-
هل باتت الأزمة السورية مهيأة للحل السياسي فعلاً؟!.. بقلم: الدكتور خيام الزعبي
في الوقت الذي إزداد فيه الحديث عن مؤتمر الأستانة المزمع عقده يوم الإثنين القادم في العاصمة الكازاخستانية برعاية روسية تركية، لجمع أطراف من المعارضة المسلحة والحكومة السورية بهدف التوصل إلى رؤية مشتركة فيما بينها، عاد الحديث عن الحل السياسي والحوار بين السوريين لإنهاء الأزمة التي دخلت عامها السادس، هنا نتساءل، هل باتت الأزمة السورية مهيأة للحل السياسي فعلاً؟ سؤال يطرحه الكثير من السياسيين المهتمين بالشأن السوري على ضوء إعلان الحكومة السورية المشاركة في حوار تشاوري مع المعارضة في الأستانة.
اليوم تترقب الأوساط العالمية بإهتمام بالغ مؤتمر الأستانة لجهة ما قد يحمله من مفاجآت ومبادرات ستغير طبيعة التعامل مع الأزمة السورية، ويُعتبر هذا المؤتمر هو الأشمل والأكثر جدية منذ بداية الأزمة السورية عام 2011م، ويختلف عن مباحثات جنيف السابقة، كونه سينتج عنه آلية دولية للمتابعة، وجدول زمني للتنفيذ، والمتابع لتحركات وزراء خارجية روسية وتركيا في المنطقة، وسفرهم المتواصل إلى دول عربية وإقليمية وتصريحاتهم الأخيرة يدرك تماماً أن التنسيق قائم على قدم وساق بين موسكو وأنقرة لإنجاح هذا المؤتمر، لذلك أثبتت المعطيات صواببة الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية، والذى يتمحور حول ضرورة التوصل إلى حل سياسى لا يقصي أي طرف من الأطراف، ويحافظ في الوقت نفسه على وحدة الأراضي السورية ومؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش السوري ودعمه ليكون قادراً على طرد كل الجماعات الإرهابية.
وإنطلاقاً من ذلك يمكن القول أن اللعبة إنتهت بالنسبة لأعداء سورية في المنطقة بعد أن قررت روسيا بالتنسيق مع أنقرة قلب الطاولة على الجميع، ولم يعد بإستطاعة أحد تحدي المارد الروسي الذي جاء بكل ثقله للدفاع عن سورية، فجميع التحركات.والتصريحات تشير في جملتها إلى أن المنطقة، على أبواب مرحلة جديدة، وأن مرحلة الصراعات والفوضى التي عمت المنطقة، في السنوات الأخيرة، قد إستنفذت غاياتها، وأننا نتجه نحن مرحلة التسويات، ومؤتمر الاستانة هو أرضية تمهيدية لولادة واقع جديد، وحصر المنظمات الارهابية وداعميها بزاوية ضيقة، كما سيقوم ببلورة جميع الأفكار والأطروحات السياسية للخروج بصيغة توافقية لحل الازمة السورية، كما سيكون هناك صياغة جديدة بها شيء من المرونة لحل هذه الأزمة بشكل نهائي، كما سيتمخض عنه المؤتمر ويؤسس لمرحلة مهمة في العلاقة بين تركيا وسورية بعد مؤتمر الاستانة ، ويشكل انطلاقة مشتركة لمواجهة تنظيم النصرة وتنظيم داعش على الاراضي السورية، وهذا الاحساس المشترك لعدو مشترك يجعل نجاح مؤتمر الاستانة حقيقة ماثلة ،ويمثل محطة اخيرة للقضاء على الارهاب في المنطقة وتجفيف منابعه وأشكاله في المنطقة، وبالتالي فأن هذه المفاوضات إن دلت على شيء، فإنها تدل على أن موسكو لاعب مؤثر على مجريات الأوضاع في منطقة الشرق الاوسط رغم محاولات واشنطن عزلها عن المنطقة.
في سياق متصل تجد المصالحات في مختلف المناطق السورية صدى واسعاً لدى السوريين بالرغم من محاولة الجماعات المسلحة إفشالها، إذ أخذت هذه المصالحات أبعاد جديدة وتحديداً في المنطقة الجنوبية والقرى المحيطة من دمشق لتصل إلى مرحلة متقدمة، فمنطقة بردى على سبيل المثال ثبتت أركان المرحلة الأولى وتخطت معوقات كبيرة هددت إستمراريتها لتتكرس إرادة الأهالي بحماية المصالحة والإعتماد على الحل الداخلي كركيزة أساسية للإنخراط مع محيطهم أمنياً واجتماعياً، ومن هذا المنطلق علينا أن نوحد الصفوف وأن نتعاون لأننا جميعاً نهدف الى تحقيق المصلحة العامة والى رقي الوطن الكبير "سورية" وتقدمه، وهذا لن يأتي إلا من خلال الترابط والتعاون، وإشاعة روح التسامح ونشر القيم الإيجابية بين الناس كالتعايش والمشاركة والالفة.
وإنطلاقاً من ذلك أتوقع أن يساعد مؤتمر الأستانة المقرر حول سورية، في وضع نهاية لنحو ست سنوات من القتال في البلاد، بمعنى إنه من المرجح التوصل إلى حل شامل للأزمة السورية وذلك بسبب الإتفاق الكبير في وجهات النظر بين أطراف النزاع، في إطار ذلك أعتقد بالحل "السوري-السوري" وجلوس الأطراف المعنية بالتطورات السورية على طاولة الحوار للخروج من هذه الأزمة المعقدة، كما إن معظم الدول تيقّنت أخيراً بأنه لا يوجد حل للازمة السورية سوى السبل الدبلوماسية والسلمية.
مجملاً..... إن المبادرة الروسية التركية تأتي في خضم واقع جديد فرضته التطورات الميدانية المتعلق بتمدد تنظيم داعش في سورية والمنطقة، وهو الأمر الذي خلق توافقات بين العديد من القوى الإقليمية والدولية، ولعل عبارة حل سياسي في سورية صارت قاسماً مشتركاً في كل المحافل الدبلوماسية، برغم التناقض في الرؤية، وأختم بالقول إنه بالرغم من كل التحديات و الصعاب إلا أنني على يقين تام بأن الشعب السوري الجبار والصامد سيتمكن من تجاوز أزمته ومشاكله بالحكمة وستفوز أصوات العقل على أصوات الرصاص ودعاة الطائفية وستنتصر عليها بل وستؤسس لمستقبل سورية الحديثة الآمنة والمستقرة، وسيندحر دعاة الفتن الفتن والطائفية الذين يريدون تقسيم وتدمير وطننا الكبير سورية.