أجرى الرئيس بشار الأسد مقابلة مع قناة زفيزدا الروسية تناول فيها تطورات الاوضاع في البلاد والوجود الروسي العسكري.
الصحفية:
سيادة الرئيس، شكراً جزيلاً لأنكم أتحتم لنا هذه الفرصة ووافقتم على اللقاء معنا، نحن هنا في سورية بمناسبة الذكرى الخامسة لبدء العمليات العسكرية الروسية على أرض بلادكم. العملية التي جاءت للمساعدة في تحرير سورية من الإرهاب، ولذلك نريد أن نناقش معكم ومن الممكن أن نجمل نتائج هذه الأحداث.
الرئيس الأسد:
أهلاً وسهلاً بكِ في سورية، أنا سعيد جداً لاستقبالكِ اليوم وبأن أُجري هذه المقابلة مع قناتكم المحترمة.
السؤال الأول:
سيادة الرئيس، إذا عدنا إلى الأحداث التي عمرها خمس سنوات كيف يمكن اليوم أن تصف الوضع الذي كان والذي مرت به سورية عام 2015 هل كان لديكم أمل بالحصول على مساعدة خارجية؟
الرئيس الأسد:
إذا أردت أن أختصر الموقف في ذلك الوقت أستطيع القول إنه كان خطيراً جداً، فالإرهابيون كانوا يتقدمون في مناطق مختلفة في سورية، ويحتلون المدن بدعم مباشر من الولايات المتحدة، من فرنسا، من بريطانيا، من قطر، من السعودية. بالإضافة إلى الدعم غير المباشر من قبل الدول الغربية أو المجموعة الغربية بشكل عام. والوضع في سورية، الذي وصفته بالخطير، كان هو محور نقاش بيننا وبين القيادة الروسية العسكرية والسياسية، وخاصة بعد مجيء “داعش” في العام 2014 واحتلالها مناطق واسعة في البادية السورية، وطبعاً كنّا نأمل أن يكون هناك مساعدة لأسباب عدة. السبب الأول هو أن الموقع السياسي لسورية موقع مهم وبالتالي أي خلل في هذه المنطقة سوف ينتشر في كل منطقة الشرق الأوسط، وينعكس إلى مناطق أخرى، والصراع على سورية هو من قبل التاريخ، لأهميتها، وهو ليس شيئاً جديداً. السبب الآخر، هو أن الإرهاب الذي كانت سورية تحاربه هو الإرهاب نفسه الذي اختطف الأطفال في مدرسة بيسلان في عام 2004، ونفس الإرهاب الذي دخل إلى المسرح وقتل الأبرياء، فإذاً هو إرهاب عالمي، فمن مصلحة روسيا أولاً أن تضرب هذا الإرهاب في سورية، وثانياً أن تحافظ على هذا الاستقرار الذي ربما يؤثر في مصالح دول أخرى بما فيها مصلحة روسيا.
السؤال الثاني:
إذا قارنا الوضع الذي كان قبل خمس سنوات بالوضع الحالي.. كيف تقيمون ما تقوم به روسيا، دور وزارة الدفاع؟ ما يقوم به العسكريون الروس الذين يوجدون هنا منذ خمس سنوات على الخط الأول في الحرب مع الإرهاب؟
الرئيس الأسد:
لا شك بأن الجيش الروسي هو جيش متقدم جداً من الناحية التقنية، هذا الشيء أثبتته الحرب وأظهرته بشكل واضح. الجانب الآخر، هو جيش مُحترف بكل معنى الكلمة، يُحدد الأهداف بدقة، ويذهب بتصميم من أجل تنفيذها، أما إذا أردت أن أصف العسكريين الروس الذين تعاملنا معهم بشكل مباشر بمختلف المستويات، ضباطاً أو أفراداً، فكانوا يعملون من دون توقف، على سبيل المثال، بالنسبة للطيارين الروس، عندما كانت تشتد المعارك، كانت تبدأ الطلعات في الثالثة صباحاً، قبل شروق الشمس، وأحياناً لا تتوقف إلى ما بعد منتصف الليل.. لم يكن لديهم الوقت للهدوء، وطبعاً الجيش الروسي قدم تضحيات على الأرض السورية وقدم شهداء.
أما بالنسبة لوزارة الدفاع وهي المظلة التي ترعى هؤلاء المقاتلين، كونها ذات طابع عسكري وسياسي، فقد أثبتت مصداقية عالية، وكان من الصعب أن يتم تنفيذ هذه المهام العسكرية بشكل مشترك بين الجيشين لولا تلك المصداقية العالية التي أظهرتها وزارة الدفاع الروسية من خلال الشفافية العالية والوضوح والصدق في كل ما اتفقنا عليه وتم تنفيذه خلال السنوات الخمس الماضية.. هذا ملخص لخمس سنوات عن انطباع الكثير من العسكريين السوريين عن التعامل مع زملائهم من العسكريين الروس.
أريد أن أضيف هنا نقطة واحدة، دائماً المواطن الروسي فخور جداً بجيشه، ولكن يحق له بعد هذه المعارك أن يكون أكثر فخراً بإنجازاته الكبيرة.
السؤال الثالث:
شكراً جزيلاً، شكراً على هذه الكلمات، نواصل إذاً الحديث في موضوع التعاون المشترك بين الجيشين الروسي والسوري، باعتبار أننا تحدثنا حول هذا الموضوع، الجيش السوري أيضاً تغير كثيراً خلال السنوات الخمس الماضية، ما هي الخبرات التي اكتسبها الخبراء السوريون، العسكريون السوريون من خلال تفاعلهم مع العسكريين الروس، ووزارة الدفاع الروسية؟
الرئيس الأسد:
لا شك بأن للجيش الروسي خبرات متنوعة سواء إذا عدنا للحرب الوطنية العظمى والتي اكتسب فيها خبرات عسكرية بحرب كلاسيكية، بالإضافة إلى خبرات الشيشان وهي حرب غير تقليدية تشابه الحرب التي خضناها من ناحية أنها كانت حرباً مدعومة من الخارج بهدف إضعاف روسيا، وبهدف ربما تقسيمها، وكان فيها مجموعات إرهابية تظهر بصور مختلفة بشكل خلايا نائمة. كل ما في حرب الشيشان كان غير تقليدي، نحن لدينا خبرات ربما تكون مختلفة، لدينا خبرات في الصراع مع الإرهاب في النصف الثاني من السبعينيات والذي استمر حتى بداية الثمانينات، كان أيضاً صراعاً مع المجموعات الإرهابية المتطرفة، ولكن هذه الحرب كانت أقرب إلى حرب الشيشان من حيث الدعم الخارجي ومن حيث إنهم يخوضون حرباً غير تقليدية، هي أقل من جيش ولكنها أكثر من خلايا نائمة، فلا شك بأن الدمج بين الخبرتين الروسية في تعاملكم مع الإرهاب والسورية كان مهماً جداً. ولنأخذ بالاعتبار أن الإرهابيين في هذه المرحلة، أي السنوات الخمس الماضية، طوروا أساليبهم بشكل يختلف عن خبرتنا وعن خبرتكم، فكانت هناك دروس نتعلمها نحن وأنتم، أي الجيشين السوري والروسي، بالتعامل مع الإرهاب. فأستطيع أن أقول إنها كانت تجربة غنية جداً من الناحية العسكرية، وطالما أن الإرهاب لم يتوقف، يكون دائماً هناك دروس جديدة لأن كل معركة كنا نخوضها كانت تختلف عن الأخرى، لكن لا شك بأن جمع خبرتين وتجربتين كبيرتين كان له تأثير كبير خاصة بالنسبة لنا في سورية.
السؤال الرابع:
أنتم تعلمون في نهاية الأمر أن هناك تشابهاً بين دولتينا في كثير من الأشياء لأن في سورية كانت تتقاطع دائماً خلال العديد من القرون مصالح دول مختلفة، لنقل قوى مختلفة، وأيضاً روسيا خلال تاريخها خاضت حروباً عديدة، نحن لم نبدأ الحرب، العدو هو الذي جاء إلينا، باعتبار أنتم تطرقتم إلى هذا الموضوع، بلدنا هذا العام يحتفل بالذكرى الخامسة والسبعين للانتصار العظيم، الانتصار في الحرب الوطنية العظمى، وفي هذه الحرب الرهيبة لشعبنا، الحرب الوطنية العظمى، نقطة التحول كانت المعركة من أجل ستالينغراد، بعدها بدأ الهجوم باتجاه الغرب، استطعنا طرد (عفواً على هذا التعبير) الفاشيين من بلدنا. هل ممكن أن نقارن ذلك بما حدث للشعب السوري، المعركة من أجل تحرير حلب؟ التي يسمونها في كثير من الأحيان ستالينغراد السورية. ما هو أثر تحرير حلب في عملية تحرير سورية من الإرهاب؟
الرئيس الأسد:
أنت تسألين عن مفصل مهم جداً في الحرب السورية هو معركة حلب، والمقارنة التي تقومين بإجرائها موجودة لدى المواطنين السوريين، لأن حلب حوصرت لأكثر من عامين، وأغلب الأوقات كان حصاراً كاملاً، وإذا كان هناك إمكانية لإدخال بعض المواد الغذائية أو بعض الحاجات الأساسية كان ذلك يتم من معابر تحت ضربات الإرهابيين، أي قد تصل وقد لا تصل وفيها مخاطرة، لم يكن هناك كهرباء، لم يكن هناك ماء، لم يكن هناك مواد أساسية، ومع ذلك صمد أبناء حلب في المعركة.. فأنا أعتقد بأن أهمية هذه المقارنة تكمن أولاً بالنسبة للحصار وبالنسبة لصمود الشعب، فعندما تتحدثين عن ستالينغراد، قبل أن تذكري الانتصارات العسكرية تذكرين صمود الشعب أولاً، أي أبناء ستالينغراد. لولا هذا الصمود لما كان للجيش الروسي أن يتمكن من البدء بهجوم كبير. الشيء نفسه حصل في سورية.. لولا صمود أهل حلب كان من غير الممكن للجيش أن يتمكن من التحضير لمعركة كبيرة. للمصادفة، فإن المقارنة الأخرى هي أن الجيش في ستالينغراد انطلق غرباً حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، وفي حلب أيضاً الجيش تحرك غرباً، واستمرار التحرير باتجاه إدلب لا بد أن يكون غرباً. طبعاً أهمية حلب كونها ودمشق هما أكبر مدينتين في سورية، فهي تحمل أهمية سياسية اقتصادية وعسكرية، ولا شك بأن معركة حلب بالنتائج الاستراتيجية هي معركة مهمة جداً بغض النظر عن المساحات أو حجم المقاتلين، بنتائجها كانت معركة فاصلة غيرت اتجاه الحرب في سورية، لذلك أعتقد بأن ما بعد حلب كمعارك وكوضع سياسي لن يكون كما هو قبل حلب، فالمقارنة التي سألتي عنها مقارنة صحيحة، مع اختلاف المساحات طبعاً بين الدولتين.
السؤال الخامس:
هذه المعركة حملت أبعاداً كبيرة لسورية، وكذلك خسائر فادحة.. إن هذه المعركة كان لها دور مصيري في تغيير مسار الأحداث.. سيادة الرئيس اليوم وبناء على الاتفاق الذي وقع بين روسيا وسورية على أرض بلدكم توجد قاعدتان عسكريتان روسيتان، حميميم وطرطوس، برأيكم، أي دور ستلعبه هاتان القاعدتان في توفير الأمن لسورية اليوم؟ وأي دور ستقومان به في المستقبل؟
الرئيس الأسد:
النظر إلى الدور الروسي العسكري في سورية – وتحديداً القواعد – ينطلق من نقطتين، الأولى هي مكافحة الإرهاب والذي نسميه إرهاباً دولياً وهذا الإرهاب الدولي سيأتي يوم وينتهي، أو لنقل إنه سيضعف نتيجة المعارك المستمرة من أجل القضاء عليه. ماذا بعد هذا الإرهاب؟ هناك نقطة أخرى هي الدور الروسي في العالم، نحن اليوم نعيش في غابة دولية وليس في ظل قانون دولي، وسبب هذه الغابة أنه ولربع قرن من الزمن لم يكن هناك توازن دولي.. هذا التوازن الدولي بحاجة لدور روسيا، من الناحية السياسية في المنظمات الدولية ومن الناحية العسكرية، ومن الناحية العسكرية لا بد من وجود قواعد. كيف نستفيد من هذا الموضوع؟ كدولة صغرى وكثير من الدول الصغرى، وأستطيع أن أقول إن أغلب دول العالم هي التي ستستفيد من هذا التوازن الدولي، بمعنى أن فائدة سورية ستكون غير مباشرة من خلال هذا التوازن الجديد. فإذاً علينا ألاَّ نضع الوجود الروسي فقط في إطار مكافحة الإرهاب، لأن الاتفاقية عمرها خمسة وأربعون عاماً، ولن يستمر الإرهاب خمسة وأربعين عاماً، ولكن هناك ما بعد الإرهاب وهو الدور الروسي الضروري للتوازن الدولي الذي يلعب فيه الوجود العسكري في مناطق مختلفة من العالم دوراً أساسياً. طبعاً عندما يتخلى الغرب عن القوة العسكرية لخلق المشاكل في العالم ربما لا تكون روسيا بحاجة لمثل هذه القواعد، لكن الآن روسيا والعالم بحاجة لهذا التوازن الذي ذكرته.
السؤال السادس:
سيادة الرئيس، لنتحدث عن الذين دائماً يخرقون و يتجاهلون القانون الدولي، أنتم تعلمون عمن أتحدث، أنتم رئيس منتخب للجمهورية العربية السورية، أنتم قدتم الحرب على الإرهاب، القانون إلى جانبكم، الشعب وراءكم ومع ذلك نسمع بشكل متواصل من بعض القادة الغربيين تصريحات سيئة على سبيل المثال: “الأسد يجب أن يرحل”، نحن نتذكر جيداً كيف تحدث عن ذلك باراك أوباما، مع الأسف الآن يكرر الأمر نفسه دونالد ترامب، مؤخراً صدر كتاب في أمريكا (الخوف: ترامب في البيت الأبيض) للصحفي الأمريكي الشهير بوب وودوورد ، هو يؤكد أنه في العام 2017 بعد القصف الصاروخي على سورية طالب ترامب باغتيالكم، واقتبس: “دعونا لنغتاله، فلنقتلهم جميعاً”. كيف تعلقون على ذلك؟ لماذا يشيطنونكم؟
الرئيس الأسد:
أولاً، بالنسبة للتصريحات التي كانت تُذكر دائماً بضرورة رحيل الرئيس، فقد اعتادت الولايات المتحدة أن يكون لديها رؤساء -لنقل إنهم عملاء لها، أي هي تضعهم – وبالتالي تقول لهم: ابقوا الآن وعندما ينتهي دورهم تقول لهم اذهبوا، هم معتادون على هذا الشيء، أنا لست واحداً من هؤلاء، وبالتالي كل التصريحات التي صدرت لا تعنينا نهائياً، ولا تزعجنا، ولا نشعر بها.. هذا كلام أمريكي للأمريكيين.
السؤال السابع:
ألا يثيركم استخفاف الغرب بعلاقته بكم؟ التي يمكن أن تكون أحياناً وقحة.
الرئيس الأسد:
لا، لا، لأنها أقل من أن يهتم بها الشخص وسأقول لماذا.. لو انتقلنا إلى تصريحات ترامب الأخيرة التي ذكرها الكتاب المذكور، هي ليست شيئاً مفاجئاً، ولا شيئاً جديداً لأن سياسة الولايات المتحدة منذ الحرب الباردة.. ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى اليوم هي سياسة هيمنة، هي سياسة انقلابات، هي سياسة اغتيالات وسياسة حروب. فهذا شيء طبيعي.. ترامب لم يذكر شيئاً جديداً، بالعكس علينا أن نتفق أن لترامب ميزة مهمة أنه فضح النظام الأمريكي، هو بالنسبة لنا مفضوح ولكن كان يخبئ نفسه ببعض الأقنعة الجميلة من حديث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والأشياء المشابهة. ترامب إنسان صريح يقول “هذا ما نقوم به”، فحتى لو لم يقل ترامب هذا الكلام يجب أن نعرف أنه جزء من سياستهم وتفكيرهم. الولايات المتحدة لا تقبل بشركاء في العالم وبالتالي لا تقبل بدول مستقلة بما فيها الغرب، الغرب هو تابع للولايات المتحدة، هم ليسوا شركاء لها، هم غير مستقلين. هم لا يقبلون شخصاً مستقلاً ولا يقبلون دولة مستقلة، هم لا يقبلون حتى روسيا وهي دولة عظمى أن تكون مستقلة، هم لا يقبلونكم في التاريخ وأنتِ تعرفين أنهم يرفضون دوركم في القضاء على النازية، وكأن روسيا ليس لها دور في القضاء على ذلك. فإذا لم يقبلوا روسيا في التاريخ فهل سيقبلونها في الحاضر؟ إذا لم يقبلوا الدولة الكبرى روسيا كدولة مستقلة فهل يمكن أن يقبلوا سورية الدولة الأصغر – أو الدولة الصغيرة – كدولة مستقلة؟ هذه هي مشكلة الأمريكيين.. هم لا يقبلون أي شخص يعمل من أجل مصلحة بلده، أو يحترم نفسه، أو يكون مستقلاً بالقرار الوطني.
السؤال الثامن:
نعم هذه نقطة تشابه أخرى بين بلدينا. حسناً فلنتحدث عن سير عملية العفو عن المسلحين، كيف تسير عملية المصالحة بين الأطراف المتخاصمة؟ في تموز جرت في سورية الانتخابات البرلمانية والتي فاز فيها الائتلاف الحاكم ونهنئكم بذلك ولكن من الواضح أن مشكلة المعارضة ما زالت، لا أزال أتذكر عندما جرت المحادثات في جنيف، ممثلو السلطة والمعارضة أدخلوا إلى القاعات من جهات مختلفة، من أبواب مختلفة، حتى لا يتشاحنوا فيما بينهم. كيف تسير حالياً هذه العملية؟ ما هو الجديد حول لجنة الدستور؟ ما هو دور الوسطاء الدوليين في هذه العملية؟ دور الأمم المتحدة؟ وما هو دور روسيا؟ وبمن تثقون شخصياً في هذه العملية؟
الرئيس الأسد:
بالنسبة للمفاوضات، تلعب روسيا وإيران دوراً مهماً من أجل دعم هذه المفاوضات إلى الأمام لكي تحقق شيئاً ولو جزئياً، لأن المفاوضات سوف تأخذ وقتاً طويلاً. لكن لنتحدث بصراحة.. عندما نتحدث عن طرف آخر نسميه “المعارضة” -وأنتم لديكم معارضة في بلدكم- فمن شروط المعارضة أن تكون وطنية، أن تكون خارجة من الشعب الروسي وأن تمثل جزءاً منه، ولكن أنتِ كمواطنة روسية عندما تعرفين أن هذه المعارضة أو هذا الشخص يرتبط بجهاز مخابرات أجنبي، فأنتِ لا تسمّينه معارضاً، لأن المعارضة مرتبطة بالوطنية.
بالنسبة لما يحصل في المفاوضات، هناك طرف تدعمه الحكومة السورية لأنه يعبّر عن وجهة نظرها، ولكن هناك طرف آخر تم اختياره من قبل تركيا، وهي ليست طرفاً سورياً. تركيا ومن يقف وراءها من الولايات المتحدة وغيرها ليس لديهم مصلحة الآن بالوصول إلى نتائج حقيقية في اللجنة، لأن الأشياء التي يطلبونها تؤدي إلى إضعاف الدولة وتفكيكها، كما يحصل في مناطق مختلفة أخرى تتدخل فيها الولايات المتحدة وتضع دستوراً يؤدي للاضطراب والفوضى بدلاً من أن يؤدي للاستقرار، وهذا الشيء نحن لا نقبل به، ولا نفاوض حول أشياء تمس استقرار سورية. لذلك إذا أردنا فعلاً أن تصل هذه المفاوضات إلى نتائج، لا بد من أن يعود كل الأشخاص لما يريده الشعب السوري بمختلف شرائحه وبمختلف انتماءاته السياسية. أنا أعتقد أن الجولات المقبلة ستظهر أكثر حقيقة هذه الأمور.. إذاً كان الحوار سورياً – سورياً ستنجح، وطالما أن هناك تدخل خارجي لا يمكن أن تنجح المفاوضات.
السؤال التاسع:
إذا سمحتم أريد أن أوجه لكم عدداً من الأسئلة الشخصية التي بشكل أو بآخر لها علاقة بالماضي، من فضلكم أخبرونا هل فكرتم خلال كل أهوال الحرب التي عشتموها وعاشتها بلدكم أنكم بين الحياة والموت؟ هل فكرتم بذلك في وقت ما؟
الرئيس الأسد:
لو أتيت إلى دمشق قبل عام 2018 على سبيل المثال، لكنا جالسين في هذا المكان والقذائف تسقط حولنا من وقت لآخر.. كان احتمال الموت لأي مواطن.. لأي شخص يتحرك سيراً على الأقدام، بالباص، بالسيارة، ذاهباً إلى عمله، إلى أي مكان يمكن أن تفاجئه قذيفة تؤدي إلى أذية أو إلى الموت.. هذا كان احتمالاً موجوداً خلال الحرب. لكن أعتقد أن الإنسان بطبيعته يتأقلم مع هذه الحالة. في أي دولة وفي أي مكان في العالم.. الإنسان يتأقلم مع الظروف. لذلك استمرت الحياة في دمشق، وأنا شخصياً كنت أذهب إلى العمل يومياً، لم أتوقف ولا في أي وقت من الأوقات وتحت القذائف، لم يكن هناك خيار آخر.. لا يمكن أن يختبئ الإنسان وإلا يكون الإرهابيون قد حققوا أهدافهم. نقطة القوة أن الحياة استمرت، فلذلك لا أعتقد أنك مع الوقت تفكرين بهذا الشيء، يصبح شيئاً ربما في العقل الباطن ولكن لا يكون جزءاً من تفكيرك اليومي، يصبح شيئاً تعتادين عليه.
السؤال العاشر:
حياتكم اليوم كرئيس دولة يقود الحرب على الإرهاب، هل هذه هي الحياة التي حلمتم بها في وقت ما عندما كان لديكم نمط حياة آخر؟
الرئيس الأسد:
هذا الإرهاب يضربنا منذ الخمسينيات وليس مؤخراً، وكان مع كل مرحلة يأتي فيها يطور أساليبه. في الخمسينيات كان يخلق نوعاً من الفوضى، ولكنه لم يكن مسلحاً. في الستينيات بدأ يتجه باتجاه السلاح. في السبعينيات والثمانينات أصبح منظماً، والآن هذا الإرهاب نفسه أصبح لديه تكتيكات وأصبح لديه دعم سياسي ودول وبنوك كبرى تقف خلفه.
فإذاً قدرنا مع الإرهاب هو قدر من قبل ولادتي ومن قبل ولادة معظم السوريين الآن، فلا بد من أن يبقى في تفكيرنا، فحتى ولو انتصرنا على هذا الإرهاب يجب أن نفكر أنه يمكن أن يعود، لسبب بسيط، لأنه ليس أشخاصاً بمقدار ما هو فكر أولاً.. وطالما أن الغرب سيبقى يعود لتاريخه الاستعماري وسيبقى يفكر بالهيمنة فلا بد له من إعادة إحياء هذا الإرهاب بأشكال أخرى. يجب أن نفكر بشكل واقعي بأن هذا الشيء ولو تم القضاء عليه قد يظهر لاحقاً بأشكال أخرى، لذلك نحن بالنسبة لنا المعركة هي معركة الفكر الإرهابي قبل أن تكون مع الإرهابيين كأشخاص، لأن هذا الفكر عندما ينتهي لن يكون هناك أدوات للغرب ولأعداء سورية ليعيدوا إحياءه من جديد.
الصحفية:
هل تظنون ذلك؟
الرئيس الأسد:
أعتقد ذلك، لأن الغرب لن يتغير بالمدى المنظور، هذا من جانب.. من جانب آخر فإن الحرب الفكرية أصعب من الحرب العسكرية، وتستغرق وقتاً طويلاً لإعادة تأهيل أجيال جديدة بفكر صحيح، بفكر غير متطرف، بفكر غير متعصب، بفكر منفتح، لأن بناء هذا الفكر منذ الستينيات، استغرق خمسين عاماً لنصل إلى هذه المرحلة. هو ليس فكراً يظهر فجأة وينتشر في العالم، هناك أموال.. مئات المليارات صرفت من أجل تكريسه، والغرب كان يدعم هذا الكلام منذ أيام الحكم البريطاني قبل الوجود الأمريكي. هم كانوا يدعمون التطرف الديني في بداية القرن العشرين وتطورت الحالة، فلا بد من وقت لمواجهتها.
الصحفية:
نحن نأمل الأفضل بأننا بمساعدة الله وبفكر منفتح سننتصر معاً، شكراً جزيلاً سيادة الرئيس على لقاءكم معنا وعلى الوقت الذي خصصتموه للإجابة عن أسئلتنا، اسمحوا لنا أن نتمنى لكم ولعائلتكم بالدرجة الأولى الصحة والخير، والخير والسلام لسورية. شكراً.
الرئيس الأسد:
شكراً لك، وأنا أود أن أستغل هذه الفرصة لأوجه عبر هذا البرنامج، التحية لعائلات المقاتلين الروس في سورية. وكما قلت في البداية الشعب الروسي فخور بما قام به جيشه في سورية، لكن بكل تأكيد من حق هذه العائلات أن تكون أكثر فخراً من أي مواطن آخر بما حققه أبناؤهم من إنجازات كبيرة في سورية وحموا ليس فقط الشعب السوري وإنما حموا عائلاتهم ومواطنيهم الروس.
مرة أخرى أرحب بك في سورية وشكراً لك.
الصحفية: شكراً على الكلمات الطيبة، شكراً.