-
من أفواههم أدينُوهم ! ... بقلم : عزمي مخول
ربما لو علم صديقي أبا وائل، بأنه بذلك الطلب سوف يُدين نفسه، لما تشجع وسألني إياه !!!
لدى أبو وائل شاب بعمر المراهقة، وللآسف فإن علاماته المدرسية في تراجع مستمر، وفقا لوالده فهو لايبدي إهتماما باستكمال تعليمه، ويفكر بترك المدرسة، وطلب مني أن أساعده بأن أتكلم مع إبنه لأشجعه على أن يتابع تعليمه، وأن يهتم بدراسته أكثر، بإعتبار أنه يعرف أن إبنه يستمع لي ويهتم لما أقوله !
وعدته بالمساعدة، وطلبت منه أن يتم لقائي بإبنه والحديث معه بشكل عفوي، وفي ذلك الوقت الذي يأتي لمساعدة والده في إدارة تلك المكتبة البسيطة في مدينة حمص، والتي يبيع فيها الأدوات المكتبية، وتحتوي على آلة لتصوير المستندات ويكسبون رزقهم من خلالها.
وهكذا كان فعلاً، ففي اليوم التالي دعاني أبو وائل لشرب الشاي معه في المكتبة، في فترة العصر، وماهي إلا دقائق قليلة حتى دخل إبنه ليساعده، وحصل مالم أتوقع حصوله في ذلك اليوم ليساعدني في تشخيص المشكلة الحقيقية التي يعاني منها ذلك الشاب المراهق في علاقته مع العلم والدراسة !
فقبل أن أبادر وائل بالحديث عن دراسته، دخلت المكتبة إمرأة متسولة تطلب بعض المساعدة، ليبادر أبو وائل بإعطائها مبلغاً بسيطاً منه كمساعدة، وما أن خرجت حتى فأجاني بحديثه، وهو يشيد بما تفعله تلك المرأة المتسولة وهو يقول: (على خمسين ليرة سورية من هون، ومية ليرة من هونيك، بتحط ألف ليرة بجزدانها، وبلا علم وبلا تعليم)!
غمزته بعيني ليتوقف عن ذلك الحديث أمام إبنه لخطورته. وما أن توقف عن حديثه، حتى دخل المكتبة شخص ليعرض على أبو وائل بعض الأدوات الهندسية المستعملة للبيع، أعتذر منه بحجة أنه يبيع الأدوات الجديدة فقط. وما أن خرج حتى فاجئني من جديد بما يقوله وفي حضور أبنه: (بتعرفوا مين هالشخص اللي دخل قبل شوي، هيدا أقدر وأعرق مدرسي الرياضيات في مدينة حمص، ثلاث أرباع طلاب المدينة درسوا على إيديه، وشوفوه عم يبيع أدواتو الهندسية ليعيش، الله يلعن العلم والمتعلمين، لك على شو الواحد يضيع حياتو بالدراسة !)
غمزة ثانية من عيني اليسرى، كانت كافية لايقافه عن ذلك الحديث اللذي يجود به أمام إبنه، وما أن توقف حتى طلبت من إبنه شراء بعض الأشياء من الخارج بقصد عدم الإستماع لما سأقوله لوالده.
ما أذكره أنني قلت له: إبنك ذكي وذكي جداً !
فوجئ بقولي، وذكرني بعلاماته المدرسية المتدنيه.
أعدت قولي وتأكيده له بأن أبنك ذكي جداً، فأي إبن يسمع والده وهو يردد يومياً، مارددته خلال العشر دقائق التي مضت، ومن خلال موقفين بسيطين. من إهانة وشتم للعلم والمتعلمين، فستكون ردة فعله الإبتعاد عن التعليم، وإختيار طريق آخر، وهذا مافعله إبنك!
الإدانة كانت مثبتة وواضحة، وائل ضحية والده، ووالده ضحية مجتمع تغيرت قيمه!
لا أعرف ماجرى بعدها، ولكنني أجزم بأننا بدون العلم لن يكون لنا وجود حقيقي وفاعل ومؤثر!
ومن يجد تكلفة العلم والتعليم كبيرة، فلينظر إلى الجهل وتكلفته، وما أوصلنا إليه ...
https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts