اندلعت الأعمال العدائية بين القوات الأرمينية والأذربيجانية مجددا جراء الخلاف على منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها في جنوب القوقاز.
وقد تجاوز القتال الذي اندلع بين الجانبين الأحد، في حجمه وسعة نطاقه، التصعيدات الدورية التي كانت تحدث في السنوات الأخيرة؛ إذ شمل استخدام المدفعية الثقيلة والدبابات والصواريخ والطائرات المسيرة.
وحتى الآن، تأكد مقتل أكثر من 100 شخص من المدنيين والمقاتلين الأرمينيين في القتال الدائر هناك. ولم تنشر أذربيجان أي بيانات عن خسائرها العسكرية، الأمر الذي يثير تكهنات بأنها قد تكون عالية.
ويبدو أن القتال قد اندلع إثر محاولة القوات الأذربيجانية استعادة السيطرة على مناطق سبق أن احتلتها القوات الأرمينية في حرب كاراباخ في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي. التي أسفرت عن نزوح مئات الآلاف من الأذريين عن ديارهم في هذه المناطق في الفترة بين 1992 و 1994.
وأعقب التصعيد الأخير عاما من التوتر - تميز بمواجهة دبلوماسية تمسك فيها كلا الطرفين بمواقفهما، وتبادلا استخدام لغة عدوانية في الأعمال الدعائية بينهما، فضلا عن اشتباكات في شهر يوليو/ تموز في منطقة إلى الشمال من الحدود الدولية بين أرمينيا وأذربيجان.
ماهي المخاطر الناجمة عن الصراع؟
كان يجري احتواء التصعيدات السابقة بين القوات الأرمينية والأذربيجانية خلال أيام، بيد أن شدة كثافة القتال الحالي تؤشر أن ذلك لن يكون ممكنا في هذا الوقت.
وقد ضُربت مناطق مأهولة بالسكان في منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها بالصواريخ وقصفت بالقنابل للمرة الأولى منذ التسعينيات. كما ضُربت أهداف مدنية أيضا في كل من أرمينيا وأذربيجان.
ويبدو أن كلا الجانبين يبني استحكامات لنزاع طويل الأمد. فقد رفضت أذربيجان المفاوضات المتجددة مع أرمينيا، وهي تعتمد على درجة كبيرة من الدعم التركي هذه المرة لم تكن متوفرة في التصعيدات السابقة.
ولكن ثمة خطر كامن في اندلاع نزاع مستمر لمدى طويل، يمكن أن يشهد تورطا لقوى خارجية فيه ما ينذر بوقوع حرب إقليمية أوسع.
ما هو الدور التركي؟
تقدم تركيا تقليديا دعما دبلوماسيا ومعنويا لدولة أذربيجان الشريك الجيوستراتيجي لها والمشابهة لها عرقيا في كون سكانها من العنصر التركي. وقد تكثفت اللقاءات بين مسؤولين عسكريين من البلدين في أعقاب اشتباكات يوليو/تموز، التي أعقبها إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين.
ومنذ اندلاع القتال الأحد الماضي، أعلنت تركيا دعمها غير المشروط لأذربيجان، ويبدو أنها تواصل تزويد أذربيجان بمختلف القدرات العسكرية. وثمة شكوك قليلة في أن تكنولوجيا طائرات عسكرية مسيرة تركية قد نشرت هناك.
واتهمت يريفان (عاصمة أرمينيا) أنقرة باسقاط طائرة أرمينية من طراز أس يو-25 في 29 سبتمبر/أيلول، الأمر الذي تنفيه أنقرة.
وعلى الرغم من أن مثل هذه المزاعم قد سُمعت من قبل وثبت أنها غير صحيحة، ثمة مزاعم غير مؤكدة -لكن انتشارها يتنامى- تشير إلى أن تركيا قد نقلت مرتزقة من سوريا للقتال في أذربيجان.
ما هو الدور الروسي؟
تلعب روسيا أدوار مختلفة، وربما متناقضة، في النزاع. فعبر علاقاتها الثنائية مع أرمينيا وعضويتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، تقدم موسكو لأرمينيا ضمانات أمنية، ولكنها لا تمتد إلى منطقة القتال في ناغورنو كاراباخ، التي تعد بالعرف الدولي جزءا من أذربيجان. وتقدم موسكو السلاح لكلا الجانبين، وهي أحد الرؤساء المشاركين في مجموعة مينسك التي تتوسط في النزاع بينهما.
وقد دعت روسيا إلى وقف إطلاق نار، ولكن على العكس من التصعيدات واسعة النطاق السابقة، عليها حتى الآن أن تقنع القادة السياسيين أو العسكريين الأرمينيين والأذربيجانيين بحضور اجتماع مشترك.
وترتبط موسكو بعلاقة صعبة مع الزعيم الأرميني الجديد الذي تولى منصبه في عام 2018، نيكول باشينيان، لذا من المرجح أن تفضل يريفان أن تتعامل مع هذا التصعيد بالاعتماد على نفسها لأكبر قدر ممكن.
فروسيا لم تكن قادرة في التسعينيات على نشر قوات حفظ السلام على الأرض في ناغورنو كاراباخ. ويشك الأرمينيون في أن مساعدة موسكو ستكون مشروطة بقيود ما يجعلهم حذرين في طلب الدعم الروسي.
وطالما ظل القتال مقتصرا على منطقة ناغورنو كاراباخ المتنازع عليها فإن أفاق أن تحافظ روسيا على حيادها في الصراع تجعل من المرجح أن لا يكون هناك تدخل روسي معلن فيه؛ بيد أن حدوث نزاع طويل الأمد مع تدخل تركي متزايد سيهدد الهيمنة الروسية في المنطقة تعتبرها جزءا من فضاء مصالحها الحيوية ويستدعي استجابة مباشرة منها.
كيف تفاعل المجتمع الدولي مع الصراع؟
باستثناء تركيا، دعت القوى الإقليمية والدولية الأخرى إلى كبح القتال الجاري، وعرضت إيران وجورجيا وقطر التوسط بين الطرفين. وأكد اجتماع لمجلس الأمن الدولي في 29 سبتمبر/أيلول على الدور الأولي لمجموعة مينسك التي ترأسها فرنسا وروسيا والولايات المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي في التوسط بين أرمينيا وأذربيجان.
بيد أن تركيز انتباه دولي كافٍ والالتزام بتجديد الجهود الدبلوماسة سيكون موضع تحدٍ، إذ تزامن القتال مع فترة ارتباك على الصعيد الدولي جراء تفشي فيروس كورونا عالميا والانتخابات الأمريكية ونموذج السلوك التقليدي الذي يتراجع فيه التركيز على الصراع بعد الاتفاق على وقف إطلاق النار مباشرة.
كيف يمكن أن تسير الأمور؟
إن أي نجاح عسكري سريع يتم الحفاظ عليه، سواء عبر استعادة أذربيجان السيطرة على مناطق مهمة أو صد القوات الأرمينية للعمليات العسكرية الأذربيجانية قد يفتح أفق اتفاق على وقف إطلاق النار، ولكنه سيحفز عدم استقرار على الصعيد المحلي سيدفع كلا الجانبين فيه ثمنا أسوأ محليا.
وكلما طال أمد القتال و/ أو بدا أن أحد الجانبين يخسر في صراع طويل، فمن المرجح أن تواجه روسيا وتركيا خيارات صعبة تتعلق في هل أنهما ستصبحان أكثر تدخلا في الصراع الدائر.
لورانس بروَرز
مدير برنامج القوقاز في منظمة موارد المصالحة وبناء السلام ومؤلف كتاب "أرمينيا وأذربيجان: تشريح التناحر (بينهما)
المصدر: بي بي سي