انت لا تعرف جاك .. عزرائيل يرتدي الزي الأبيض

مراجعة : عبد الكريم انيس

ضمن أفلام السيرة الذاتية يأتي فيلم قصة الطبيب جاك كيفوركيان Jack Kevorkian، وهو طبيب أميركي من أصل أرمني، ليتحدث عن قضية أخلاقية ودينية خلافية، هذه القضية هي المطالبة بتشريع الحق بإنهاء الحياة بطريقة قانونية. وما بين مؤيد ومعارض للموضوع تظهر مبررات كل طرف في هذه القضية الشائكة والأسباب والموجبات التي دفعته ليأخذ الرأي الذي ينحاز إليه ويدافع عنه.

وفي بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، معقل الليبرالية والحريات في العصر الحالي، ليس بإمكانك أن تأخذ الأمور بالبساطة الساذجة التي تجعلك تعتقد أن بإمكانك فعل ما تشاء وتبني ما تشاء من قضايا دون أن يكون لهذا الأمر عواقب وتوابع، سيما وأن هناك من يتابع ويبني رأياً عاماً ضد أفكارك، أو يجدها أصلاً متعارضة كل التعارض مع أساسية مسلّمة فيها وهي الحق بالحياة.

عزرائيل يرتدي الزي الأبيض:

القاعدة العامة تعتبر الأطباء صلة وصل بين الصحة والتعافي والجسد السليم من الأمراض، ويلجأ الناس للأطباء لقهر الأمراض ومحاربة الفيروسات والتشبث بالبقاء على قيد الحياة، في الفيلم يحاول الطبيب جاك أن يكون عكس الصفة السائدة عن الملاك الأبيض الذي يساعد الناس كي يبتعدوا عن الموت ما أمكنهم، إنه يقوم بمهمة المعاون لعزرائيل الملك الموكل بسحب أرواح البشر، إنه يحاول أن يقدم يد العون  لمرضى ميؤوس من شفائهم، كي يغادروا الحياة بطريقة تقلل من الأعباء والأوجاع التي تعبث بحياتهم الشخصية وحيوات الذين يعيشون معهم، ولا يستطيع الطب الحديث أن يفعل لهم شيئاً، ولذلك وبعد التأكد من أن المريض مسؤول عن أفعاله التي يقوم بها رسمياً، وبعد أن يتأكد أن المريض يريد فعل عملية الانتحار بشكل أكيد وبدون دوافع أخرى، كان يقوم بتسهيل عملية انتحاره، حيث كان يمده ويدربه بوسائل تساعده على تنفيذ عملية إنهاء حياته التي قررها بنفسه بطريقة فعالة.

خلال ثمان سنوات وصل عدد الذين قام كيفوركيان بمساعدتهم لإتمام عملية انتحارهم حوالي 130 شخصاً، بينهم أشخاص أعزاء عليه، وقامت ضده العديد من الفعاليات الدينية والأخلاقية التي وجدت في فعله ممارسة غير ذات صلة مع العمل المنوط به كطبيب وهو المحافظة على الحياة لا التخلص منها.

وأخذت القضية أبعاداً متسعة حتى وصلت نهاية لجهة سحب رخصة ممارسته لمهنة الطب الممنوحة إليه وتم إدخاله السجن لمخالفة قانون الولاية التي يعمل فيها، وحكم بالسجن لفترة من 10 لـ25 سنة بعد إدانته بجرم القتل من الدرجة الثانية ولكنه وبعد أن أمضى ما يزيد عن ثماني سنوات تم الإفراج عنه، وحاول كيفوركيان أن يصعّد من قضيته ليضعها تحت ميزان المحكمة العليا للولايات المتحدة الأمريكية ولكنها رفضت وصول الدعوى لها. (المصدر).

حق الموت

يعتقد جاك أن من حق البشر الحصول على حق الموت، أو ما يسمى "الموت الرحيم Euthanasia "، وهو عبارة عن ترجمة لعبارة يونانية بمعنى "الموت الجيد" واصطلاحاً يشير إلى ممارسة إنهاء الحياة على نحو يخفف الألم والمعاناة التي تلازم بعض المرضى الميؤوس من شفائهم.

ووفقاً للجنة الخاصة بآداب مهنة الطب في مجلس اللوردات البريطاني، فإن التعريف الدقيق للقتل الرحيم هو "إجراء تدخل متعمد مع الإعلان عن النية في إنهاء حياة، للتخفيف من معاناة مستعصية على الحل".

كان أول استخدام لكلمة "القتل الرحيم" في سياق طبي من قبل فرنسيس بيكون في القرن 17، للإشارة إلى وسيلة موت سهلة، سعيدة وغير مؤلمة، حيث تكون "مسؤولية الطبيب تخفيف المعاناة البدنية" من الجسم. وأشار بيكون إلى القتل الرحيم "الخارجي"، حتى يميزه عن المفهوم الروحي الذي يعني "التحضير للروح". (المصدر).

حصل جاك على مساندة من مجموعة أصدقاء ظلوا ثابتين معه حتى لحظات محددة، ولذلك كان يلجأ لتوثيق حالات الانتحار التي كان يساعد فيها كي يبرئ نفسه من تهمة القتل التي ستنتظره بشكل قانوني بعد إتمام عملية الانتحار، وفعل الكثير باحترافية كي يكون عمله دقيقاً وغير قابل للمساءلة بحدود ما يسمح به القانون، سانده في ذلك صديقه المحامي، الذي وقف معه هو وأخته في الظروف القاسية التي عصفت به جراء عمله وفكرته التي آمن بها.

محامي الشيطان

يمكن القول بان الفيلم الذي بين أيدينا، أراد صانعه أن يجعلنا نفكر بقضية خلافية من وجهة نظر شخص تبنى تأييد فكرة الموت الرحيم. وبالإمكان القول إنه كان يأخذ دور محامي الشيطان، وهو موقع يتعرض فيه الشخص للكثير من التشهير والضغوط والافتراءات، ولكنه اختار النظر للموضوع من جهة إنسانية بحتة، ففي ظل عدم قدرة الانسان والعلوم التي توصل إليها حتى الآن في كل المجالات على مساعدة مريض كي يستعيد صحته من جديد، أراد كيفوركيان، أن يعطي المريض فرصة كي تتوقف عذاباته التي يعتبر أنه لا طائل منها ولا جدوى.

كاتب المراجعة يعتمد المبدأ الديني الأخلاقي الذي لا يمنح الإنسان الرخصة بإنهاء حياته، سيما أن استمرار الحياة مع حالات من القهر والمرض شهدها شخصياً، هي امتداد لتقوية وتمتين العلاقات بين البشر، وهذا ما يمنحهم معان جديدة لم يكونوا ليعرفوها ويختبروها لولا ذلك. ولكن هذه العلاقات لا تخلُ من القسوة والأذى وليست بالغة النقاء بين الأطراف.

كما أن كثيراً من حالات المرض كانت توصف بأنها ميؤوس من شفائها وشُفيت، وكثير من الأمراض لم يكن يُعرف لها دواء ثم توصل الطب للدواء. "الموت الرحيم" لو شُرعن فإنه سيُفقد البشرية فرصة التوصل لعلاجات كثيرة قد تنقذ حياة أناس مازالوا يرغبون بالحياة رغم آلامهم.

أداء متميز

أدى الفنان القدير ألباتشينو Alfredo James Pacino  دور الطبيب كيفوركيان باحترافية، وتقمص دور الشخصية بطريقة ملفتة للانتباه، ولكون الشخصية مثيرةً للجدل فق كان لذلك أثر كبير برغبته في أداء الدور، فعادة تثير مثل هذه الشخصيات عواصف من الآراء بعضها مساند وبعضها مناهض للفكرة، وتشتعل الصحافة والمقابلات التلفزيونية بطريقة جنونية كي تصنع رأياً عاماً يقف مع أو يناهض الفكرة الأساس.

كتب قصة الفيلم Adam Mazer وقام بإخراجه Barry Levinson وتم إطلاقه للعموم على الشاشة الفضية في الثالث من أيلول لعام 2010 بفرنسا وقام بإنتاجه كل من الشركات التالية Bee Holder Productions،Cine Mosaic، HBO Films، Royal Oak Films

لمشاهدة المقطع الدعائي للفيلم (انقر هنا).

صورة الطبيب Jack Kevorkian الأصلية.