ربيع دمشقي آخر ... بقلم : ادوارد نوري

قالت له: ضع القهوة على النار فإني قادمة.
لم يصدق ما سمعه. طار يبحث عن القهوة، طار يبحث عن عود ثقاب. لا يشرب القهوة إلا في المناسبات، والمناسبة أتت على قدميها، أو ربما بسيارتها.
قالت له: لن أبقى طويلاً.

 قال: انتظري حتى تصلين.

 قالت: وصلت، افتح الباب.

 

قالت: جئت لك بوردة.
قال: أنت الوردة.
قالت: جئت بسرعة، لم أعتن كثيراً بمظهري فلا تعلّق.
قال: ستسمحين لي هذه المرّة. وطبع قبلة مستعجلة على خدّها.
ابتسمت، وأخذ معطفها المليء بالربيع.

 


أمسك يدها. قال: أريد أن أراك جيّداً. أريد أن أرى عينيك. أن أرى شجرة الكرز على شفتيك.
قالت: مشكلة إن أطلت النظر.
قال: لن أطيل. سأهمس لك. في أذنك. على خدّك. وعلى شفتيك. وسأقول لك أشياء كثيرة.
قالت: أين القهوة التي وعدت بها.
قال: آه. القهوة. اسمعي. سنشرب القهوة فيما بعد. فارت من الانتظار على نار قوية. وقت القهوة مضى.

 


اسمعي، تعالي اريك الحديقة من النافذة.
ضحكت وقالت: أحب الحدائق.
قال: حديقتي صغيرة وتسع كل عصافير المدينة وكل أزهار الربيع.
قالت: جميلة حقاً.

 


الغرفة صغيرة. والسرير تحت النافذة. اقتربي قليلاً، قال، لم تري بعد وردتي التي أحبها، وشجرتي التي أحبها.
لا تنظري بعيداً، إنها هنا، لا بأس إن لم تريها بعد، أغمضي عينيك، ستريها. أمسكي يدي.
ابتسمت: أين القهوة. أنا سأصنعها.
قال: أنت قهوتي هذا الصباح. وأنا قهوتك. كيف تحبين القهوة.
كما تحبها أنت، قالت.
مثلك، قال، أنا، قهوتي، أحبها.
رائحتها تزكي الروح. تميت وتحيي من جديد.
أفلتت يدها، وأفلتت ضحكتها، وطارت تبحث عن القهوة وعن عود ثقاب.

***
 


زارني الربيع هذا الصباح. وزار حديقتي الصغيرة. جلب معه معطفاُ من الورود، وعصافير كثيرة.
طعم القهوة هذا الصباح مختلف. فيه موسيقا وقصائد، وفيه ألوان وزخارف. دمشق زارتني كلّها. أطعمتني عنباً وكرزاً وحبات لوز. وزرعت في شعري شميلة حبق. وعلى كتفي علقت ياسمينة. الأرض رتلت لي ترانيم السماء والسماء ألبستني عبير الأرض.

 

 

 أمطرت الدنيا لي فقط. وعبق الأخضر النديّ لفني كوشاح. زرعني غرسة ليمون صغيرة. قبّل وجنتي ثمّ راح.
وبقيت أشلاء من إله الحبّ، إله الفرح، إله المطر. هذا الصباح.

 

https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts


المواضيع الأكثر قراءة

SHARE

close