لم يكن سكان المنطقة يوما مختلفين حول عبد الناصر وحول الوحدة مع مصر كما هو اختلافهم اليوم، ويبقى عبد الناصر شخصية جدلية وتجربة الوحدة مع مصر تجربة فريدة تستحق الدراسة والبحث.
في 22 شباط عام 1958 تم اعلان الوحدة بين سوريا ومصر تحت اسم الجمهورية العربية المتحدة وتنازل الرئيس شكري القوتلي عن الحكم.
الحقيقة اهمية التجربة.. بانها وجهت ضربة قاسية للتجربة الديمقراطية الهشة في سوريا.
فالممارسات الديمقراطية الناقصة في اواخر العهد العثماني وفي عهد الانتداب الفرنسي شهدت صراعا حادا بعد جلاء القوات الفرنسية عن سوريا بين رجال الحكم الوطني والعسكر من بقايا الجيش الفرنسي..
تلقى الحكم الوطني الديمقراطي اكثر من ضربة من هؤلاء العسكر، حسني الزعيم وسامي الحناوي واديب الشيكشكلي في المقابل كان ما زال المدنيين يحتفظون بالقبول والسطة مثل شكري القوتلي وهاشم الاتاسي وكثير من الاسماء جميل مردم بك، خالد العظم.. الخ
مهما كانت المحاسن التي يراها عد الناصر في النهج الذي اتبعه فانه لا شك انه وجه ضربة قاضية للديمقراطية في المنطقة وكرس حكم العسكر والمخابرات، وتم الاجهاز تماما على هذه التجربة القصيرة بعد الانفصال من خلال جماعة البعث..
وكما نوهت سابقا الذي هندس موضوع الوحدة هم العسكر وكنا قد تكلمنا عن زيارة وفد عسكري الى القاهرة بدون موافقة الزعماء السياسيين في بداية العام 1958 برئاسة رئيس الاركان عفيف البزرة.
الاسباب الدي دفعت شكري القوتلي للتنازل لعبد الناصر ما زالت غير واضحت تماما وهي بحاجة الى بحث معمق اضافي..
الذي يمكن ان نذكره بانه في تلك الفترة كان هناك صراع للمحاور الاقليمية مرتبطة بقوى دولية شيئ يشبه الذي يجري اليوم في منطقتنا.. وقد يكون قرار القوتلي هو تجنب الدخول في احد هذه المحاور فالتجأ الى عبد الناصر ذو الشعبية الطاغية وقتها وفي ذهنه تحقيق هدف طالما تم التسويق له بين الشعوب العربية..
عبد الناصر الغى الاحزاب واغلق الصحف وسلم البلد لحكم المخابرات وكان الحاكم الفعلي في تلك الفترة عبد الحميد السراج..
تجربة القمع والملاحقة والتكميم ازدهرت في تلك الفترة ولكنها بالطبع تطورت كثيرا في السنوات اللاحقة بعد الانفصال.. ووصلت اليوم الى ممارسات غير مسبوقة في تاريخ البشرية من حكم سوريا في الخمسين عاما الماضية.