في خطاب الاسد الاخير .. !؟

اذا اردنا استعراض ما يفيد في خطاب الرئيس الاسد في افتتاح مؤتمر وزارة الخارجية فاننا سنجد بعض الحقائق التي يمكن ان نبني عليها ارضية للوصول الى حل واقعي للازمة.

اذا اردنا استعراض ما يفيد في خطاب الرئيس الاسد في افتتاح مؤتمر وزارة الخارجية فاننا سنجد بعض الحقائق التي يمكن ان نبني عليها ارضية للوصول الى حل واقعي للازمة.

استعرض الاسد خلال خطابه مسلمات السياسة الدولية بأسلوبه وقسم العالم الى دول الغرب والشرق والى دول صغيرة واخرى كبيرة.

وقال بما معناه بان الدولة الاكبر ترسم السياسات وتمشي في ظل هذه السياسات الدول الاصغر ويتضاءل دور الدول كلما صغرت الى ان يصبح تأثيرها صفرا بحسب قوتها وصنف العرب في دائرة تلك الدول ( الصفر ) وهذا صحيح.

وهذا اكثر ما يهم في خطاب الرئيس الاخير.

ولكن في ظل هذه الرؤية الواقعية تقفز الى الذهن عدة اسئلة تتعلق بكيفية التعامل مع هذا الواقع.

لم يوضح الاسد لماذا وضع سوريا مختلف ؟ اذا كان مجمل الدول العربية دورها صفر وسورية كما عرفناها قبل الازمة هي قلب هذه الدول والدولة الفاعلة فيها.. فهي ايضا دورها صفر في رسم السياسات الدولية ايضا.

ويجب ان نسأل لماذا دولة ( صفر ) بحجم سوريا من الممكن ان تتغلب على دول لها معظم "الوزن" في العالم اذا لم يكن كله.

صحيح ان الدول "الشرقية " لا تلتزم تماما بالهامش التي تحدده القوى الكبرى الغربية الا انها لا تستطيع الابتعاد عنه كثيرا وهي "سعرها" بسعر كل دول العالم شرقا وغربا تتصرف وفق واقع ما تملك من قوة وتأثير.

وهنا يجب ايضا ان نسأل سؤالا هاما لماذا يجب ان تعادي الدول الشرقية، الدول الغربية والدول الكبرى "كرمال عيون" سوريا ..

بالطبع هذه الدول في المعسكر الشرقي "الاضعف"  ستتصرف وتتخذ القرارات وفقا لمصالحها وربما تقدم الدعم الى سوريا ولكنه ليس دعما مطلقا، وسيبقى ضمن الهامش الذي تحدده الدول الكبرى وايضا ضمن اطار مصالح تلك الدول ( الشرقية ) التي من المؤكد ان لها من المصالح مع الغرب اكثر بكثير مما لها مصالح مع دولة صغيرة مثل سوريا.

اذا على ماذا نستند في نظرية اننا قادرون على قلب الموازين والانتصار على الدول العملاقة العظمى ؟

تكلم الرئيس عن الثمن وقال باننا قريبين من الانتصار ولم ننتصر بعد .. سنقف عند هذه النقطة ونفندها بالتفصيل الممل ..

لن اتكلم عن الخسائر التي بتنا نحفظها عن ظهر قلب ، مئات الاف القتلى وملايين المشردين والاف المعتقلين .. الخ

 

ساحاول ان اعرض ملامح "الانتصار" بكل موضوعية واحاول ان اثبت انه حاصل اذا امكن ..

هذه خارطة سوريا اليوم بحسب توزع القوى العسكرية فيها ..

 

نلاحظ ان "ثلث" سوريا الشمالي ( اللون البنفسجي ) خارج كليا عن سيطرة الدولة ، ففي الشمال الشرقي الى حدود محافظة حلب تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" وهي جيش منظم معظم عناصره من الاكراد مدعوم بشكل غير مشروط من قبل الولايات المتحدة الاميركية واصبحت الكلمة في هذا الجزء كله لـ "بريت ماكغروك" المبعوث الرئاسي الاميركي الخاص الذي يشكل اليوم المنطقة ( البنفسجية ) بحسب ما يريد ويخطط مستقبلها بحسب ما يرتأي.

باقي الثلث الشمالي باتت تسيطر عل جزء صغير منه تركيا والباقي خارج سيطرة النظام وفي سيطرة الفصائل المعارضة بالتحديد محافظة ادلب( الازرق البترولي).

الان يمكن ان نتصور بانه يمكن طرد "قوات سوريا الديمقراطية" من الشمال واعادة السيطرة على ثلث البلاد بعد تثبيت الوضع في باقي المناطق .. ؟

فكرت انا ايضا في هذا الاحتمال .. الى ان نشرت وكالة الاناضول الخارطة التالية التي تشير الى مواقع تمركز القواعد الاميركية في الشمال السوري.

خارطة توضح مواقع القواعد العسكرية الاميركية في الشمال السوري.

 

يجب اذا ان نتامل قليلا في هذه الخارطة قبل ان نفكر في اننا يمكننا اخراج الاميركان من ارض باتت خارج سيطرتنا وانما تحت سيطرة جيش صنيعة اميركا ومدعوما كليا من قبلها ومن المؤسف ان هذا الواقع تشكل فيما يشبه سياسة غض النظر من قبل دولتنا بدون ان نعرف الاسباب وان كنا يمكن ان نخمنها !

طبعا نلاحظ من الخارطة الاولى بانه في المساحة لتي تدلل على مناطق سيطرة النظام ( اللون الازرق البترولي ) مليئة بالـ "جيوب" سواءا في الشمال على حدود حلب او الجنوب ، درعا ، و بالتداخل مع اراض محافظة دمشق وحتى في قلبها ( الغوطة ) وفي الوسط في مناطق حماة وكلها مناطق نزاع مع جماعات المعارضة المسلحة ..

في حمص وفي الشرق باتجاه دير الزور والبوكمال الموضوع غير محسوم الى الان وما زالت داعش هناك ويمكن ان يتم تقاسم المناطق التي ستخرج منها بين "قوات سوريا الديمقراطية" والنظام ..

سوريا اذا اليوم ممزقة ،  تركيا دخلت في الشمال وتتمدد واميركا استحوذت على مناطق النفط والماء في الشمال وثبتت جيشها بالوكالة وقواعدها العسكرية ..

ماذا عن مناطق سيطرة النظام .. لنعود الى خارطة اخرى

خارطة توضح اماكن تواجد القوات الاجنبية الحليفة للنظام ( روسيا ايران ) في سوريا.

 

حسن هذه الخارطة فيها الكثير من التفاصيل .. ولكن سامر على ما يهمني منها بسرعة

مناطق سيطرة النظام والتي قلنا بانها مليئة بالجيوب التي تتضمن المعارضة المسلحة ، ليست تحت سيطرة الدولة السورية فعليا ..

الحدود اللبنانية السورية اصبحت بشكل كامل تحت سيطرة جزب الله والكلمة فيه لـ "نصرالله"  .. كما هو واضح وانتشرت القوات الايرانية والروسية في كل مناطق سيطرة النظام.

المربعات الخضراء بالارقام تشير الى اماكن تواجد القوات الروسية والكلمة فيها لـ "بوتين"، والمربعات الصفراء بالاحرف تشير الى اماكن تواجد القوات الايرانية والكلمة فيها لـ "نظام الملالي" ..

يمكن ان نفكر بانه هؤلاء حلفاء النظام وسيخرجون من سوريا حالما تستقر الامور فيها فيها ؟

وهنا يجب ان نجيب على سؤالين هامين .. الاول

هل حقيقة واقع الحال بالخرائط المعروضة يمكن ان يدلل على استقرار قريب للامور في سوريا؟

وعليه السؤال الثاني مع طول المدة وزيادة التكاليف و"التضحيات" لماذا  "يسلمنا الحلفاء ما هو بايديهم "ببلاش" .. وهم الذين ثبتوا النظام على انقاض سوريا .. هل حقيقة سيرحلون والقوات الاميركية والاكراد ومسلحي المعارضة موجودين ما يعطيهم ذريعة ممتازة للبقاء والسيطرة ..

طبعا هناك دلائل اخرى كثيرة تشير الى اننا لم نعد نملك شيئا من قرارنا ، يكفي الطائرات التي تسرح وتمرح في كل الاراضي السورية وتقصف اينما كان وكيفما كان .. طبعا تنسق الاحلاف والدول الكبرى بين بعضها البعض ولكن لا يسأل هذا الكبير على رأي الصغير ويترك له "هامشا" قد لا يتعدى امر تحركاته الشخصية ليتحرك فيه ..

خارطة توضح اماكن قصف قوات التحالف لاهداف داخل سوريا

خارطة توضح اماكن الاهداف التي تقصفها القوات الروسية داخل سوريا.

 

اذا هذا العرض يبين نتائج الحلول التي اتبعناها في مواجهة الازمة التي تعصف بنا منذ اكثر من 6 سنوات.

ويمكن لكم انتم الحكم فيما اذا كانت هذه الحلول ناجعة ام لا ، وهل فعلا نحن قريبون من النصر ام نعيش في مركز االهزيمة.

ما عرضه الرئيس عن السياسات والقوى الدولية صحيح ولكن مع الاسف تعاطينا مع هذه المسلمات كان كارثياً ، لان اقفال الباب مع هذه الدول لا يترك مجالا لها ( ووكلاءها ) الا لضربنا بالعصى .. اليس هذا ما يفعله الكبير بالصغير ..

ولذلك سيداتي اخترعوا شيئا اسمه "السياسة" التي يمكن من خلالها ان نحافظ على السيادة والاستقلال الى حد كبير من خلال الحكمة والدبلوماسية وتشارك المصالح على ارضية واقعية ..

اذا الحل يبدأ بان نفتح الخرائط ونراجع الحقائق ونتصرف بناءا على المعلومات والواقع .. هكذا تحكم البلدان وهذه هي السياسية ..

 

لماذا اذا سموها "فن الممكن" ؟ .. الحل كان بان نتصرف بما هو "ممكن" واعتقد انه كان في يدنا الكثير .. اما اتباع سياسة "تحقيق المستحيل" ستبقي أي انجازات او انتصارات نحققها في اطار "الاوهام" ..

نضال معلوف 


المواضيع الأكثر قراءة

SHARE

close