الاجابة على هذا السؤال ليست معقدة ، ما علينا سوى ان ندرس بعض النماذج القريبة لنحدد ما ستكون عليه اثار العقوبات المفروضة على سوريا.
ان كان بلدان مثل العراق ، ايران ، او كيانات مثل حزب الله فانه عادة من يدفع ثمن العقوبات المفروضة هو الانسان الفرد في هذه المنطقة.
اذا اردنا الا نقع في الحفرة اكثر من مرة يجب علينا ان ننظر بعمق ونمحص في سياق الاحداث في منطقتنا ، وان فعلنا ذلك سنجد بانه دائما السياسات المعلنة ( الكلام والتصريحات ) تمضي في اتجاه والنتائج ( الافعال ) تمضي في اتجاه مختلف تماما.
على سبيل المثال الولايات المتحدة واسرائيل تنادي منذ عقود بانها ستحد من نفوذ ايران وستحاصرها وتجبرها .. الخ ، هذا هو المعلن ولكن من حيث النتيجة ، فان "النظام الايراني" اليوم اكثر تمددا وتدخلا في شؤون المنطقة وحجم دور ايران في الاحداث القائمة اكبر بكثير مما كان عليه مثلا في الثمانينيات ..
واذا اردنا ان نعود لموضوع العقوبات ، هل النظام الايراني ( كافراد ) متأثر في العقوبات ، هل المليشيات والجماعات والعصابات التي تشكلها ايران على سبيل المثال وتشكل قطبا اساسيا لتيار المصالح الغربية في المنطقة سيتأثر او يتراجع ؟
هل تأثر صدام حسين قبلا بمثل هذه العقوبات ؟ هل تأثر القذافي ؟
مع الاسف فان الانظمة في هذه المنطقة في ظل ضمور تواجد "الدولة" المبنية على المؤسسات والتي تمثل مصالح الشعب على حساب تضخم دور النظام الحاكم والزعيم الاوحد ، يجعل هذه الانظمة مثل التاجر .. لا يمكن ان تتأثر مع غلاء المواد الاولية لأنها ببساطة سترفع سعر المبيع للمستهلك النهائي .. "المواطن".
لا تبنى السياسات في الدول غير الديمقراطية بناءا على "الرضى الشعبي" وقياس "الرأي العام" لانه ببساطة هذه العوامل غير مؤثرة ،لا تقدم ولا تؤخر في استلام مقاليد السلطة او انتقال هذه السلطة من حزب الى اخر من تيار الى تيار ، لانها قائمة على الاحتكار ، وعدم توفر البديل.
وعليه فان العقوبات بالطبع ستزيد التكلفة في انتاج كل شيء في البلاد التي تطبق عليها ، وان كانت موجهة ضد اسماء محددة ، فان اشخاص مثل مخلوف وفوز والقطان وحمشو .. الذين يحتكرون معظم كتلة الاقتصاد في سوريا ، عندما تضيق عليهم العقوبات الوسائل والسبل لادارة اعمالهم .. فانهم بالطبع لن يتنحوا ولن يتخلوا عن مصالحهم واعمالهم التي تؤمن "المال السياسي" للحاكم ..
كل مافي الامر بانهم سيلجؤون الى طرق اطول والى اشخاص بدلاء وجهات وسيطة ، تزيد التكلفة على اعمالهم التي بالضرورة سيعكسونها ( زيادة التكلفة) على الشعب الذين يتعاملون معه بمنطق "الزبون" وليس المواطن.
اكثر من ذلك وعلى المنظور السياسي ، عادة وقبل فرض هذه العقوبات التي نظريا "تسد الابواب" على رجال النظام، يتم الترتيب من قبل الدول صاحبة العقوبات نفسها بفتح ابواب خلفية مسبقا لكسر الحصار من خلال جماعات المصالح المرتبطة بسياسات هذه الدول التي فرضت العقوبات ، فهي تغلق الباب الرئيسي المشروع من جهة ، وتفتح عشرات الابواب الخلفية غير المشروعة من جهة اخرى و التي تصب في جيوب حلفائها المعلنين وغير المعلنين لتقويتهم ولسرقة اخر مافي جيوب البلدان المنكوبة مثل بلدنا سوريا ..
من السذاجة ان نعتقد بان اعادة العلاقات التجارية او الاقتصادية من قبل اطراف بعينها مع النظام السوري كان مصادفة قبل فرض العقوبات ، وستجدون بان هذه الاطراف ، وهذه الاطراف وفقط ، هي من سيتولى "شراكة" المستقبل الاقتصادية مع "النظام المعاقب" وستشكل هذه الشراكة شريان هذا الاقتصاد التي تتدفق اليه الاستثمارات وتعود الاموال محملة بالارباح عبر الاوردة السوداء .. في دارة لا تغذي الا النظام ذاته وشركائه من "المافيات" التي وقع عليها الاختيار لاتمام هذه الحلقة.
ولكي نتأكد من هذا الكلام ، لقد لعب بعض السوريين انفسهم التي تناولتهم العقوبات اليوم ، دورا في فتح الابواب الخلفية لنظام صدام حسين في الماضي ، واثرت هذه الاسماء من خلال لعب هذا الدور الذي تلخص في "سرقة ثروات" العراق بالشراكة مع النظام الحاكم هناك وقتها ..
والاكثر من ذلك يجب ان نسأل انفسنا هذا السؤال ، هل تراجعت اي من ثروات اساطين المال المرتبطة بالنظام خلال السنوات الثمانية الماضية ؟
من يعلم عن اعمال هؤلاء وحتى تفاصيل حياتهم الخاصة يمكن ان يخبرنا بانهم لم يتأثروا على الاطلاق لا في نمط حياتهم المترف ولا في حجم اعمالهم الذي نما اضعافا مضاعفة عما كان عليه قبل بداية الازمة.
ففي الحرب كل شيء مباح ، وفي الحصار ، يحل "اللاشرعي" مكان "الشرعي" و"التهريب" مكان "النظامي" ويسود مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة" ,, وما اقذر "الوسائل" التي يتم استخدامها من كل الاطراف "لغاية" سرقة وتدمير الشعب السوري.
نضال معلوف