الوثائق تكشف بان كلا "الدولتين" كانتا تتسابقان لابداء الولاء للحليف الغربي ، فيما كان الصراع بينهما دائر والتنافس على السيادة والسيطرة يذهب بالدولتين الجارتين الى حدود العداوة.
لا اتكلم عن قطر والسعودية اليوم .. بل عن نجد والحجاز في العام 1917 – 1918 ..
قد يقول قائل مالنا والتاريخ .. ؟
كيف مالنا والتاريخ .. وابناء مؤسس السعودية مازالوا يحكمون الى اليوم وكذلك ابناء امراء الجزيرة العربية .. والاهم ما الذي يدل على ان الدول العظمى والغربية غيرت من سياستها واستراتجيتها في منطقتنا ..
في العام 2117 قيد يكون شاب باحث في مقتبل العمر جالس امام شاشة ما يفتش في وثائق مراسلات دول منطقتنا مع الولايات المتحدة الاميركية ويجد فيها اجوبة عن كل الاسئلة التي نطرحها نحن اليوم ولا نصل الى أية نتيجة ..
وربما هذا الشاب يقرأ هذا المقال .. ، ويحفزه هذا ليعود 200 عاما الى الوراء ايضا ليفهم كيف يتعامل الغرب مع شرقنا البائس ..
وربما يصل الى احد منشورات " نجدة فتحي صفوة" المؤرخ العراقي الذي نشر في 7 مجلدات تضم وثائق المراسلات الانكليزية مع الجزيرة العربية في مرحلة الحرب العالمية الاولى.
لا اعرف لماذا نحن العرب نهتم بوثائق "الويكيليكس" اكثر من وثائق " صفوة" ، لو اننا قرأنا هذه الوثائق فقط دون دراسة او تحليل لوجدنا اجابات لمعظم الاسئلة التي ما زلنا ندور وندور ( حتى دخنا ) لنجد الاجابة عليها ولم نفعل الى تاريخ اليوم ..
ربما لاننا كسولين نريد ان تأتينا المعلومات وحي من السماء ، او لاننا نعتقد انفسنا مرسلين ( كل منا ) نعلم بالغيب دون ان نكلف انفسنا بقراءة ورقة ..
في الربع الاول من القرن العشرين كان اهل الجزيرة العربية فقراء .. وحتى زعمائها كانوا بحاجة الى المال .. ليس كما هم عليه اليوم .. وكان المال هو اساس الزعامة لديهم فبالمال يشترون السلاح والمؤن والولاءات ..
ولذلك كان الانكليز في ذاك الوقت يدفعون الاموال الى كل من يريد ان يوطد دعائم "حكمه" في امارته بشرط الا يعمل ضد مصالح الانكليز لا بل يجب ان يتحول لاداة ينفذ مخططاتهم ويحقق مصالحهم.
فكانوا يمدون الشريف حسين بالسلاح والمال .. وايضا يمدون ابن سعود بالسلاح والمال .. وتتوزع الحصص بحسب سير الاحداث وتبدل الظروف وتغير موازين القوى ..
تروي وثائق البريطانية عن تلك الفترة التي ترجمها وصنفها "نجدة صفوة" بانه في بداية "الثورة العربية" وصل ما يتلقاه الشريف حسين من الانكليز الى 250 الف باوند في الشهر بينما كان ابن سعود يحصل على 5000 الاف فقط
ولكن هذا الواقع تغير مع مرور السنوات .. في الحقيقة الاشهر .. حين انتصر الانكليز على الجيش العثماني واحتلوا القدس ووصلوا الى حلب ومن خلفهم قوات فيصل .. تبدلت الظروف .. وبات الحسين يشكل عبئا على الحليف الانكليزي الذي قدم له الشريف كل شيء يملكه ولا يملكه ..
نعم فقد قدم الشريف حسين للانكليز "العرب" كل العرب وهو لم يكن الا اميرا على الحجاز .. وقدم لهم في اكثر من مناسبة "حياته" فداءا لانكلترا العظمى الحليفة ( موثق في المراسلات ) .. وهو كان يسعى في ذات الوقت ليصبح خليفة المسلمين ..
ولكن الانكليز لم يعودوا بحاجة اليه .. على العكس فقد اصبح عبئا عليهم وخاصة بانه اظهر موعا من "الندية" في مطالبته بان يكون ملكا على الاقطار العربية كلها غير ناقصة ..
في ذات الوقت كان ابن سعود يوطد سلطته في الجزيرة ويمد نفوذه حتى وصل الى بعض قرى الحجاز ، وانتصر على الحسين في اكثر من واقعة .. وفشل الحسين في رد اعتداءت ابن سعود واستراجع الاراض منه ..
اصبح ميزان الدفع عندها يميل لابن سعود .. مبالغ اضافية وميزانيات تفتح لتنفيذ مهام بالوكالة عن الانكليز في محاربة ابن الرشيد ( حليف الاتراك ) وغيره .. ( دفعوا له 50 الف باوند لمجاربة ابن الرشيد ) ..
اذا كنا نسينا كل هذه التفاصيل او لم نطلع عليها اصلا .. ولم ندرك مدى سيطرة القوى العظمى وقتها على قلب الجزيرة وباقي الاقطار "العربية" ولم نعرف او "تجاهلنا" بان كل حكامها موجودين بفعل دعم الدول العظمى بالمال والسلاح والنفوذ .. فانه من المؤكد نتذكر زيارة ترامب الاخيرة للسعودية ..
اليوم لم تعد دول الخليج تحتاج المال .. ولكنها تحتاج الحماية .. ؟!
مما .. ؟
هذه ليست مشكلة دائما يمكن للدول العظمى خلق "الخطر" و"التهديدات" وممارسة الابتزاز .. ( صدام .. داعش .. ايران .. الخ ) ..
وهكذا دفعت السعودية الملايين .. ودفعت بعدها قطر .. لماذا وكم بالضبط .. ؟ لا احد يمكن ان يستحوذ على كل التفاصيل ..؟
ربما سيقرأ ذاك الشاب في العام 2017 مضمون الوثائق التي سينشرها مؤرخ عمل كل حياته في الظل ( لانه لا مصلحة لاحد ان يلقي الضوء على اعماله ) ويعرف ذاك الشاب بعض التفاصيل .. ويحاول ان ينقلها الى ما تبقى من "العرب" الذين على الاغلب سيعودون في المستقبل القريب عشائر وقبائل رحل .. !
غير ممكن ؟
على ماذا نراهن .. على الرؤساء والقادة والملوك ..!
ملك الملوك الشريف حسين الذي حرر الاراضي العربية من "الاستعمار" التركي .. عزل من ملكه بجرة قلم .. وعندما رفض بعض البنود التي حاول ان يفرضها عليها الانكليز .. ، ببساطة قطع الانكليز عنه المعونة .. وبدأ لقب الملك في المراسلات يتبدل من صاحب الجلالة في العام 1913 – الى العجوز "الخرف" في العام 1919..
ولم يحرم ملك الملوك والخليفة المنتظر من المُلك وفقط .. ! بل طرد ( وابناءه واحفاده ) من ارضه وارض اجداده الى غير رجعة .. بل طرد من اراض "كل العرب" الذي توج نفسه قبل سنوات قليلة ملك عليهم ... وقضى ما تبقى من عمره في بيت وضيع في قبرص ..
الملوك في بلادنا ليسوا ملوكا الا علينا .. مثل حراس السجن ..
لمن لا يعرف فيصل ملك العراق وعبدالله ملك الاردن اولاد الحسين فشلوا طوال سبع سنوات في استصدار اذنا من الانكليز لزيارة الحسين لهم في قصورهم وهم على رأس عروشهم ..
واستجدوا وترجوا وتوسطوا كثيرا عندما اقتربت ساعة الحسين واكدوا الاطباء بان منيته قد اقتربت .. استجدوا لكي يعود الحسين ويدفن في ارض عربية .. ولم يكن له ذلك الا بمراسلات ومفاوضات استمرت اشهر مع "السيد " الانكليزي ..
لنضع فرضية منطقية اليوم ربما تفسر لنا كل ما يحصل .. ؟
الفرضية تقول بانه لا شيء تغير .. وان الوثائق التي ستكشف بعد عقود من قبل مؤرخ يعمل في الظلام ويقرأها شاب يحاول ان يفهم ماذا جرى في ارض اجداده .. ستكشف وقائع مشينة وتفاصيل تجلب العار لكل من عاش على هذه الارض من ملك الملوك فيها الى افقر ساكن ..
نضال معلوف ..
رئيس التحرير