطلاع، أن رأس النظام السوري ممثلاً ببشار الأسد كان موافقاً على تلك الصفقة تماماً في مؤتمر جمعه مع الأطراف التي كانت حليفته بإسطنبول وإيران على حد سواء. وأضاف السفير أن السعودية هي التي عارضت مثل هذا المشروع. وقال إنه لا يعتقد أن للغاز دخلاً بذلك الذي جرى في سورية بأي شكل من الأشكال. وقال إنه بصفته البحثية لا الدبلوماسية يعتقد أن ما حدث بدول الربيع العربي كان بسبب فساد الأنظمة التقليدية، والتردي الاقتصادي، والتدخل الخارجي الذي قام بدعم المنتفضين ضد الأنظمة هناك. وطبعاً مثل هذا الكلام والتبرير لا يستدعي خروج ثورة ضد مثل هذه أنظمة، بالمفهوم السوفيتي القمعي الاجرامي للسيطرة على الدول والمحافظة على الأنظمة العملية لها!

قام معد ومقدم البرنامج بالحديث عن شخصيتي عزمي بشارة والشيخ يوسف القرضاوي، على أنهما أدارا ملف التعامل لإدارة رياح الربيع العربي والتغيير من قطر، فقد عمل أحدهما (عزمي بشارة) مع المثقفين السياسيين اليساريين العلمانيين، أما الشيخ القرضاوي فكان عمله مع الطبقة الشعبية المتدينة.

وتحدث السفير عن مساعيه للاجتماع مع يوسف القرضاوي الذي كان يأمر فيطاع في قطر على حد وصفه، وهو لم يقل لماذا كان يود الاجتماع بشيخ طاعن في السن يعلم علم اليقين أنه ليس له يد في الشأن الاقتصادي الذي يهمه، وادعى أنه سمع تحريضه للسلطات القطرية من أجل إعطاء المزيد من المال للثوار كي تشتعل الأمور أكثر في مصر، ولم ينس السفير أن يقحم في حديثه رواية أن عبد الناصر كان من نفى الشيخ القرضاوي من مصر بعد تزايد خطره كأحد أعضاء الإخوان المسلمين والذي أصبح فيما بعد الأب الروحي لهم في الخارج.

وقد وصفَ السفير الشيخ القرضاوي بأنه شخص متقدم في السن، وكان ربما ينسى أن هناك في الجلسة رجل يمثل سفارة دولة أجنبية وهو يتحدث، وادعى أن الشيخ طلب في مرات لاحقة وبوجود السفير، من قناة الجزيرة أن تنشر أكثر ما يصلها من الأحداث الفظيعة والمشاهد الدموية من العنف، وخصوصاً صور الدماء والقتل للأطفال حتى تثير الرأي العام ضد عصابة النظام في سورية!. وتناسى الإعلامي الرصين وهو يحملق بغباء بضيفه طالباً تأكيده: "هل هذا معقول! هل شهدت على ذلك شخصياً!"، أن القائم بالجريمة هو عصابة الأسد وليس الشيخ يوسف القرضاوي، الذي يطالب بعدم السكوت عن الجريمة بل وفضحها.

نقل السفير أن القرضاوي كان يقول: إن الشعوب ستثور ضد كل الطغاة في العالم العربي، حتى إنه لم يستثن حكام قطر من المصير ذاته، معللاً ذلك أن الشعوب العربية آن لها أن تحكم نفسها بنفسها وتتخلص من كل هذه العقليات الحاكمة كي تشق طريق المستقبل للحرية.

"كان يقول لي إن على روسيا أن تسلم أن الأنظمة الدموية والفاسدة في البلدان العربية يجب أن تزول، وأن الشعوب قد سئمت من حكوماتها القديمة، ويجب أن تحل محلها قوى المجتمع، وعندما تتخلص من حكامها السابقين ستتمكن هذه الشعوب من بناء مجتمعات مزدهرة مبنية على تقاليدنا الأصيلة".

وحين سألته هل ينطبق هذا على حكام قطر؟ قال القرضاوي: "إن على الأمراء في البداية أن يقوموا بدورهم وبعدها ستطيح الشعوب بهم!

لفت نظر السفير أن القرضاوي هو المسؤول الدعائي الذي كان يحرض القيادة القطرية لتوجيه دفة إعلامها نحو التصعيد لإسقاط النظام في سورية، ولم يلفت نظره أن حكومة بلاده تساعد مجرماً في سورية، كيف لا وهو ابن دولة عظمى قهرية آخر ما كان يهمها هو الإنسان، ويشهد على ذلك عشرات الملايين من البشر الذين تسببت الحكومات المتعاقبة في بلاده باعتقالهم أو تهجيرهم وقتلهم وتصفيتهم وخسارتهم بالحروب الخارجية. ولا أدري أي نوع من المشايخ يسكتون تجاه ما يحصل من تقتيل وتهجير وتدمير وتخريب للعلاقات البشرية بين السوريين، سوى أولئك الذين يتم تدجينهم في حظائر عصابة الأسد ومديرية أوقافها وكل المؤسسات الرديفة التابعة لها.

شخصياً أتفق تماماً مع ما ذهب اليه المفكر الكويتي عبد الله النفيسي أن دول الخليج العربي ستنتهي بشكلها الحالي والا فإنها ستنهار بحكم المتغيرات السياسية التي تحافظ على وجودها من مثيل الدعم الخارجي للولايات المتحدة وغيرها كانتوناتهم المشيخية الصغيرة مالم تندمج بتكتلات أكبر، أي أن رؤية القرضاوي في محلها وهو على عكس ما يروج له كلاب الأنظمة العربية شيخ يروج للعائلة الحاكمة التي أعطته جنسيتها على حساب آخرين، وهو لم يستثنهم من رياح التغيير التي ستطال الجميع، على عكس كهنة ومشايخ السلطات الاجرامية في كل البلاد العربية.

كلما خرج صغير من فراخ نظام الأسد وتحدث عن صغر حجم دولة قطر أتذكر دائماً حجم وصغر ودناءة عائلة الأسد مقارنة بسوريا وتاريخها وشعبها الذي أدمته وذبحته هذه السلطة الاجرامية باسم الوطنية التي باتت تسمي سوريا نسبة لعائلتهم الصغيرة شأناً ونسباً.

أيها السادة إن المذابح التي قامت بها قوات الجيش الأسدي والمليشيات الشيعية الرديفة هي التي جعلت الشعب السوري يستنجد بأصدقاء عصابة النظام السابقين بعد محاولات نصحه الفاشلة.

و يضاف لذلك قمع العقلانيين وزجهم في المعتقلات وتصفية عشرات ألوف الناس وهم رهن الاعتقال في مسالخ الأسد هي التي تسببت بجنون الناس وطلبهم التحالف مع أياً كان ليتخلصوا من هذا الحكم الإجرامي الطائفي المنصاع للروس والإيرانيين وميليشياتهم.

عبد الكريم انيس


المواضيع الأكثر قراءة

SHARE

close