بعد 100 عام من "سايكس بيكو" .. الخارطة الجديدة لتقسيم سوريا ..
سؤال يجب ان نطرحه ، لماذا توغل النظام مئات الكيلومترات عبر الصحراء ليصل الى دير الزور والبوكمال فيما هناك مناطق لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن القصر الجمهوري لا تزال تحت سيطرة "داعش" في احياء العاصمة.
ليس هذا وحسب مناطق واسعة خارج سيطرة النظام في دمشق وفي ريف دمشق ، في كامل محافظة درعا تقريبا والقنيطرة ، في حمص وحماة ، محافظة دلب كلها ، كامل الريف الشمالي والغربي والجنوبي لحلب ، اجزاء واسعة من ريف اللاذقية ..
اكثر من هذا .. مناطق الجزيرة والفرات التي تضم الخزان المائي لسوريا وثروات النفط والغاز ومخزون القمح ..
لماذا ترك الرقة لتسيطر عليها اميركا وقواته مرابطة على بعد بضع كيلومترات عنها ، وينطبق هذا على "الطبقة".. ؟
كيف يتحرك النظام ؟ ووفق اية اجندة؟ .. ما هي المرجعية لتحركاته .. ؟
لماذا يتحرك بعيدا ويترك القريب خارج عن سيطرته ..
لماذا وافق مثلا على دخول الاتراك الى ادلب ، ولماذا غض النظر عن الاكراد وقد سيطروا على اكثر من 30% من سوريا بدعم من اميركا.
لماذا توقفت اعماله في درعا ذات الحدود المشتركة مع العاصمة..
بعد مراقبة الاحداث عن كثب لأكثر من شهرين ومقاطعة المعلومات من اكثر من مصدر وفي ضوء التحركات الاقليمية والدولية الحاصلة اليوم على الارض السورية يمكن ان اقول باني وصلت الى تصور قريب من الحقيقة يجيب على كل هذه الاسئلة ..
اتفاق حصل بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا لتقاسم النفوذ في سوريا يأخذ بعين الاعتبار مراعاة مصالح كل من ايران وتركيا وتحقيق مطالب حيوية لكلا الدولتين ..
الاتفاق يدفع لتحويل سوريا الى دولة فيدرالية لا مركزية تعتمد على نموذج "الحكم الذاتي" او "الحكم المحلي" لكل منطقة من المناطق وترتبط بشكل رمزي ( اسمي ) مع المركز في دمشق.
مناطق النفوذ الاميركي
حصة الولايات المتحدة الكاملة في هذه الصفقة اراض الجزيرة السورية التي تمتد من الشمال ، حدود تركيا و الضفة الشرقية لنهر الفرات وتتجه جنوبا على محاذاة مجراه الى الشرق حتى مدينة البوكمال.
هذه المنطقة الاستراتيجية تحميها الولايات المتحدة من خلال ما يعرف باسم "قوات التحالف" من الجو ومن خلال تزويد وكلائها المتمثلين في قوات سوريا الديمقراطية " قسد" بالاسلحة والرصد والمعلومات الاستخباراتية والتدريب ، ومن ثم الخبرات الادارية والدعم اللوجستي لثبيت حكم هذه المناطق بعد السيطرة عليها.
مناطق النفوذ الروسي
روسيا ، كسبت لاول مرة في تاريخها موطأ قدم في الشرق الاوسط وتواجد يضمن مصالحها في هذه المنطقة الاستراتيجية وستصبح الحاكم الفعلي لكل المناطق التي تبقى تحت سيطرة النظام ( الحالي ) والامر الناهي فيما يعرف بسوريا "الرسمية" ، وبالطبع أي ثروات متوفرة وخاصة الفوسفات والغاز سيكون من نصيبها ، الى جانب ادارة عملية "اعادة الاعمار" بما يحقق اكبر مكسب اقتصادي ممكن والسيطرة على الاستثمارات الواردة الى المناطق التي اصبحت معدمة وبحاجة لكل شيء.
تركيا
وحقق الاتفاق المصالح التركية في افشال قيام "دولة كردية" بعد ان تم قطع اتصال اكراد العراق باكراد سوريا في الشمال الشرقي ، والسماح للقوات التركية بقطع امتداد ما يعرف بـ "روج افا" نحو الغرب وتمكينها من السيطرة على منطقة جرابلس اعزاز التي فصلت عفرين عن باقي المناطق ، اكثر من هذا سمح لتركيا بموجب اتفاق استانة الدخول الى ريف حلب الغربي والى ادلب وتشكيل نقاط مراقبة تحاصر "عفرين" من كل النقاط وتعزلها عن باقي المناطق التركية.
ماذا حصلت ايران في المقابل ..
بشكل رئيسي ما يهم ايران الابقاء على الطريق البري بين العراق ولبنان مفتوحا تحت قوات الحرس الثوري وحزب الله ( والى اليوم يبدو ان هذا الامر ممكنا ، مع انه ربما لن تسمح اميركا بتحقيق هذا الامر في النهاية).
وهذا ما يفسر ما حدث في جرود عرسال والصفقة الشهيرة بين حزب الله وداعش وتمكين داعش من السيطرة على الحدود السورية اللبنانية ، ومؤخرا سمعنا عن اقامة حزب الله نقاط مراقبة له على طول تلك الحدود.
الامر الثاني تأمين طريق دمشق البوكمال من خلال استخدام عناصر الجيش السوري بامرة الحرس الثوري وقيادات حزب الله لفتح الطريق في مناطق سيطرة داعش واكمل السلسلة من الحدود اللبنانية الى الحدود العراقية.
من يدقق في حملة النظام لاستعادة دير الزور سيرى بان هذا الكلام صحيح ، وان النظام سار في خط مباشر على الطريق الواصل من البادية قرب المناطق الوسطى الى دير الزور بشكل محموم ومتسارع وابقى جانبه الجنوبي الشرقي مكشوفا لقوى داعش التي شنت عشرات الهجمات المعاكسة وقتلت المئات من جنوده خلال الاشهر الاخيرة.
فيما نرى بان اراض حيوية على الطرف الاخر للطريق الذي سار عليه بمحاذاة نهر الفرات والتي تضم الماء والنفط والغاز لم يجرؤ على التقدم اليها ، واستغرقت عملية السيطرة على الرقة من قبل القوات المدعومة اميركيا اكثر من شهرين وهو يقف موقف المتفرج ولم يأتي باي خطوة تجاه المدينة وتركها بكل ما فيها لـ "قسد".
نفس السيناريو تكرر بعد وصوله الى دير الزور فقد كان ممنوعا عليه العبور الى الضفة الاخرى للنهر خارج حدود مدينة دير الزور نفسها ، ولم يسيطر ولا على أي حقل نفط او غاز من عشرات الحقول الموجود والتي كان على بعد مئات الامتار منه ( النظام ) على الضفة الشرقية للنهر وتركها بكاملها لقوات "قسد" ومن ورائها اميركا.
بالنسبة لاميركا اصبحت قوات النظام هي الفاصل بينه وبين داعش ، وعمليا فقد حمى النظام القوات المدعومة اميركيا من هجمات داعش واصبح في مرمى نيرانها عبر صحراء واسعة.
بالمحصلة قُسمت سوريا الى ثلاثة مناطق رئيسية ، منطقة "الادارة الذاتية" التي تقع بشكل كامل تحت نفوذ الولايات المتحدة ، وتضم كل الاراضي الواقعة شرق نهر الفرات.
المنطقة الثانية هي مناطق سيطرة النظام التي تضم بشكل اساسي مدن دمشق ، حمص واللاذقية ، وهي ستكون ايضا خاضعة لمفهوم "الادارات المحلية" بضمانة روسية.
والمنطقة الثالثة ، هي ادلب وجزء من ريف حلب الشمالي الغربي وريف اللاذقية وايضا جزء من ريف حماة الذي سيكون تحت نفوذ تركيا على الارض وبشراكة روسيا بشكل اساسي وايران التي ستلعب دورا محدودا في هذه المنطقة.
في ظل هذا السياق سيتم تأسيس حكم محلي في السويداء يتمتع باستقلالية كبيرة ويبقى مرتبطا مع دمشق في القضايا الخارجية والعسكرية.
وهناك الكثير من التفاصيل الاخرى غير المحسومة حتى الان اهمها مناطق درعا والقنيطرة والتي من المرجح ان تمضي في ذات طريق "ادلب" وما حولها التي يمكن ان نسميها بالمناطق ذات "النفوذ المشترك"
يبدو الكلام للبعض خياليا وغير قابل للتصديق .. ومن المستحيل تطبيقه على الواقع ، وبكل الاحوال هل سيسمح النظام بهذه القسمة؟
النظام شريك منذ البداية في عملية التقسيم.
مع الاسف النظام هو شريك اساسي في لعبة التقسيم هذه واليكم الادلة ..
اولا
لم يبدي النظام أي مقاومة عسكرية لانتشار القوات المدعومة من الولايات المتحدة الاميركية التي سيطرت على كل اراضي شرق الفرات وهي تضم مدن وقرى كثيرة غالبيتها في الاساس عرب مثل الرقة والطبقة ، وفي خلال حملته على دير الزور لم يقم باي عملية عبور الى الضفة الاخرى ولم يزاحم القوات "الكردية" بشكل فعلي على حقول النفط والغاز .
وللمتابعين فانه على العكس يقوم تباعا بتسليم مؤسسات الدولة ومراكز تمثيله في كل من الحسكة والقامشلي الى الاكراد طواعية بدون أي اشتباك او معارك او مقاومة من أي نوع.
الاكثر من ذلك شكلت مدن القامشلي والحسكة التي هي الى تاريخ اليوم "نظريا" تحت سيطرته مناطق عبور لعشرات القوافل الاميركية المحملة بالسلاح والشاحنات العسكرية التي استخدمت للسيطرة على اكثر من 30% من سوريا.
ثانيا
وافق النظام على بيان استانة 6 والذي ينص بشكل واضح وصريح على دخول القوات التركية الى ادلب والبقاء فيها وفق اتفاق روسي اميركي ايراني تركي وهكذا سلمها لتركيا ، كما سلم قبلا بدون أي مقاومة عسكرية او "سياسية" تذكر منطقة "درع الفرات التي تمتد من جرابلس الى عفرين.
الاكثر من ذلك لا يمكن قراءة تهجير مقاتلي المعارضة واسرهم في كل من الزبداني وداريا ومناطق اخرى ونقلهم الى ادلب بانه مصادفة ، وعلى الارجح او تنفيذ للاتفاق المذكور على قسمة سوريا.
ثالثا
يشير اكثر من مصدر موثوق بان الدستور القادم لسوريا بعد مرحلة "مناطق خفض التوتر" هو دستور لفدرالية وهذا الدستور وافقت عليه روسيا واميركا والنظام ، وحتى انه سيطرح على تحت عنوان " مناطق الادارة المحلية" وسيستند الى مرسوم قديم صدر في العام 2011 ( المرسوم 107) الذي يعزز نفوذ السلطات المحلية في المناطق السورية على اساس السلطة المركزية.
رابعا
سمعنا كلنا مؤخرا مبادرة في السويداء لاقامة ما يشبه "الادارة الذاتية" تناقش اليوم ، وليس هنا النقطة الهامة في الموضوع ، المهم بان هذه المبادرة طرحت اول ما طرحت من قبل رئيس فرع الامن العسكري في المحافظة وفيق ناصر !!.؟ وهو بالتأكيد لا يمكن ان يطرح مثل هذه الفكرة بدون موافقة رأس النظام في دمشق.
اذا ارجعنا كل الاحداث التي تجري في سوريا منذ سنوات الى ملامح هذا المشروع القاضي بقسمة سوريا سنجد تفسيرا لكل التفاصيل التي بدت مبهمة في وقت من الاوقات ، وسنرى بانه على العكس ، فان العمليات والاحداث والاتفاقيات تمضي وفق مخطط منطقي واضح لتحقيق هدف مشترك لكل الاطراف يلعب في هذا المخطط النظام دور الشريك في احسن الاحوال ودور الاداة المنفذة بشكل فعلي ، فليس هناك أي ضمانات له بالبقاء بعد ان يتم التنفيذ.
كنت قد كتبت في اكثر من مقال سابق بان سوريا ( سايكس بيكو ) انتهت ، ولم اكن اعرف الى أي شيء ستنتهي ، اليوم يمكن التأكيد ان سوريا اصبحت قاب قوسين من "فدرالية" مفككة يسيطر على كل جزء منها دولة لها مصالح مشاريع لا تصب بالضرورة في مصلحة الشعب السوري الذي بالفعل تأمر عليه كل العالم وكان "النظام " اول المتأمرين.
نضال معلوف