-
ماذا تعني تصريحات لافروف الأخيرة وماذا يعني اهتمامهِ بدور القادة الميدانيين في المفاوضات؟.. بقلم د. عبد الحميد سلوم
نقطتين مهمتين وردتا في تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال مؤتمره الصحفي في 17/1/2017 .. الأولى : تصريحه أن (العاصمة دمشق كانت ستسقط خلال أسبوعين أو ثلاثة في يد الإرهابيين لولا تدخل روسيا ... ) .. والثانية : أن ( ما كان ينقص المفاوضات السورية حتى الآن هو مشاركة أولئك الذين يؤثرون فعلا على الوضع الميداني ، مشددا على أن مشاركة هؤلاء القادة الميدانيين في العملية السياسية يجب أن تكون كاملة الحقوق ، بما في ذلك دورهم في صياغة الدستور الجديد وملامح المرحلة الانتقالية .. ) ...
والسؤال لماذا كشفَ لافروف في هذا الوقت بالذات أنه لولا روسيا كانت دمشق سقطت في غضون أسبوعين أو ثلاثة ؟. ولِمن يوجهُ هذا الكلام ، هل هو للرأي العام وللصحفيين الجالسين أمامه ، أم أنه يقصد أبعد من ذلك ، ويخاطبُ بشكلٍ غير مباشر أطراف معينة ويقول لها: لا يأخذنّكم الغرور بعيدا فلولانا لمَا نفَعَكم أحدا ، وما كنتم اليوم في أماكنكم ، وعليكم أن تستجيبوا لخارطة الطريق التي رسمناها ، وإلا ...... !!.
أما تأكيده على ضرورة مشاركة أولئك المؤثرين في الميدان ، أي التنظيمات المسلحة ، بالمفاوضات السياسية ، وقولهِ أن هذا ما كان ينقص المفاوضات السورية ، فهو كلام جديد وقفزةٍ في موقف موسكو عن مواقفها السابقة ، وهذا الكلام له علاقة مباشرة بحديثهِ عن منع دمشق من السقوط ، ومعناهُ أنه على من حميناهُم أن يلتزموا بالأجندة الروسية ، والرؤية الروسية، وقبول مشاركة قيادات التنظيمات التي تمسك بالميدان بأية مفاوضات ، والتحاور معها !.. وهذا لا يسرُّ الكثيرون ، بل هناك من ردّ عليه بالقول أنهُ لولاهُ لسقطت موسكو بيد أوكرانيا !..
لقد تأخر لافروف كثيرا في الاعتراف بدور القوى التي تمسك بالميدان وأهمية مشاركتها في أي حوار... ما تحدّث عنه لافروف اليوم تحدّثت عنه قبل عام أو أكثر ولكن للأسف أن المُكابرة وجفاء الواقع ، كل ذلك كان من سِمات الحرب على الأرض السورية !!. في كلِّ حربٍ في الدنيا من يصنعون الحل أخيرا هم الأطراف التي تُمسِك بالأرض !!. أو أطرافٌ أخرى قوية تستطيعُ فرض الحل على القِوى المتحارِبة وإذعان هذه الأخيرة لها ، كما حصلَ في يوغسلافيا السابقة ، وكما حصلَ في لبنان ، وغيرها!!.
سورية ليست بمنأى عن هذه المعادلة ، والأطراف التي تمسكُ بالميدان معروفة كلها ومن بينها التنظيمات المسلّحة المتعددة الأشكال والألوان !! وطبعا لا نقصدُ داعش ولا النُصرة فتِلكَ لها تصنيفها في قرارات مجلس الأمن الدولي وليس هناك فيتو على كل من يقصفها ويفتك بها ، بل الجميع مُتّفق على ذلك !!.
لا يُمكنُ القفز فوق من يمسكون بالأرض في البحث عن أي حل سياسي !! هذا هو الوضع في اليمن وفي ليبيا ، وهكذا كان بالماضي في لبنان وفي نيكاراغوا وفي كمبوديا .... الخ !!. في قبرص عجزوا حتى اليوم عن إيجاد حل سياسي لان أطراف الصراع الممسِكة بالأرض لم تتفق بعد !!.
في فلسطين لم يتم التوصُّل إلى حلٍّ لأن الطرف الإسرائيلي المُحتل للأرض لم يوافق !!. وكذلك الحال في الجولان السوري المُحتل !!. فما فائدة أن يخرجَ طرفٌ لوحدهِ بِقرارات بينما يرفضها الطرف الآخر !!. ما فائدة أن يوافق الأبُ والأمُّ والابنُ على الزواج من فتاة بينما تلك الفتاة وأبيها وأمها يرفضون ذلك !!. لقد جرّبوا في جنيف متابعة المباحثات دون مشاركة ممثلي الأطراف المُمسِكة بالأرض وفشلوا ، لأنهم كانوا كمن يحاورُ نفسهُ !! .
أشرتُ سابقا أن الصراع في سورية اليوم لا يمكن تشبيهه بما حصل في الجزائر في العشرية الحمراء حتى يُحسَم بنفس الطريقة ، وهناك بونٌ وفروقات شاسعة وواسعة داخلية وإقليمية ودولية !! ما حصلَ في الجزائر في التسعينيات يشبه ما حصل في سورية قبلها في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات ، حيث كانت المشكلة مع جهة حزبية إسلامية، ولكننا اليوم أمام نِسبة كبيرة وواسعة من أبناء الشعب على امتداد الساحة السورية !!. وما حصل في الشيشان لا يشبه ما يحصل في سورية لأنه كانت هناك حركة انفصالية تطالب بدولة مستقلّة ، ولم تكُن همومها ومطالبها وأهدافها كما هي عليه الحالة في سورية !!.
ما فائدة أي اتفاق مع بعض المعارضين السوريين وهُم لا يملكون مُقاتلا ولا شِبرا على الأرض السورية ؟؟. ماذا يعني قدري جميل ، ورندة فسّيس ، ووفد مطار حميميم أو وفد القاهرة في كل معادلة الحرب هذه ؟؟. وكمْ مُقاتلا لديهم ، وعلى كَمْ مقاتلٍ لهم قرارا وتأثيرا ومَونةً !!. إنهم لا شيء في معادلة القتال والحرب هذه (مع الاحترام لأشخاصهم) !.. وحتى على الصعيد الشعبي فلا أدري أين هي "قواعدهم" !!. يمكن أن تكون هناك "قاعدة" جيدة نسبيا للسيدة قسيس ، ولكن أين هي قواعد الآخرين !؟.
فماذا يعني إنْ اتّفق أولئك مع وفد الحكومة السورية أو لم يتّفقوا ؟. وماذا يعني إن اتّفقَ وفد الحكومة معهم أم لم يتّفق ؟؟ ماذا يُغيِّر هذا في المعادلات على الأرض ؟. هنا السؤال وهنا الأساس !!. هل يُعقَل أن الروسي لا يعي هذه المعادلَة ؟. نعم هو يعيها بشكلٍ كاملٍ ولذلك بادر ودعا كافة قادة الفصائل الموقعة على الهدنة إلى الآستانة بعد أن أدرك أن غياب هؤلاء عن أية مباحثات يعني الدوران في نفس المكان !.. أما الآخرون فلا يُقدِّمون ولا يؤخِّرون بشيء ، وينطبق عليهم قول ستالين حينما سمِع أن البابا غاضب منهُ ، فقال قولته الشهيرة : وكم كتيبة يمتلك البابا ؟؟. أليستْ هذه هي الواقعية السياسية !!. فمَن يجلس حول الطاولة ولا يمتلك أوراقا لِـ اللعِب فليس أمامه سوى الفرجة !! ومن لا يمتلكُ مقاتلين على الأرض ، أو لا يُمثِّل مقاتلين على الأرض ، فليس أمامهُ سوى الفرجة !!. ومن لا يمتلكون سوى الآراء السياسية غير المدعومة بِالمسلحين على الأرض ، فيمكنهم إبداء آرائهم السياسية، ولكن ما قيمة آرائهم إن حازت على رِضا الحكومة ولم تعترف عليها التنظيمات المسلّحة على الأرض ؟!. ما الفائدة من أي اتفاق بين أية جِهات مُعارِضة وبين الحكومة إن لم يُوقِف القتال ويُنهي الحرب ؟!.
لَعلَّ الكثيرون يتذكرون خلال الحرب الأهلية اللبنانية حينما كان إيلي حبيقة قائدا لميليشيا القوات اللبنانية ( وهو أحد أبطال مجازر صبرا وشاتيلا مع سمير جعجع) فقد وقّعَ في دمشق عام 1986 على ما يُعرَفُ بالاتفاق الثلاثي (مع وليد جنبلاط ونبيه برّي) ولكن سرعان ما انقلبَ عليه سمير جعجع رافضا الاتفاق وأخرجهُ من قيادة القوات وهربَ بعدها إلى زحلة ثم أصبح من حلفاء دمشق .. وأصبح جعجع هو من يمسكُ بالميليشيا المُسلحة التي بدورها تُمسِك بالأرض ، ولذلك بات جعجع صاحب القرار وجزءا من المعادلة على الرغم من كل ما هو معروف عنه خلال الحرب اللبنانية !!. ولم يعُد هناك شأنا فعليا لـ إيلي حبيقة بعد أن باتَ مُجرّدا من أية قوِّة ميليشياوية عسكرية !!.
فمَن يمسِك بالأرض هو من يمسِك بطرفٍ من خيوط اللعبة ومَن لا مكانةَ له على الأرض فلا يمسكُ بأي خيط ٍ حتى يَشُدَّ به !!. ولذلك هناك طريقتان : إما الإمساك بالأرض كاملا ، وإما التحاور مع من يمسكون بها ويؤمنون بالحل السياسي عبر الحوار !!. الإمساك بكاملِ الأرض لن تسمح بهِ واشنطن وحلفاؤها ، وحتى غير مطروح بذهن روسيا ، والجميع يؤكد دوما أنه لا يوجد حلّا عسكريا وإنما سياسيا !!. يعني مسألة الإمساك بكامل الأرض غير واردة !!. إذا ما هو الحل ؟؟. وما هي الخيوط التي يمسك بها وفد حميميم ووفد القاهرة ، وسواهم من الشخصيات الأخرى ، والشخصيات النسَوية اللواتي قد يهربنَ من سماع دوي إنفجار !!..
إننا نتطلّع إلى حوارٍ يُفيدُ السوريين ويُخلّصهم من كابوس الحرب الجاثم على صدورهم ، ويُبعِد عزرائيل عن سورية قليلا !!. فعزرائيل لا يمكن إبعاده بالطائرات الروسية ولا سواها ، وإنما بالحل السياسي الذي لا يمكن أن يصنعه إلا أصحاب القوة العسكرية على الأرض المؤمنون بالحل السياسي (وأؤكّد على تعبير المؤمنون بالحل السياسي ) ، فهناك تنظيمات تمسك بالأرض ولكنها لا تؤمن إلا بالحل العسكري !! وهذه لا سبيل لمواجهتها إلا بِلُغتها !. لقد صنّفَ مجلس الأمن الدولي كلٍّ من داعش وجبهة النصرة في خانة الإرهاب ولكنهُ رفض تصنيف غيرها رغم أنّ مِن بينها تنظيمات طائفية خطفت وقتلتْ على الهوية المذهبية والدينية !..
إنه أمرٌ جيدٌ أن يقتنع الروسي أخيرا، أن الحوار مع تلك الوجوه التي حملها بطائراته بالماضي من حميميم إلى موسكو ، أو حتى من موسكو إلى جنيف ، لا يُقدّم ولا يؤخِّر بشيءٍ في المعادلة ، ولا يُعجِّل في الحل وإنما يُطيل زمنهُ على حساب زهْقِ المزيد من الأرواح!!.
حينما دخلت القوات السورية إلى لبنان في نيسان 1976 كان الهدفُ هو وقفُ الحرب الأهلية في لبنان ومنع ترسيخ تفتيت أو تقسيم لبنان حيث كان مُقسّما إلى عشرات الجيوب وكل جيبٍ تسيطر عليه ميليشيا مُسلّحة !! . واستطاعت سورية أن توقِف الحرب وتمنع التقسيم !. ولكن من يمكنهُ اليوم أن يوقِف الحرب ويمنع التفتيت في سورية لاسيما أنها مُقسّمة إلى عشرات " الجيوب" وكلُّ فصيلٍ عسكري يسيطرُ على جيبٍ مَا ويفرضُ عليه كل شيء بما فيه المناهج التدريسية !! . والجميع يعتبر نفسه مظلوما ومقهورا بما فيهم الحكومة السورية !!. لا يستطيع أحدا القيام بهذا الدور ووقف الحرب ومنع التفتيت سوى موسكو وواشنطن بشكل أساسي ، وبعض الدول الإقليمية !.. هذا مع العلم أنه لا مصلحة لدول المنطقة إطلاقا في تفتيت سورية (باستثناء إسرائيل) لأن شرارة التفتيت ونيرانها سوف تصل إلى تركيا وإيران والسعودية وكل دول المنطقة ، ولا يمكن لأحدٍ وقف هذه النيران !..
نعم هناك إرهاب وهناك تطرُّف وتعصُّب خطيرين ، ولكن قبل كل ذلك هناك مشكلة سياسية كُبرى في سورية يجب تسويتها ، وهي الأساس بكل شيء ، وغياب الحل الصحيح لها من البداية ، وسوء التقديرات ، قد أدّى إلى كل المضاعفات اللاحقة والتدخلات الخارجية !!.
الرئيس بوتين يقول في خطابه يوم السابع من أيار 2016 ، ذكرى الانتصار على النازية ، أنه لا يمكن تحقيق السلام بدونِ فرضهِ !!. وهذا ينطبق في كل مكان وكذلك في سورية ، فلا يمكن تحقيق السلام دون فرضهِ من طرف القوتان الأكبر ، روسيا والولايات المتحدة ، بموجب القرار 2254 !!.
الناس تتطلّع للحل السياسي ووضع نهاية لهذه المأساة ، وإنقاذ ما تبقى من أرواح .. فهل ستكون الآستانة هي الخطوة الأولى في هذا المشوار ؟. نأمل ذلك..