مذكرات أردنية في دمشق الحبيبة ... بقلم : أدهم عبدالله

هاقد عدنا بعد طول فراق .فراق ممزوج بالحزن تارة على ما حل بحبيبتنا دمشق ولكن يجيء الأمل ويمحي تلك اللحظات العابرة بإصرار هذه المدينة وأهلها على الحياة ليست أية حياة ولكن تلك الحياة التي تعودت وعودتنا عليها دمشق.. الحياة المليئة بالأمل والتفاؤل..الحياة المليئة بالفرح الذي يجب أن لا يمحو الابتسامة عن شفاه ووجنات طلبة مدارسها وجامعتها الحبيبة والتي كنت أعيشها ولا أحس بها فقط عندما كنت أتي إليها وليس أزورها .

 

.لماذا؟…هذه تجربة وتجربة صعب أن تنسى حتى لو حاولت أن تتناساها أو استسلمت للنسيان..ومن أراد أن يجرب ويتقن التجربة ويفهمها يجب أن يقوم بها وحيدا في البداية لأن المغامرة مع مجموعة على الرغم من أن المجموعة أو الجماعة تساعد على الاستمرار وإزاحة عنصر الملل والإرهاق إلا أن الوحدة مرات تعلم الإنسان طعم الحياة وليس أي طعم ولكن ذلك الطعم المجبول بالصبر وعنفوان المحبة والأمل ..ربما أطلت على قارئي العزيز بمثل هذه المقدمة ولكن هناك معركة تدور بين القلم والذاكرة وليس من منتصر لأنهما بحاجة لبعضهما البعض يريد القلم أن يكتب ما تراءى له من تلك الذكريات على صفحات وصفحات حملت برنامجي الدمشقي الصباحي والمسائي والمدون باليوم والتاريخ والوقت .

 


الانتظار بفارغ الصبر عبور السيارة للحدود الأردنية السورية فقط من أجل الاستماع الى صباح فخري بأغنيته المحبوبة :

 

يا طيري طيري يا حمامة وانزلي دمر والهامة..أعشق ذكر دمر والهامة والتي للأسف بسبب غلبة الوقت وقلته لم أتمكن من زيارتها الا مرة واحدة.

 


الوصول الى نهر عيشة..لوين؟ عالشام؟ ايه عالشام..لوين بالشام؟.. المرجة أو الحميدية ما بتفرق..كم تاخد لهناك؟ اللي بيطلع من نفسك او حتى بلا مصاري…انت من الأردن؟ اه من الأردن ..اي الله محي اصلك..شكرا عمي انتم السوريين بصراحة مهضومين..ايه نورت الشام ..

 


على طول الطريق وزحمة السيارات والعمارات المسكونة أناسها وأصحابها وكأنني خلقت الآن لدرجة أنني أحببت إن أجرب كل شيْ..تسير بجانبنا سيارة كيا أو هونداي جديد وتقودها فتاة جميلة والنمرة دمشق ..رجل يقود سيارته وفي المقعد الخلفي طفلة صغيرة تطلق ضحكاتها المرحة وبأربعة اسنان من وراء نافذة الشباك ومن يسير من جانبها لا يفوت تلك الفرصة الذهبية لمداعبتها..الله يحفظها..الكل ذاهب الى عمله أو جامعته او مدرسته.مدينة تدب بها الحياة تأخذني الأفكار والمقارنات والمفارقات بين عمان الحبيبة ودمشق الحبيبة .

 

 

ثم يأتي صوت السائق يوقف قطار الذكريات بسؤال بسيط : شمة هوا ولا شغل؟ لا والله شمة هوا عمي..لحالك؟ اه لحالي..مزبوط الواحد هيك بحس حاله غريب شوي بس شو أعمل عمي اذا بدي اجي مع شباب هيك رح تحتار وتتعب عشان ترضيهم..لا حباب اللي بتمه لسان ما بضيع وبامكانك تتعرف عالكل هون ونحنا إخوة مو غربا هاي بلدك متل ما الأردن بلدك..وأي شي بدك اياه والله ما بنئصر..شكرا عمي انتم كلكم نخوة والله..

 


نصل الى محاذاة ذلك الفندق المحبوب في الحميدية والقريب من السوق الحيوي سوق الحميدية علما أن هناك فنادق أخرى أحببتها كالماجد وعامر ولكن أنت تريد الإقامة بمحاذاة سور دمشق الأبية ولكن ليس داخل السور وانما خارجه المهم تتعبق رائحة الياسمين الدمشقي الذي تفوح به بيوتات دمشق القديمة..أه يا دمشق ويا وجعي يا دمشق..


ينزل سائق التكسي بكل أدب ومرح يتناول الحقيبة المحبوبة على قلبي من الكرسي الخلفي ويوصلها الى ردهة الفندق..الكل يقول لك طمعا بالمال..ولكن طالما ان هناك ابتسامة ومجاملات فلا يهمك المال..خليهم عمو أنا بحملها لا تغلب حالك ..لا حباب ما بصير انت ضيف ..

 


الصعود الى الغرفة المعتادة بالطابق الرابع ووضع الحقيبة وكذلك فتح النافذة مباشرة لمعانقة جبل قاسيون القاسي على الغزاة ..النزول مباشرة والوصول الى مقربة من باب سريجة من أجل شراء خط سيريا تيل أو ام تي ان وطمئنة الأهل.قبل الوصول وخلال الطريق تقف بجانب مسجد الدرويشية والالتفات الى اليسار والوقوف بمهابة لتمتع عينيك بالنظر الى ساحة الحريقة والنافورة الصغيرة المعبقة بالماء المعطر بالياسمين الدمشقي والقاء السلام بلغة الاشتياق الذي ليس له أية حدود تذكر.

 

 

 تلك الساحة التي كانت عصية على المعتدي والغازي الفرنسي. بعدها تتوجه الى ذلك الكشك الصغير الذي يبيع بعض الهواتف وخطوط الاتصالات وخلال تلك الخطوات القليلة على ذلك الرصيف لا تعرف أين توجه عينيك تارة عاليمين وبنفس الجانب توزع نظراتك على الفاكهة والعصير في ذلك المحل الصغير وتارة على ذلك المحل المتخصص ببيع الأراجيل والمعسل وتقف بجانب ذلك المقهى القديم على الطراز الدمشقي وتسر لنفسك :

 

هل أتي هنا الليلة لاحتساء القهوة مع الأرجيلة؟ام أذهب الى مقاه أخرى؟ الإجابة أساسا عبارة عن حزورة دمشقية أن دمشق مليئة بالمقاهي فلا داعي أن تقرر مباشرة أن تجلس بهذا المقهى طالما أن هناك برنامج أخر لأكثر من مكان.

 

بعد أن ترتب أمورك من حيث خط التلفون وتخرج من ذلك الكشك الصغير لا تنسى الوقوف للحظة والالتفات الى اليمين الى زقاق السنانية وذلك المسجد ثم النظر الى جانب المسجد حيث هناك من يفترش الأرض ويبيع الملابس والأحذية المستعملة والى جانبه ذلك المدخل حيث الآلاف المؤلفة من السياح أجانب وعرب ومواطنين سوريين من الشام وخارجها داخلين وخارجين فهذا بعد أن عدت للخريطة والقراءة علمت أنه بداية الشارع المستقيم والذي سمي بذلك لأنه يصل ما بين باب الجابية من الجهة الغربية من سور دمشق الأبية بباب شرقي من الجهة الشرقية للسور ..

 

 

تقف لهنيهة لا تدري ما تصنع هل أنا تائه؟ تحدث نفسك..أنت تائه لأن لديك برنامج تريد السير على خطاه وكأنك الآن تتغاضاه ..ولكن أنا جمعت معلومات كثيرة عن أبواب دمشق فلماذا أريد الذهاب من هنا أو الوصول الى هناك وتدوين معلومة جديدة؟ إذن الأفضل أن تسير على خطى ذلك البرنامج وبعد الانتهاء من هذه الجولة ستجد نفسك أنك حققت نصرا عظيما تجاه عاصمة بني أمية ..ولكن تخالجني أمور كثيرة ..فكما ذكرت بالبداية وأنا في التكسي تعتري ذهني أفكار وأسئلة كثيرة: أريد تجربة الحياة هنا وهل هي مختلفة تماما عنها في عمان؟

 

 

هل الناس هنا يمارسون طقوسهم كما الناس في عمان؟ لست بغريب ولم أحس بطعم الغربة وهذا ليس لأن دمشق وسورية الحبيبة قريبة من الأردن ولكن من يعشق شيئا ما لا يحس بطعم عشقه هذا إلا إذا جرب هذا الشيء من جميع الجوانب..كيف هي المدارس؟ مدارس البنين والبنات؟ كيف هي جامعة دمشق وكيف هي حياة الطلبة؟ كيف هي أيام الأعياد وطقوسه والتي كنت يوميا بعد أداء صلاة العيد وأتناول الإفطار مع العائلة ارتدي ملابس العيد مباشرة والجلوس لمشاهدة التلفزيون العربي السوري تمام الساعة العاشرة صباحا لمشاهدة ضحكات الأطفال والعائلات وتلك الجولات على الحدائق .

 

 

ومشاهدة تلك الزيارات التلفزيونية للبيوت في أكثر من محافظة تلك البيوت والتي لا تخلو من ذكر صناعة كعك العيد وليس أي كعك وإنما على الطريقة الدمشقية أو الحلبية أو الحمصية ..كان وقتها يراودني سؤال: هل بيوتهم تختلف عن بيوتنا؟ كنت أنظر لبعض البيوت أو حتى أغلبها أجد أنها تخلو من شيء اسمه التجديد ولكن ما يأسرك هو أن البيوت مرتبة من الأثاث أو مكان التلفاز أو حتى مدخل البيت .فلا داعي للبهرجة المجبولة بالتصنع على الطريقة الغربية.
 


أين يذهبون في المساء ؟ وقتها ذكرت طفلة لتلك المذيعة الجميلة أنها تذهب الى بيت جدها وخالتها وثاني يوم تذهب الى بيت عمها وتبقى هناك مدة يومين أو ثلاثة ..ذهبت الى بيت جدي وكذلك عمي وأدركت أن أهلي يريدون العودة للبيت مساء لزيارة خالي وخالتي وهربت الى الجنينة الخلفية لمنزل عمي وأنا أجهش بالبكاء وأردد كلمات :يالله بسورية بضلوا عند أعمامهم يومين أو ثلاثة..ليش إحنا لأ؟

 


لا ادري ما اصنع؟ أحببت اللهجة الشامية وأتقنتها بالفعل ولكن عندما أتكلم بها في الأردن يسألوني إن كنت شامي .ولذلك أعود الى لهجتي الأولى والتي لا تخلو من المصطلحات الشامية والسورية مثل: لفاية (الشغالة)- ما بحسن (ما بقدر) – صندويشة (سندويشة) –


لا تتمرجل – حباب – لا تعيط علي – زكاتك هذا ناهيك عن العودة لروح الحياة الشامية والتي تمثلت ببعض المطرزات التقليدية الشامية وكذلك صواني الشاي الشامية والمتة و4 قطع من الأثاث الشامي ذو القطع الصغير وكذلك تناول البوظة والحلويات وحتى الشاورما لدى بعض المطاعم التي استثمرها سوريون في عمان.

 


ثم يغالبني التفكير بالولوج من سوق الحميدية ولكن على الأغلب ما يغلب التفكير هو الإحساس بالجوع والعطش وتستوقف نفسك لهنيهة: هل أتناول سندويشة الشاورما لدى أبو الخير مع القليل من لبن العيران قبل الدخول الى سوق الحميدية ؟ لا داعي الآن أريد دخول سوق الحميدية وأتلفت يمنة ويسرة لتبادل النظرات على المحلات التاريخية الجميلة وتلك البضائع الجميلة وأصوات الهرج والمرج .وصلنا الى بكداش. صوت العجن أو الضرب للبوظة عند صناعتها بالقطعة الخشبية لا يقاوم والدليل وقفت وأردت التصوير والتفت يمنة ويسرة لإحساسي ببعض الغربة بين الناس أو أن تصرفي غير لائق ولكن وجدت عشرات السياح يصورون بكاميرات الفيديو أيضا.

 

 

هل أتناول البوظة الآن؟ اجلها شوي جوعان ثم الوصول الى نهاية السوق ولا أنسى تلك التفرعات على جانبي السوق والتي تولج الى أسواق أخرى مليئة بالبضائع والمطرزات مدينة أسواقها ومقاهيها لا تعرف طعم الراحة والنوم وأناسها لا تفارقهم الابتسامة المجبولة بالأمل .نهاية السوق تقف وقفة مهيبة وتنظر الى أعلى نهاية السوق المسقوف ستجد بعض رؤوس الأعمدة الرومانية هذا ما تبقى من بقايا معبد جوبيتر كتلك التي في مدينة جرش الأردنية .

 

 

تتيه بك الأفكار مرة أخرى ومرات لماذا؟ ليس لدي أية معلومة عن هذا المعبد وأريد الاستبيان عنه الآن..ولكنك تتضور جوعا ودمشق تاريخها ليس صفحة ولا كتيب ولا كتاب فأنت بحاجة لجولات وجولات . أتجه الى اليسار باتجاه جادة البريد وأشعر بالامتعاض قليلا لان هناك نقطة تاريخية أخرى لا املك عنها معلومات فهناك المكتبة الظاهرية .ثم أتوقف لتناول المعجنات لدى أبو العز أو الأمين أو أية وجبة من إحدى تلك المطاعم والتي لا تخلو من الفتوش الشامي.
لنا لقاء قريب يا دمشق الحبيبة



https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts


المواضيع الأكثر قراءة

SHARE

close