رسالة من صحفي سوري للرئيس الاميركي عمرها 66 عاما .. ماذا جاء فيها ؟

17.11.2019 | 17:27

خيبة امل سكان المنطقة من السياسات الاميركية ليس امر طارئ او جديد ، فمنذ بدايات تشكيل الدولة السورية بعد نهاية الحرب العالمية الاولى 1918 لم تنجح اميركا في لعب اي دور لمساعدة شعوب المنطقة على تقرير مصيرها ..

فيما برزت سياستها الداعمة لاسرائيل وغضها الطرف عن الجرائم التي ارتكبت بحق اهل فلسطين، في عهد الرئيس هاري ترومان ( 1945 – 1953) ، الذي ترتبط فيه عدة حوادث كارثية منها اعطاء الامر باستخدام القنبلة الذرية في هيروشيما وناغازاكي ، والاعتراف بدولة اسرائيل ( 1948) ..

في هذا العدد من المضحك المبكي  الصادر يوم  السبت 24 كانون الثاني 1953، يوجه محرر "صغير" رسالة الى الرئيس الاميركي دوايت ايزنهاور ( 1953 – 1961 ) الذي خلف الرئيس ترومان، يتظلم فيها من السياسات التي اتبعها الاخير (ترومان) تجاه "العرب" ويطلب من اميركا تصحيح المسار . .

نص الرسالة

حضرة الرئيس المحترم

لست ادري اذا كان مكتب المعلومات يترجم لك هذا الكتاب ام لا، كما انني لا ادري اذا ترجمه وارسله اليك اذا كان يجد عندك متسعا من الوقت لتقرأه مع كثرة اشغالك، ووفرة اعمالك، وكثرة استقبالاتك، وعلى كل حال فسواء ترجمه مكتب المعلومات ام لم يترجمه، وسواء اطلعت عليه ام لم تطلع، فأنا ككل عربي من الاربعين مليون عربي المنتشرين في انحاء المعمورة، اشعر بالواجب، وانت تدخل البيت الابيض يدعوني الى ان ابعث اليك بهذه الكلمة، وان اصارحك بأمانة واخلاص قد لا يصارحك بها احد من اعوانك والمقربين منك...

لقد كانت اميركا ياحضرة الرئيس عنوانا للعدالة والانسانية، وموطنا للسياسة المثالية، وكانت الشعوب الضعيفة المغلوبة على امرها تلجأ اليها، وتستنجد بها فتجد فيها المدافع الامين والملجأ المكين، وجاء ترومان وحمل معوله وراح يهدم بتلك الاسس المثالية حتى اضاع معالمها، وحتى صار الناس اذا ذكرت اميركا ذكروا معها الظلم والاستخفاف بالحق والعبث في حقوق الانسان. فكان في سياسته هذه كانه قد طعن بلاده في الصميم، لانه انزلها من تلك المكانة السامية التي كانت تتمتع بها بين الامم والشعوب، الى حضيض المادة وظلمة البطل.

واذا كان كل شعب من الشعوب يشكو ما اصابه، ويعرب عن امله واتعابه، فاننا نحن العرب لقينا من تلك السياسة ما لم تلقه امة من الامم في التاريخ السياسي، لا في العهود القديمة، ولا المتوسطة، ولا الحديثة، ان يحملوا على التخلي عن جزء كبير من بلادهم، وان يقذف بهم تحت كل نجم من المعمور متشردين مطرودين يقاسون آلام البرد والجوع والفقر، فكانت مأساة مفضوحة، مثلها ترومان بسياسته الخرقاء وقتل بها شعبا آمنا مطمئنا هادئا...

هذا مع العلم ان هؤلاء العرب الذين تمثل بهم هذه المظالم هم اصدقاء الشعوب الديموقراطية، وحلفائهم الطبيعيون يقضي عليهم دينهم وتقليدهم واخلاقهم الا ينضموا الى الشيوعية او يعتنقوا مبادئها، ومع ذلك فقد لاقوا من اصدقائهم هؤلاء كما لاقى سنمار من الملك النعمان بن امرؤ القيس الذي بنى قصره المعروف بالخورنق في ظاهر الكوفة، فلما فرغ منه القاه الملك من اعلاه لئلا يبني مثله لغيره فسقط ميتا، او كما لاقى ذلك الاعرابي من ام عامر التي قدمت اليه يوما في خيمته وهي مذعورة فأجارها واطعمها حتى شبعت واستأمنت فلما حانت فرصة منها افترسته، فراح يضرب المثل بهذين الحادثين، فقالوا، جزاء سنمار، وهذا جزاء مجير ام عامر...

وهكذا العرب، فقد كانت جميع مواقفهم حتى الآن الى جانب هذه الدول الديمقراطية فاشتركوا معهم في جميع حروبهم وغزواتهم، وساعدوهم في ايام بؤسهم، واطعموهم من ارزاقهم يوم محنتهم، فلما شبعوا واستأمنوا قاموا لهم وافترسوهم، واقتطعوا اعز قطعة من بلادهم وشردوا اهاليها وعملوا منهم ما لم يعمله النعمان بن امرؤ القيس بسنمار...

فيا حضرة الرئيس المحترم

ان باستطاعتك اليوم ان توصل ما انقطع مع العرب، وباستطاعتك ان ترتق ما خرقه سلفك، وباستطاعتك ان تبني ما هدمه ترومان فتعيد الى بلادك تلك المكانة التي كانت تتمتع بها في الماضي، وهكذا لا يكلفك الا ان تحكم ضميرك في سياسة الشعوب، وتعمل بوحي التوراة الذي وضعت يدك عليه عندما باشرت العمل، فالذي يقسم على التوراة لا يقسم على تحقيق الظلم، وانما يقسم على تحقيق العدالة، اذ انه حاشا ان يضع الانسان يده على كتاب مقدس ليستعين بها على الظلم، وهضم الحق، والقضاء على الضعيف...

ان العرب ياحضرة الرئيس لا يتطلبون منك غير المستطاع، انهم لا يتطلبون منك ان تساعدهم على احتلال بلاد، او استعمار شعوب او التوسع على حساب الغير وانما يتطلبون منك ان تنصفهم على الاقل، وان تبقي جلودهم عليهم، وتحفظهم في بيوتهم ومنازلهم، فلا تشردهم ولا تقذف بهم في البراري والقفار، والامر اليوم بين يديك، فاختر لنفسك ما يحلو...

هذا ما لزم عرفتك، فإذا وصلت اليك هذه الكلمة، اكون قد قمت بالواجب نحو بلادي، واذا وصلها اليك مكتب المعلومات الاميركي عندنا يكون قد قام بالواجب نحوك ونحو بلاده، وعلى كل حال فالامر لله اولا وآخرا...

اعداد : سيريانيوز


صدرت مجلة المضحك المبكي في دمشق عام 1929، وهي مجلة سياسية كاريكاتورية اسبوعية من اشهر المطبوعات السياسية الساخرة في الوطن العربي ، ويمكن اعتبارها هي من اسس الكوميديا السياسيّة على الساحة السورية ( وربما العربية).

اصدرها الصحفي حبيب كحالة ( 1898 – 1965 ) وهو درس التجارة والاقتصاد في الجامعة الاميركية في بيروت.

أنشئ كحالة في بداية الثلاثينات من القرن الماضي مطبعة حديثة بدمشق لطباعة المجلة، وكانت تقع في شارع الملك فؤاد الأول، استمرت هذه المجلة في الصدور إلى عام 1965 ، وقامت "الجهات المعنية" بإغلاق المجلة وإلغاء ترخيصها وذلك عام 1966.

 


TAG: