لماذا ترك الاكراد وحدهم في عفرين ..؟

من السذاجة ان نفكر بان تركيا قد بدأت عملية عفرين بقرار مستقل بدون موافقة كل الشركاء اللاعبين في المنطقة ويمكن ان نضم اليهم النظام والمعارضة .. 

من السذاجة ان نفكر بان تركيا قد بدأت عملية عفرين بقرار مستقل بدون موافقة كل الشركاء اللاعبين في المنطقة ويمكن ان نضم اليهم النظام والمعارضة .. 
المشروع الانفصالي الذي ضلعت بعض الاحزاب الكردية بتنفيذه لا يصب بمصلحة لا النظام ( اذا كان سيبقى ) ولا المعارضة ( اذا كانت ستشارك في السلطة بحسب ما هو مخطط) .. 

في النهاية يجب الا ننكر بان سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي لم تنفك عن حزب العمل الكردستاني ورفعت في كل بقعة من المناطق التي سيطرت عليها من الرقة الى البوكمال صورة زعيم الحزب عبدالله اوجلان بما يمثل هذا رمزية "كردستان المستقلة" التي تمتد اراضيها على اربعة  دول ايران وتركيا والعراق وسوريا ، يشكل تهديدا حقيقيا لوحدة سوريا اياً كان حاكمها في المستقبل.

واذا انتقلنا الى شركاء النظام ونبدأ من ايران فإن هذا المشروع الانفصالي يشكل ايضا تهديداً مباشراً لامنها القومي ومع وجود بوادر اضطراب سياسي يشبه ما جرى في بلدان "الربيع العربي" فان السيناريو الكردي في العراق وسوريا يمكن ان يتكرر في ايران بدون ادنى شك.

 

روسيا

بالنسبة لروسيا ، فانها تنظر لقوات سوريا الديمقراطية على انها وجود اميركي بالوكالة يسيطر على كل الحدود الشمالية والشمالية الشرقية لسوريا ، وتمتد هذه السيطرة من عفرين الى التنف على الحدود السورية الاردنية العراقية المشتركة ، وهذا ليس واقعاً مقبولاً بالنسبة اليها وستسعى جاهدة للتفاوض والحصول على مكاسب اضافية تتعلق بهذا الملف .

فحصر النفوذ الاميركي في مناطق داخل سوريا يحدها حزام امني تسيطر عليه تركيا ( التي تقترب مصالحها اليوم من المصالح الروسية ) وربما تضلع روسيا بالمشاركة في بنية هذه المنطقة خاصة في منطقة عفرين امر يحقق مصالح روسيا بشكل كبير وستغض النظر وربما تقدم الدعم والتسهيلات لتتم هذه العملية بأسرع وقت ممكن.

 

دول الاتحاد الاوربي ..

عندما شاهدنا دبابات المانية تستخدم في عملية "غصن الزيتون" لم يكن هذا من قبيل الصدفة فألمانيا تدعم هذه العملية وكثير من الدول الاوربية .. لان ما هو مخطط ابعد من عفرين ويمتد لتشكيل منطقة "آمنة" (مضبوطة) تمنع استمرار الهجرة غير الشرعية الى اوربا .. 

فالترجيحات باستمرار امد الازمة السورية مع تعثر الوصول الى حل سياسي الى امد غير معلوم ، واستمرار العمليات العسكرية والتهجير الممنهج للسكان من قبل كل الاطراف وتجمع هؤلاء المهجرين على الحدود الشمالية بمئات الالاف بحيث لم يبقَ لديهم الا الدخول الى تركيا ويصبح باب اوربا مفتوحاً امامهم من هناك ..

يجعل اقامة منطقة آمنة يلجأ اليها المهجرون السوريون من مناطق النزاع ( ويعود اليها لاجئي تركيا ) ضرورة حتمية للدول الاوربية وامر يصب ايضا في صميم أمنهم القومي.


تركيا

.. لا شك بأن لها مصلحة كبرى في تشكيل منطقة آمنة تحت سيطرتها المباشرة لتنهي بذلك المشروع الكردي الانفصالي الذي يهدد أمنها بشكل نهائي ويوفر لها حماية من الاضطرابات التي قد تستمر في سوريا الى وقت طويل وايضا تمنحها القدرة لنقل اللاجئين السوريين من اراضيها الى هذه المنطقة ..كذلك توفير ملاذ آمن لباقي السوريين الموجودين في تركيا والانتهاء من تحمل عبئهم بشكل مباشر ..

حتى على الصعيد الداخلي فان هذه العملية تحظى بدعم معظم القوى السياسية والشعبية في تركيا لانها ستوفر لها جملة من الحلول لمشاكل في الجملة تبدأ بمشكلة اللاجئين السوريين ولا تنتهي بالقضاء على المشروع الكردي الانفصالي .. بل بدفع خطر الاضطراب وعرقلة امكانية وصول الجماعات المتشددة ( الكردية والاسلامية ) الى  داخل اراضيها ..

 

السكان في مناطق "الادارة الذاتية" ..

هناك امر يجب ان نوضحه بما يخص المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي فرع حزب العمل الكردستاني في سوريا.

من المؤكد بان هذا الحزب هو الحزب الاقوى وبات يمتلك قوة ضاربة بالنسبة لباقي القوى لدعم الولايات المتحدة الاميركية غير المحدود له ، ولكن يجب الانتباه بان الكثير من سكان المناطق ( كرد وعرب ) يعملون في ظل ادارته للمناطق مرغمين ، حيث بات يشكل صورة اخرى ( ربما محسنة ولكنها تستخدم ذات البنية ) لحزب البعث العربي الاشتراكي ، لا بل العارفين بتفاصيل الامور هناك يعلمون تماما بان الكثير ممن استلم مناصب على المستوى المحلي او على مستوى الادارات العامة هم اعضاء سابقين ( وربما حاليين ) في حزب البعث ..

استئثار حزب الاتحاد الديمقراطي بإدارة هذه المناطق والاستيلاء على كل التمويل الخارجي ( الاميركي خصوصا ) والموارد الغنية هناك لدعم سلطته ونفوذه على حساب باقي القوى وعلى حساب عمليات التنمية والبناء في تلك المناطق ، يخلق حالة من عدم الرضى بين سكان "الادارة الذاتية" والتململ التي تجعل عملية تغير قواعد اللعبة باتجاه اعطاء دور اكبر لباقي القوى والقوميات في المنطقة امر مرحب به من قبل الكثيرين هناك.

 

يبقى الولايات المتحدة الاميركية التي تتبنى بشكل كامل قوات سوريا الديمقراطية وباتت هذه الاخيرة اداتها التنفيذية في المنطقة التي تجنبها الاثار السلبية لتدخلها العسكري المباشر .. فكيف تتخلى عنها .. ؟

لا شك بان الولايات المتحدة قايضت بعض مصالحها مع الاكراد بمصالح اخرى على الاغلب على انها ستكون اقتصادية وعسكرية باستمرار سيطرتها على الشمال الشرقي من سوريا حيث الماء والنفط والغاز .. وبالنسبة لها فانها ستسمح بتشكيل منطقة آمنة تبقى هي ( من خلال قواتها الحليفة ) حامية لحدودها الجنوبية على امتداد الحدود السورية التركية والعراقية تقريبا ..

يضاف اليها استمرار مراعاة مصالحها الكبيرة مع باقي الشركاء الاقليمين والدوليين .. فهي ايضا تمتلك مصالح مع روسيا واوربا وحتى ايران والعراق والاطراف المتعددة في سوريا تفوق تلك التي تحققها شراكتها مع حزب انفصالي كردي ..

 

طبعا كل ما ورد بالنسبة لاميركا يأتي مع حسن النية ، والسيناريو الاخر المرجح ايضا هو ان تستمر الولايات المتحدة بدعم مباشر وغير مباشر للقوى الكردية الانفصالية بهدف اطالة امد العملية وعرقلتها واستمرار "اللاستقرار" في المنطقة وفق اجندة اخرى تتبعها تحقق لها مصالح اكبر ..

 

نضال معلوف

 


المواضيع الأكثر قراءة

SHARE

close