مراجعة في كتاب
طاهر الجزائري .. مهاتما غاندي سوريا .. وصاحب اول جماعة "عصف فكري" فيها ..
ماذا لو قلت لكم بان عبد الرحمن الشهبندر وفارس الخوري وشكري القوتلي وعبد الحميد الزهراوي ، ومحمد كرد علي كانوا بعضا من تلاميذه .. خلال ما يعرف باسم بحلقة دمشق الكبرى .. ، اول مجموعة لما يعرف اليوم "بالعصف الفكري" ..
كتاب الشيخ طاهر الجزائري "رائد التجديد الديني في بلاد الشام في العصر الحديث" للكاتب حازم زكريا محيي الدين صادر عن دار القلم في دمشق، من الكتب الجديرة بالقراءة للتعرف على هذه الشخصية الهامة في تاريخ سوريا المعاصر ..
ولد الشيخ الجزائري في العام 1852 في دمشق ، وسيكون مذهلا للقارئ التعرف على انجازات هذه الشخصية التي اعتقد بانه لم يتم ايفائها حقها من الدراسة والتقديم والتعريف بها للاجيال في سوريا..
والشيخ الجزائري ، بحسب الكتاب ، هو مؤسس المكتبة الظاهرية اول مكتبة عامة في دمشق في تاريخها الحديث ، وهو اول من نجح في تأسيس المدارس الاهلية في دمشق في مواجهة المدارس "التبشيرية " ، التي كان يجد فيها خطرا على هوية "الامة" .. وجهوده هي التي وصلت الى تأسيس "ديوان المعارف" الذي هو بمثابة "مديرية التربية" للمدينة يتولى الرقابة على التعليم والمناهج.
وربما اهم اثر تركه الشيخ طاهر الجزائري هو ما يعرف "حلقة الشيخ طاهرالجزائري " او ما عرف في مصادر كثيرة باسم حلقة دمشق الكبرى والصغرى ويمكن اعتبارها مجتمع سري يضم اهل الفكر والعلم والشباب الطامح "الى الاصلاح" والمتطلع "للعلم والمعرفة " .. يجتمعون على شكل ندوة فكرية يتم فيها تبادل الافكار والنقاش حول المواضيع المطروحة.
نكاد لا نجد اسم من رجالات ما عرف بعصر "النهضة" العربية الا وارتبط بشكل او باخر بهذه الحلقة ومنهم رفيق العظم ، ومحمد كرد علي ، وعبد الحميد الزهراوي ، ومحب الدين الخطيب ، وعبد الرحمن الشهبندر ، وشكري القوتلي وفارس الخوري وغيرهم الكثيرون..
كان شغفه بالعلم وايمانه به كبير وكان يقول لاصحابه " تعلموا كل ما يتيسر لكم تعلمه ، ولو لغة مالطة ، فقد يجيء زمان تحتاجون اليها ، واياكم ان تقولوا : انها لا تدخل في اختصاصنا ، فالعلم كله نافع ، والمرء يتعلم ما حَسُنت به الحياة".
وكان يؤمن بالاصلاح بالتدرج وينبذ العنف والاكراه وكان يقول " ان افضل الطرق في انهاض شعب تثقيفه بثقافة العصر ، وثقافة الدين ، وهذه طريقة طويلة، ولكنها امينة الغائلة.." وشبهه العلامة محمد كرد علي بناءا على سلوكه هذا بـ "الفيلسوف الهندي المهاتما غاندي" الذي عاصره كرد علي.
سياسيا كان موقف الشيخ الجزائري واضحا " بالتمسك بالشخصية العربية الاسلامية ، وبالوقت نفسه الانفتاح على الغرب ، والانتفاع بثمرات علومه الحديثة .. والدعوة على المحافظة على الخلافة العثمانية ، ولكن في الوقت نفسه الدعوة الى اجراء اصلاحات دستورية وادارية وفكرية جذرية فيها".
الكتيب الذي جمع فيه المؤلف لمحات حياة الشيخ طاهرالجزائري هو جهد مشكور ينقل عن مراجع لم تعد متوفرة في يومنا هذا عن هذه الشخصية الهامة ، وحتى ان الكتاب ذاته الذي صدر في العام 1995 من الصعب ان نجد نسخة مطبوعة منه ..
لكل من يستطيع الحصول على نسخة من الكتاب للتعرف على هذه الشخصية الهامة في تاريخنا ، ارجو ان يجد في قراءته كل الفائدة والمتعة.
نضال معلوف