والقضية بدأت قبل نحو اسبوعين تحديدا في 12 نيسان عندما نشرت وسائل الاعلام في مصر ان السلطات هناك ضبطت كمية كبيرة من المخدرات قادمة من سوريا باتجاه ليبيا مخبأة في علب حليب من ماركة "ميلك مان" ..
القضية تبدو روتينية فعلى الدوام هناك محاولات لتهريب المخدرات من بلد الى بلد ويتم ضبط الحمولات في بعض الاحيان ، الا ان "ماركة" علب الحليب التي استخدمت في تغليف الشحنة كان لها دلالات هامة ..
فمعمل "ميلك مان" مملوك لرجل الاعمال المعروف رامي مخلوف ابن خالة الرئيس السوري بشار الاسد الذي يسيطر على معظم الاعمال في سوريا.
وفضح العملية في الصحافة المصرية ونشر الصور لعبوات الحليب المستخدمة في عملية التهريب القادمة مباشرة من سوريا وضعت مخلوف والنظام السوري في وضع حرج لا يمكن معه ان يتجاهل الحادثة.
استغرق الموضوع 10 ايام حتى صاغ رامي مخلوف الرد ونشره في الصحف ، والمفيد في البيان الذي دفع من خلاله رامي مخلوف التهمة عن نفسه ... حقيقة ان هناك من قام بتفريغ عبوات مصنع الحليب "ميلك مان" من محتواها واستبدلها بالمخدرات .. هذا المفيد والباقي كلام انشائي لا يقدم اي مبررات او تفاصيل عن الكيفية التي تم بها هذا العمل ..
"تقفيل المصنع" ..
سيواجه رامي مخلوف مشكلة حقيقية في التقرير الذي ورد في الكشف على البضائع في مصر وتناولته وسائل الاعلام والذي قال بان علب الحليب الموجودة في الحاوية المبردة ( 40 قدم ) كانت "بتقفيل المصنع" ؟
ماذا يعني تقفيل المصنع ؟ يعني بان هذه العلب غير مفرغة ومعاد تعبئتها وانها معبئة في مصنع للحليب بالات التعبئةالخاصة به .. وهذا منطقي .. فلا اعتقد بان هناك من يمتلك القدرة في مناطق النظام بان يفرغ 19000 علبة حليب ( العدد المضبوط ) ويعيد تعبئتها بـ 4 طن من "باكيتات" المخدرات بالشكل الذي يظهر بالصور .. فهذه العملية تمت في معمل مخصص بالتعبئة .. انها "تقفيل المصنع" ..
وبسؤالنا لصناعي مختص في المجال ذاته ( رفض ذكر اسمه لكي لا يتعرض للمضايقة ) قال بان في مثل هذه الحالات لا يمكن ان تستخدم الات من خارج المعمل لتقوم بعملية التعبئة ، لان الالات مصممة على قياس محدد خاص بالمنتج ..
والاهم انه لكي تتم هذه العملية خارج المعمل يلزم من قام بعملية التعبئة ان يحصل على كرتون مطبوع لتغليف 19000 عبوة .. الكرتون الذي لم يذكر بيان مخلوف بانه مزور او مماثل لمنتجه بل قال ان العلب تم تفريغها واستبدالها ..
فاذاً علب الحليب مقفلة بالمصنع وهذا المصنع غلف البضاعة بكرتون اصلي غير مزور وفق بيان مخلوف ، وهنا لا يبقى الا احتمال واحد اذا اراد مخلوف ان ينفي التهمة عنه .. بان التعبئة تمت في معمله ولكنه لا يعلم بذلك .. !!
النقل والتخزين والتصدير ..
طبعا البيان طالب بملاحقة الفاعلين والقبض عليهم لتشويه اسم الشركة ومن يقف وراءها .. وكما هو ثابت مما عرضنا انفا فان الشركة التي قامت بهذا الفعل هي الشركة الاصلية التي يملكها رامي واذا تجاوزنا هذا الموضوع يبقى هناك حقائق تتعلق بتنفيذ العملية لوجستيا، وفي سوريا من المستحيل ان تتم مثل هذه العملية بدون علم شركة رامي مخلوف نفسه والسلطات السورية التي يمكن ان نقول بانها جميعها مرتبطة به وكثير من الاحيان تعمل لحسابه ..
يقول مخلوف ذاته في البيان الذي رد فيه على الاتهامات حرفيا " المجموعة المسؤولة عن هذه الأعمال الدنيئة تعمل على إنتاج هذه المواد وبهذه الكميات، من خلال نفوذ وقدرات كبيرة. لأنّه لا يمكن إنتاج هذه الكمّيات ﻓﻲ دكاكين صغيرة بل تحتاج إﻟﻰ أماكن كبيرة وتمويلات ضخمة وقدرات عالية من عمّال وآﻻت وأسطول نقل"
وهنا للعالمين في الوضع السوري من هذا الذي يمتلك مثل هذه الامكانيات في سوريا دون ان تعلم بوجوده السلطات .. ؟
من هذا الذي يمكن ان يحصل على كرتون منتجات مخلوف والات تعبئته ويشحن 19000 عبوة في حاوية مبردة لا تحتمل التأخير ويقوم باجراءات التصدير لماركة مسجلة باسم مخلوف وتنقل البضائع الى السفينة وتبحر دون ان تعلم السلطات ( ومخلوف) بذلك .. لا بل وبعد 10 ايام لم تقبض السلطات على الفاعل او حتى تشير اليه ..
هل هي المرة الاولى ..؟
نعم هي المرة الاولى التي يضبط فيها بضاعة لها علاقة مباشرة ومثبتة باعمال رامي مخلوف ، ولكن الحقيقة على طول فترة الازمة في سوريا ومع نقص واردات النظام السوري فان كثير من التقارير والدراسات تشير الى ان كيانات مرتبطة به وبحزب الله اللبناني تحتكر عملية تصدير المخدرات من سوريا الى دول الخليج والى شمال افريقيا ، وتحول سوريا من بلد "ممر" قبل الازمة بحسب التقارير الدولية المختصة الى بلد مصدر في الوقت الراهن.
واذا كان اثبات العلاقة المباشرة بين النظام وبين هذه العمليات غير ممكن ، فان طبيعة المناطق التي يسيطر عليها النظام اليوم وعدد المرافئ المحدود والسيطرة التامة للنظام او المليشيات والتشكيلات المرتبطة فيه على هذه المرافئ التي هي المصدر الاساسي لعمليات التصدير تشير بما لا يدع مجال للشك بان رجال نافذين في النظام السوري هم من يتحكمون ويديرون هذه التجارة ..
فاعمال اقل قيمة بكثير ولا تدر مثل ارباح تجارة المخدرات الكبيرة لم تسلم من تسلط رجال النظام عليها واحتكارها ، فلماذا يترك النظام اذاً القطاع الذي يدر سنويا مئات ملايين الدولارات .. لغيره من التجار .. ؟
سيريانيوز