نبش القبور - الجزء الثاني - في مرسين

13.12.2015 | 00:51

ملخص الجزء الاول

تمكن الصحفي مراد غريب ان يجري لقاءا صعبا مع جمال باشا السفاح ، والذي كان ملخصه بان جمال باشا يعتبر شهداء العرب وما عرف بالثوار وعلى رأسهم الشريف حسين قائد الثورة العربية هم خونة قاموا بالتآمر على الدولة العثمانية التي كانوا هم انفسهم واجدادهم مواطنين فيها، وعملوا على اقامة جمعيات سرية والتواصل مع دول اجنبية كانت في ذلك الوقت عدوا للدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الاولى.

ومن وجهة نظر "السفاح" فان هؤلاء كانو يسعون للانفصال واقتطاع اجزاء من الدولة بالتعاون مع اعداءها ، وبالتالي توجب عليه محاكمتهم وتنفيذ الاحكام فيهم.

ويؤكد جمال باشا خلال اللقاء بان لولا خيانة هؤلاء "العرب" لما تمكنت الدول الغربية من هزيمة الدولة العثمانية وفقدانها لارض واسعة من ارضها.

لقراءة الجزء الاول بالتفصيل ..

اما كيف تمكن مراد غريب من ان يلتقي جمال باشا ، هذا ما سنعرفه من خلال الجزء الثاني .. تابعوا معنا

 

في مرسين ..

انتقلت إدارة صحيفتنا من سوريا  إلى مدينة مرسين التركية منذ بداية الأزمة في العام 2011.

مرسين المدينة التي طالب بها الشريف حسين في العام 1915، في مراسلته الشهيرة  مع المندوب السامي البريطاني في مصر ( مراسلات حسين مكماهون)، لتكون من الأراضي الداخلة ضمن المملكة العربية المزمع تأسيسها وانفصالها عن الدولة العثمانية.

ورفض الانكليز حينها بشكل قاطع أن تكون مرسين، وكذلك أضنة، ضمن الاتفاق وتم استثناؤها من المفاوضات في الرسالة الثانية من المراسلات المتبادلة.

 لم تكن زيارتي لسوريا ممكنة في السنوات الأربعة الماضية التي قضيتها هنا، موقع صحيفتنا على الانترنت محجوب وهو مصنّف عند النظام من مواقع "المعارضة" ( ويراه المعارضون موقعاً موالياً للنظام بطبيعة الحال!!؟) ، وهذا يعرضني على الأغلب إلى خطر الاعتقال!

في المقابل لم أكن قد زرت تركيا في حياتي قبلاً، ولم يكن لدي أي اهتمام بهذا البلد، كان شأني شأن الكثير من السوريين أؤمن بأن دمشق هي مركز العالم وكل العالم مرتبط بدمشق، وما حاجة شخص يعيش في دمشق بزيارة بلد آخر سواها؟.

ارتبط اسم تركيا في ذهني وأنا صغير بالليرة التركية منخفضة القيمة قبل أن تضم حكومتها "ستة أصفار" إلى قيمة الليرة الواحدة قبل أكثر من عقد مضى، وكان هناك طرفة رائجة بين أهل سوريا حينها بأن نقول "مليونير" ونصمت لبرهة... ثم نتبعها "بالتركي" من باب التندر والطرفة،  أو نقول "ثمنها" مليون ليرة... صمت ..  "تركي" :)

مع الأسف، باتت اليوم الليرة التركية تساوي أكثر من 100 ليرة سورية ( ولا أحد يعلم كيف سيكون مصير الليرة السورية في المستقبل /-: ).

في الحقيقة ليست قيمة الليرة وفقط هي المرتفعة بالنسبة الينا.. إذ أنه منذ أن وطئت قدماي أرض تركيا وأنا أشعر بأن كل شيء في هذا البلد أكبر قيمة من ذاك الموجود في بلدي وعلى رأس هذه "الأشياء" .. المواطن!

وبدأ سؤال صغير يكبر في ذهني مع كل يوم أقضيه في أرض مرسين، المدينة التي لم أجدها تختلف عن حلب أو دمشق أو اللاذقية:  لماذا لا أشعر هنا بالغربة؟

كان إحساسي مختلفاً عندما زرت مدن في بلدان أخرى مثل لندن ونيويورك.  حسنٌ، لندن (مثلاً) مدينة عظيمة تشعر فيها بأنك في متحف كبير، العراقة والأصالة في كل ركن من أركانها، مدينة  تشعر أمام عظمتها بالرهبة، هذا صحيح، ولكن تشعر  بالغربة أيضا!؟ تشعر بأن هذا المجد ليس مجدك، تسأل نفسك: "وماذا أفعل أنا هنا؟!".

في تركيا الموضوع مختلف، الأسواق، الأطباق، العادات، الناس، طريقة العيش، صوت الآذان، كل هذا  يُدخل الطمأنينة والسكينة لقلبك،  ولولا اختلاف اللغة لا يمكن أن تشعر قط بأنك غادرت سوريا.

 

مرسين 2015

مرسين - تركيا 2015

 

لماذا لا أشعر بالغربة؟  سؤال صغير وسط أحداث كبيرة وبلد يضيع، دفعني لكي أبحث وأقرأ... كيف وصلنا الى هنا؟ هل كانوا الأتراك حقاً محتلين لأرضنا؟ ما حقيقة أننا نلنا الاستقلال؟!  ما حقيقة الثورة العربية؟  لماذا كان علينا أن نثور؟  ما الضير في أننا كنا بلداً واحداً؟  لماذا لم نبق كذلك؟ ما الضير في أننا كنا إمبراطورية عمّرت 400 عام وكان يُحسب لها( ولنا) في العالم ألف حساب؟.

كانت الساعة 11 صباحاً وأنا جالس على مكتبي في مقر الصحيفة، وردني اتصال على "الواتس آب"، إنها والدتي في دمشق D:

لم تغادر والدتي - كما والدي – دمشق.

ما زالت الحياة بالنسبة لهما ممكنة هناك، رغم انقطاع الكهرباء والماء لساعات طويلة، رغم الغلاء، رغم أصوات القصف والاشتباكات، رغم الموت الذي يجول في الحارات، رغم قذيفة الهاون التي استقرت في أحد غرف منزلنا قبل عامين وهددت حياتهما بشكل مباشر... ما زالا يجدان أن الحياة ممكنة في دمشق.

تعلّم كلاهما جيداً كيف يُستخدم الانترنت وتطبيقات الهاتف الجوال، وأصبح معظم تواصلنا واتصالاتنا على "الواتس آب" والـ"الفايبر".

طبعاً هذا إذا توفرت الكهرباء التي كانت تنقطع لفترات طويلة خلال اليوم، كما الماء، بالإضافة إلى النقص في كل شيء، تتضاءل الموارد ويزيد الطلب على المواد، وترتفع الأسعار، أصبح الحصول على أي شيء "صعباً" في دمشق التي ما زالت تتمتع بوضع أفضل من باقي المناطق... باقي المناطق التي أصبح فيها تأمين الاحتياجات الأساسية مهمةً مستحيلةً تتجدد كل يوم.

تحدثني والدتي في كل اتصال بيننا، عن القذائف، عن الحواجز، عن الأسعار.  تحاول طمأنتي بأن كل شيء على ما يرام وأنا على الطرف الآخر من الهاتف أسمع هدير الطيران الحربي، أصوات متقطعة متباعدة للانفجارات، أصوات بعيدة لاشتباكات بالرصاص...

تكابر والدتي، تتمسك بالإنكار لتبعد الخوف عنها والقلق عني... وعندما ألح عليها بالسؤال تقول لي "ادعو يا بني لكي تنتهي الأزمة ويعود كل شيء كما كان!" .. "يفرجها الله"

وهل ممكن أن يعود كل شيء مثلما كان ؟

سؤال آخر من ضمن الكثير من الأسئلة التي شغلت  تفكيري أيضا خلال إقامتي هنا، ولم أحتج إلى وقت كثير حتى بدأت أشعر بأن ما يجري اليوم في هذه المنطقة مرتبط بشكل أو بآخر بما جرى بالماضي البعيد...القريب!

فمنذ أن انفرط عقد الدولة العثمانية، والبلدان في هذه المنطقة تتفتت من صغير إلى أصغر، والانقسامات تزيد، وأصبح عندي من الشغف والفضول والرغبة (والغضب) الكثير لأقابل شخصيات ذاك الزمن وأسألهم عما جرى لأسألهم عما اقترفت أيديهم بحقنا ..

باتت هذه الرغبة تكبر في داخلي دون أن أدرك السبب، بحيث أني وصلت إلى مرحلة بتّ أحلم فيها ليلاً بلقائهم ويتراءى لي في النهار أني أفعل ذلك.  وطالما، وأنا أقرأ وأبحث في السير الذاتية والمذكرات، كنت أبدأ بتوجيه الأسئلة لأصحابها بصوت عالٍ قبل أن ألحظ أن زملائي يحدّقون فيّ باستغراب!!

وفي أحد أيام صيف عام 2015 وكان الحرّ شديداً في مرسين، انقطعت الكهرباء ( وكان هذا نادر الحدوث)، فانتقلت من الكمبيوتر المكتبي إلى "التابليت" خاصتي،  وخرجت إلى الشرفة أستطلع بعض التطبيقات على "غوغل بلاي".

لفت نظري أن أحد التطبيقات كان يشعّ بشكل خفيف فوق مستوى الشاشة، ويحمل رمز كف أبيض على مربع أسود، ويخرج الاشعاع من الكف تحديداً لدرجة أني حاولت أن أمد يدي وألمسه!!  وكم كانت مفاجأتي كبيرة عندما اكتشفت بأن الاشعاع الذي يطلقه الكف هو بالفعل فوق مستوى الشاشة وينعكس على يدي بشكل واضح عندما تقترب منه وكأنه ضوء مصباح كهربائي يشع من الداخل إلى الخارج .

 

Tablet Hand

جاء في تعريف "التطبيق" أنه تطبيق يستطيع أن ينقل مستخدميه عبر الزمن!.

طلب مني تسجيل بعض المعلومات، ففعلت .. وعندما انتهيت، عاد وطلب أن أدوّن الوجهة التي أريد الذهاب إليها والزمن الذي أرغب الانتقال إليه.  لم افكّر كثيراً..  

دمشق 1900.  طالما أحببت دمشق في تلك الفترة بحسب قراءاتي عنها .. البساطة، الغوطة، بردى، البساتين والأدغال، المدينة القديمة والناس الطيبين، الأسواق.  من المؤكد أنني أرغب بزيارة دمشق في تلك الفترة..

سؤال إضافي  من "التطبيق": 

ما هي المنطقة التي تريد زيارتها في دمشق؟

كتبت وتمتمت بصوت غير مسموع ولكنه كان صراخاً في داخلي... المرجة... المرجة... من المؤكد أنها المرجة... والمرجة في تلك الفترة  لم تكن كالمرجة اليوم!

 تلقيت رسالة بأن "التطبيق" يعالج الطلب، وعاد إلي بمزيد من الأسئلة:

ماهي أهم المعالم التي تقع في ساحة المرجة في ذلك التاريخ؟.

 عجباً، هل يحاول أن يمتحنني؟؟ أجبت: مبنى البريد العثماني، بناء العدلية، مبنى البلدية، فندق أميركا، بناء العابد، نهر بردى.. هذا يكفي، وضغطت على زر الإدخال.

 يعالج الطلب مرة أخرى، وبعد أكثر من 5 دقائق ظهرت عبارة: تهانينا، طلبك جاهز للتنفيذ اقرأ التعليمات!!؟؟؟

 ما هذا" التطبيق"  المضحك، من المؤكد بأنه في النهاية سيزودني بمعلومات عما طلبت، وهذا كل شيء. ربما وصف... ربما صور... ربما مقاطع فيديو، ولكن لا أنكر بأن أسلوبه شيق وناجح ، يجذب المستخدم لأن  يمضي فيه حتى النهاية.  ورحت أقرأ التعليمات.

الانتقال عبر تطبيقنا بسيط فقط ضع يدك على إشارة الكف التي ستظهر على كامل الشاشة وأنت في وضعية الوقوف ..

راعِ أن يكون لباسك مناسباً للمرحلة التي ستنتقل إليها وللطقس في تلك الفترة من السنة.

يمكن أن تعود في أي وقت، فقط شغّل التطبيق وانت في الزمن الاخر وضع يدك على الكف عندما يظهر على كامل الشاشة.

 وعندما ضغطت على أمر الاستمرار، ظهر لي:

 حدد بدقة ما هو التاريخ الذي تريد الانتقال اليه، أدخِل: اليوم  - الشهر  - الساعة.

 هل يمازحني؟؟! وكأنه يأخذ الأمور على محمل الجد.  سأذهب في اللعبة إلى النهاية.

 10 ايلول، 1900، الساعة 10 صباحاً، ضغطت على أمر "إدخال"  وأنا أبتسم ساخراً .. ولكن في نفس الوقت لا أعرف لماذا بدأ يتملّكني شعور هو مزيج بين الخوف والرهبة والحماس.

 يعالج  المعلومات مرة أخرى وتظهر على الشاشة كلمة " تحذير"

 لضمان عودتك إلى هذا الزمن وفي حال أضعت جهاز "التابلت" الخاص بك الرجاء تحديد الحد الأقصى للمدة التي تود قضاءها هناك،

 في حال لم تستخدم التابليت للعودة، سيقوم التطبيق بشكل أوتوماتيكي بإعادتك في الوقت المحدّد في كل الاحوال

 منطقي!..  ولم لا؟.  ضغطت على أمر الاستمرار، ظهر لي رمز الكف على كامل الشاشة ورسالة:

 الرجاء ضع كفك الأيسر لتأكيد الطلب

  وضعت كفي وأنا متردد قليلاً، وعاد التطبيق لمعالجة الطلب:

 ما هي المدة التي تريد قضائها في الزمن المحدد كحد اقصى؟

 تمهّلت... فكّرت... كتبت...5 دقائق ..

 لنرى ما نهاية هذه اللعبة التي باتت مضيعة للوقت.؟

 ولكن الغريب بأن شعور الخوف والرهبة والحماس كان يكبر داخلي ولا أعرف لماذا.  لا يوجد أي منطق يمكن أن يفسّر لي لماذا يخالجني هذا الشعور.

 صوت تنبيه ورسالة تظهر على شاشة "التابلت"

 

التطبيق جاهز لنقلك إلى الوجهة التي طلبت...عندما تكون جاهزاً أعد تشغيل التطبيق واتبع التعليمات

 كدت أن أضحك بصوت عال، ما هذا التطبيق "الظريف" (-: ، يمتلك من أوجده مخيّلة واسعة وأسلوب شيّق... وابتسمت ابتسامة عريضة ثبتت على وجهي برهة، ولكنها بدأت تتلاشى شيئاً فشيئاً وتتحوّل إلى ملامح قلق مشوب ببعض الخوف... ماذا لو كان هذا التطبيق حقيقة؟؟!!...لا لا ما هذا الذي تقوله؟ يا لك من جاهل!.

 قررت أن أطلب من زميل لي في العمل أن يجرب التطبيق لأرى إذا كان حقيقياً أم لا.  هل ستظهر له ذات الخطوات؟  وأعطيته الاسم، كان الاسم غريباً بعض الشيء: " نبش القبور".

 

زيارتي الأولى عبر الزمن.

لم يستطع أحد من أصدقائي إيجاد "التطبيق" عندما طلبت منهم أن يبحثوا عنه في "غوغل بلاي"، وكان هذا أمراً غريباً جداً، بينما كلّما بحثت عنه أنا في جهازي ظهر بدون تأخير، وعندما بحثت بنفسي في جهاز زميل لي في العمل أكثر من مرة، كنت دائما أحصل على رسالة "التطبيق غير موجود".

في أعماقي كنت أميل لتصديق قصة أني ذاك "المختار" الذي أصبح، من خلال معجزة، قادراً على التنقل عبر الزمن!، وأنه قد تحققت بالفعل رغبتي الشديدة في لقاء شخصيات محددة من التاريخ لأستنطقها وأحصل منها على معلومات ربما تساعد في "حل اللغز" الذي نعيشه اليوم.

و في المقابل كنت أسخر من نفسي كلّما فكرت بهذه الطريقة، وأقول لنفسي: فعلاً مهما تعلّم الانسان فإن جزءاً "جاهلاً" منه يبقى متعلقا بالخرافات.

وبقيت تلك الليلة أجوب غرفتي في المنزل جيئة وذهابا، وأنا أنظر إلى شاشة "التابلت" ويستفزّني ذاك الكف المشع الذي يظهر على كامل الشاشة بين الحين والاخر.

وأخيراً قررت أن أغامر.

..

ما إن وضعت يدي مكان الكفّ المشع، حتى تراءى أمامي مشهد ساحة ترابية مليئة بعربات الخيل...

لا أصدق!  إنها المرجة!...أغمضت عيني وفتحتهما علّ المشهد يتغير وأعود إلى غرفتي.. مددت يدي أمامي أحاول أن المس "الصورة" التي تراءت أمامي، أن أبعدها، قلت في نفسي:  ربما تكون نوع من أنواع الخداع البصري أو صورة ثلاثية الأبعاد يبثها "التطبيق" أمامي.

آه... التطبيق... نظرت إلى شاشة "التابليت" التي ما زالت في يدي وقرأت عليها عبارة بخط كبير،

 

مرحبا بك في وجهتك الاولى

أنت الآن في دمشق | ساحة المرجة | تاريخ : 10 ايلول 1900 |

وفي جانب الشاشة العلوي ظهر مؤشران: الأول هو ساعة تؤشر إلى ( 10 صباحاً) ، والثاني هو عدّاد تنازلي مقسّم لخمس دقائق، يتناقص مع مرور الثواني.

استطعت أن أدرك من ظلّي الذي انعكس أمامي بأني أقف باتجاه الغرب، وشاهدت بشكل واضح مجرى نهر بردى أمامي على بعد أقل من 200 متر مني ولم أميز أي سياج حول ضفتيه، فيما كانت تحيط به أشجار الحور الكبيرة الباسقة.

وميّزت من فوري على الجهة الشمالية للساحة، مبنى البريد العثماني ومبنى العدلية ومن بعده فندق "فكتوريا" أو "أميركا"، وبعده على مسافة قريبة وبمحاذاة ضفة نهر بردى كان ينتصب بناء فندق "فكتوريا الكبير" وما زال طابقه الأخير قيد الإنشاء.

وكنت كلما جلت بنظري من مكان لآخر من معالم الساحة التي لم يكن قد وُجد النصب (عامود المرجة) فيها بعد، أغمض عينيّ وأفتحهما وأفركهما غير مصدق، وقدماي مسمّرتان في الأرض، ولم أجرؤ على أن أخطو أي خطوة إلى الأمام.  ما زال خيال غرفتي التي كنت واقفاً فيها قبل أن أنتقل إلى هنا، مختلطا بالمشهد أمامي.

ساحة المرجة 1900

ساحة المرجة 1900

سحبت قدمي اليمنى إلى الأمام قليلاً وأنا أتحسس طريقي بيدي (وكأني كفيف)، وتبعتها قدمي اليسرى ... ومرة أخرى اليمنى، وشيئاً فشيئاً بدأت أخطو على مهل خطوة فخطوة.

يا إلهي، إني أمشي على أرض المرجة، أرض الشام في العام 1900!.  تسارعت خطواتي تدريجياً وأنا أتقدم، أسرع وأسرع، ولم أتمالك نفسي ووجدت نفسي أركض كالأطفال وأقفز وأضحك وأصرخ: " أنا في الشام أنا في الشام".

نظرت الجموع التي كانت في الساحة إليّ باستغراب،  ولحظتُ بأن واحداً من الحرس الذي كان أمام مبنى العدلية بدأ يتقدم نحوي، ارتبكت وفكّرت بسرعة، ماذا يمكن أن أقول له؟ هل أتكلم معه العربية أم التركية؟ هل يمكن أن يطلب مني بطاقتي؟ هل بطاقتي معي؟  حاولت أن أتحسس محفظتي في جيبي، وكان "التابلت" ما زال في يدي، وقبل أن آتي بأي فعل سمعت صوت رنين ليس بغريب علي.

اللعنة، إنه التابلت، وقد كان الصوت عالياً وظاهراً رغم الضجيج الذي في الساحة، ويبدو أن الحارس قد سمعه وجمد في أرضه لوهلة، ثم عاد فأسرع الخطى باتجاهي.

نظرت إلى "التطبيق" أريد أن أوقف التنبيه الصوتي، ورأيت العداد الزمني يتناقص بسرعة، وظهر تحذير على الشاشة  بخط عريض:

 انتهت المدة المحددة لوجودك في المكان ستنتقل إلى الزمن الحاضر خلال...

5...4...3...2...1...0

 

نبش القبور

 بعد رحلتي الأولى عبر الزمن إلى دمشق، أعدت استخدام التطبيق أكثر من مرة في زيارات قصيرة لعدد من المدن السورية في أزمنة مختلفة، وبتّ أمتلك خبرة كبيرة في استخدامه، والاستفادة من المزايا الإضافية فيه.

ومن أحد هذه المزايا كان "ترتيب اللقاءات"، وما علي إلا أن أُدخل اسم الشخصية التي أريد مقابلتها وتاريخ اللقاء، حتى يبدأ التطبيق بترتيب الخطوات وتزويدي بالمعلومات اللازمة و إدخالي في سلسلة من الإجراءات التي تتضمن تعليمات محددة متتالية تصل بي إلى غايتي.

السلبية الوحيدة التي لمستها هي أن هذا التطبيق لا يحدد متى سيقوم بنقلي لإجراء اللقاء، فهو بعد أن يزودني بالمعلومات، يستمر في معالجة الطلب إلى أن يصدر تنبيها صوتياً ويعطيني مهلة 10 دقائق لكي أنفّذ عملية السفر عبر الزمن.

وكان هذا الأمر قد أربكني في لقائي الأول مع جمال باشا، حيث أنه عندما صدر التنبيه الصوتي وبدأ عداد الزمن بالتناقص وكنت لا أزال بين مصدّق وغير مصدّق لقدرة "التطبيق" بهذا الخصوص، ولم أكن مستعداً تماماً بعد للقاء فلم أجد حولي وقتها إلا بنطال "جينز" فيه بعض الشقوق (بحسب الموضة)، لبست فوقه "تي شيرت" أبيض وفوقه "جاكيت" لونها رمادية، وانتعلت حذاءً جلدياً حفيفاً ذو نعل مطاطي أبيض، وانتقلت من فوري إلى اللقاء.

لا زلت أتذكر الريبة في نظراته تجاهي والتي لم تتلاشَ إلا بعد أن قطعنا شوطاً لا بأس به من اللقاء، وسؤاله في نهاية حديثنا عن "التابليت" الذي في يدي حيث أجبته بارتباك أنه مجرد مسند مطاطي للأوراق التي أكتب عليها، حيث حرصت بأن يبقى الجهاز مطفأ في حافظته البلاستيكية طوال فترة لقائي به.

وهكذا وبعد العديد من المرات من استخدامي للتطبيق، أيقنت بأني أنا فقط من يستطيع أن يرى هذا التطبيق،  فهو غير متوفر في أي مكان على الانترنت ولا في أي مكتبة من مكتبات تطبيقات الهواتف الذكية، ولا أحد غيري استطاع أن يراه.

سألت نفسي كثيرا كيف حدث هذا ولماذا، ولماذا أنا، وهل من المعقول أن يحدث؟.   ولكني أخيراً توقفت عن طرح الأسئلة وركّزت على استغلال هذه الفرصة المستحيلة إلى أبعد حد.

 

نبش القبور - الجزء الثاني في مرسين

 

رواية تاريخية تفاعلية مستندة الى احداث تاريخية.


بقلم نضال معلوف


http://www.facebook.com/nedal.malouff

www.instagram.com/nedalmalouf

 

تابع تفاصيل مثيرة اخرى حول اللقاء على صفحة #نبش_القبور على فيس بوك
http://www.facebook.com/BygoneInterviews

 

والصفحة الشخصية لمراد غريب على الفيس بوك

https://www.facebook.com/MuradGharib?fref=ts

RELATED NEWS
    -