هناك حقائق يجب ان يطلع عليها القارئ العربي عن بدايات تأسيس فكر "القومية العربية" التي ساهمت في تفتيت الدولة العثمانية وذلك بمساعدة اعداء الدولة في ذاك الوقت ( الحرب العالمية الاولى ) بريطانيا وفرنسا.
احد الحقائق التي سنكشف عنها هنا هي ان الشريف حسين لم يقوم "بثورته" لاسباب خالصة تتعلق بنصرة "العرب" ورد فعل على اعدام من عرفو بـ "شهداء" 16 ايار ، بل اساس تمرده على الدولة العثمانية هو محاولته للحفاظ على عرش الحجاز وامارة مكة.
تكشف الوثيقة التالية من الوثائق البريطانية عن الحرب العالمية الاولى ، ترجمها وعرضها المؤرخ نجدة فتحي صفوة ، في كتابه " الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية " ، عن محاولات الشريف الاتصال بالانكليز قبل قيام الحرب العالمية الاولى وقبل اعدام رجالات العرب باكثر من سنتين ، وسبب الاتصال واضح في الوثيقة ويتعلق في موضوع عزله عن الامارة.
الوثيقة هي رسالة من اللورد هربرت كتشنر سكرتير شؤون الحرب في مصر الى وزير الخارجية البريطاني يبين فيها تفاصيل زيارة قام بها الامير عبدالله ابن الحسين لكتشنر وطلب منه مساعدة الانكليز .. ؟
نص الوثيقة :
من اللورد كتشنر الى السر ادوارد غراي
الرقم 22 – سري
القاهرة 6 شباط / 1914
سيدي
يقيم الان في القاهرة في زيارة قصيرة الشريف عبد الله بن شريف مكة ، وقد جاء لزيارتي يوم امس.
لقد طلب مني أن ابعث اليكم بتحيات والده. وقال إن الاحوال في الحجاز لا تسير كما يجب بسبب ما حدث مؤخرا من تعيين وال تركي جديد يجمع في يده بين الصلاحيات المدنية والعسكرية ، إضافة الى انه لا يتعاطف مع الشعب ولايقوم بتصريف اعماله بالتعاون الوثيق مع ابيه ، سواء في تصريف الشؤون الداخلية للاراضي المقدسة او فيما يتعلق برفاهية الحجاج المسلمين القادمين من جميع ارجاء العالم وامنهم.
وهو ما كان من صميم مسؤوليات ابيه امير مكة منذ امد طويل.
وقد رغب الي أن اسألكم ، عما إذا كنتم – في حالة بلوغ هذا الخلاف مرحلة الحرج وفيما اذا حاولت الحكومة التركية أن تعزل اباه من منصب امارة الاماكن المقدسة الوراثي – سوف تبذلون مساعيكم الحميدة مع الباب العالي لمنع تنفيذ تلك المحاولة.
وقد اوضح الشريف عبد الله ان اباه كان دائما يفعل كل ما في وسعه لمساعدة الحجاج الهنود المسلمين الذين توثقت اواصر الصداقة بينه وبين كثيرين منهم.
ثم صرح بعزم ثابت انه في حالة اقدام الحكومة التركية بالفعل على عزل والده ، فان قبائل الحجاز سوف تقاتل دون الشريف وسوف يترتب على ذلك قيام حالة حرب ضد القوات العسكرية التركية.
وقد عبر عن امله أنه اذا ما نشات ظروف كهذه ، فان الحكومة البريطانية لن تسمح للتعزيزات بالمرور بحرا بقصد منع العرب من ممارسة الحقوق التي تمتعوا بها منذ اقدم الازمان في بلادهم واراضيهم حول الاماكن المقدسة.
وابدى الامير ايضا ان تبقى ملاحظته سرية للغاية ، وان لا يعرف عنها اي شيء بحال من الاحوال في استنبول. وسألني كذلك عما اذا كنتم ستبعثون الى ابيه برسالة ما. وكان جوابي انني اعتقد ان من غير المحتمل ان تبعثوا باي رسالة.
انتهى
ونرى في رسالة اخرى من ذات المصدر بان الانكليز لم يعيروا اي اهتما وقتها لطلب الشريف حسين حيث ان الحرب لم تبدأ بعد ولم تعلن الدولة العثمانية انحيازها للالمان ، الامر الذي تغير بعد اشهر قليلة وقبلت بريطانيا بتقديم الدعم للشريف ليقوم بثورته لاضعاف تركيا التي اصبحت خصما لها في الحرب العالمية الاولى
الرسالة من سكرتير شؤن الحرب كتشنر الى ضابط بريطاني اخر ، يكشف بان من قابل الامير عبد الله هو "ستورز " وكان يشغل منصب سكرتير الوكالة البريطانية في القاهرة ، وانا كتشنر قد اطلع "ماليت" سفير بريطانيا في تركيا علىالموضوع.
من اللورد كتشنر الى السر وليم تيريل
القاهرة 26 نيسان 1914
عزيزي تيريل
لا اعتقد بان هناك ضرورة لكتابة تقرير رسمي عن مرور الشريف عبد الله بالقاهرة في طريق عودته من استننبول للحجاز ، لانني لم اجتمع به . لقد دعا ستورز ، الذي اخبره – بناءا على تعليماتي – ان عرب الحجاز يجب ان لا يتوقعوا منا اي تشجيع ، وان موضوع اهتمامنا الوحيد في الجزيرة العربية هو سلامة الحجاج الهنود وراحتهم.
لقد كتبت رسالة خاصة الى ماليت حول ما دار في ذلك الاجتماع. ويبدو ان الشريف غير راض عن نتيجة زيارته لاستنبول وعن تصميم الحكومة التركية على مد خط السكة الى مكة ، لاعتقاده ان ذلك يعني قتلا اقتصاديا لسكان الجزيرة العربية الذين يملكون الجمال.
سيكون من المفيد مراقبة التطورات، اذا يبدو ان العرب متحمسون كثيرا.