-
الفساد المطلق والغباء المبين.. بقلم: محمد نجدة شهيد
كان رهبان الدير يراقبون دوما ًالصحراء من برج عال داخله أجراس نحاسية متألقة ، وعندما يلمحون أي مسافرين يرنون لهم الأجراس خشية أن يكونوا ضائعين في الصحراء، أو على وشك الضياع .
لمح الراهب رزق بعينيه الصافيتين رجلاً أكرش قصير القامة يسير بصحبة تابع ضخم الجثة يهتز فوق حمار مثل دب محتقن الوجه .كان صدره منتفخب الأوسمة عن خدمة أكثر من نصف قرن في مخزن كبيرأمضى معظمها برفقة هذا التابع الذي يدعى مروان بعد أن استحوذ عليه بالكامل وأخذ يعتبر نفسه سيد المخزن بالوكالة .
كان عجوزاً متهالكاً قد تقدمت به السن، وثقلت عليه الحياة، وأدرك عقله شيء من ضعف ربما دفعه إلى بعض التخليط، وأغراه إلى أن يتحدث بغير الصواب .لم يتمكن طيلة عقود أن ينحت لنفسه صورة رجل الدولة بعد أن اضاع هيبته وسطوته وقلل من قيمته في عيون الموظفين بسببهذه العلاقة المبهمة مع هذا التابع والذيتبين لاحقاً أنه صاحب عيوب عظيمة ونقائص خطيرة وجرائم كبيرة.
وعندما سمع أنهم اخذوا يبنون تماثيل له في فروع المخزن الخارجية ليتم رجمه كل يوم وقضاء الحاجة عليه ، سئم الحياة وقرر أن يهيم على وجهه في البلاد من الغم الذي لحقه بصحبة هذا التابع الذي يمنحه شعوراً سخيفاً بالأمان منذ أن لقنه المبادئ الأولى للصوصية بشكلها المطلق . أنت جائع فلا حرج في سرقة الرغيف ، أنت فقير وفي حاجة لمتطلبات الدنيا ، فلا ضير في سرقة البشر والحجر .
رحلة مضنية
كان يسير بطريقة غريبة .ممتلئاً بنفسه لحد الانتفاخ .يتهادى ويتمايل في عظمة حزينة وكبرياء بها مسحة من أسى مصطنع مدفوعاً بكل غرائز الانتقام فوق الأراضي الجرداء والرمال والتلال القاحلة التي تغير فيها الثعابين جلودها .وظهر التابع وراءه بجثته الضخمة يحرك ساقيه وهو فوق الحمار ليغذ سيره .كان متعباً كسير النفس بعد مسيرة طويلة مضنية على دروب مطروقة منذ القدم ناء خلالها الحمار بأثقاله من المسروقات من المخزن الكبير.
سارا عبر صحراء تحت شمس حارقة في عشوائية وحيرة كأنهما يعيشان في زمن غير زمانهما . أو كأنهما في مهمة غامضة . أحس التابع أنهما سيواصلان السير إلى ما لا نهاية .وبدت لهما سلسلة بعيدة من الجبال تسد الأفق ، تتبدل ألوانها كلما واصلا الاقتراب منها .وواصلت الريح المحملة بالرمال لطم الوجوه المتعبة والكئيبة . لم يعلم الراهب رزق أن العجوز الأكرش قد أضنى التابع جوعاً وسيراً حتى يبدو على هذه الهيئة الذليلة المنكسرة .كانت ملامحة المستكينة تساعد في كسب شفقة الاخرين ، وتشي بأنه على استعداد لأن يتقبل كل شيء .
نظر الراهب رزق ملياً في العجوز وتابعه. كان قصير القامة له كرش ضخم مثل كرة من المطاط.وكان التابع ضخم الجثة محني الظهر كالحمالين ووجهه ممتلئ بالندوب الغائرة.كان مشهد الاثنين متنافراً وباعثاً على العديد من الاستنتاجات .وقال في نفسه هذا زمن خروج الأعور الدجال .فإذا عزم على الخروج فهذا زمانه.وقفا لبرهة من الوقت مع حمارهما مترددين أمام أسوار الدير الحجرية التي تشربت عنف العواصف الرملية وتماسكت أحجارها بفعل حرارة الشمس وبدت صلدة وحصينة .
ربط التابع مروان الحمار إلى حجر ناتئ ولم يكن حوله ما يؤكل إلا الأشواك والعشب الذي ينبت من شقوق صخور الصحراء . وبدأ العجوز الأكرش يدفع تابعه في ظهره حتى أصبحا في مواجهة باب الدير وهما يتوجسان خيفة أن يتم اكتشاف حقيقتهما كلصين طريدين يبحثان عن بداية جديدة .
كان الباب مصنوعاً من جذوع النخل ، مازالت تحتفظ بشكلها الطبيعي معلق عليه حلقة من الحديد عليها نقوش لصلبان قديمة . نادى مروان بصوت يخرج من أحشائه يا من هناك ولكنه لم يتلقى رداً . فأخذ العجوز الأكرش يتفحص الباب فشاهد من داخله حبلاً متدلياً . أدخل يده بين جذوع النخل وجذبه بكل قوته . رن صوت جرس معدني وسط هذا السكون كأنه يوقظ أحد الموتى . وبعد فترة طويلة انفتح الباب ، أصدرت مفاصلة الحديدية صوتاً عالياً ، وظهر من خلفه راهب أشيب وقور ضئيل الحجم طويل القامة إلى حد واضح يضع على رأسه قلنسوة صغيرة ويرتدي عباءة سوداء . نظر إلى ثيابهما وشكلهما الأشعث وحسبهما من الشحاذين . قال لهما : ماذا تريدان ؟ نحن لا نستقبل عابري السبيل .
قال العجوز الأكرش إنه متقاعد يسافر بحثاً عن الشمس بصحبة تابع مخلص أمين يَسرج له حماره كل يوم .كانت تفوح من ثيابهما رائحة الطرقات ومن أظافرهما رائحة مبهمة تشبه رائحة دم قديم. لم يكترث هذا الذئب العجوز أن يخفي أنيابه ومخالبه في السنوات الأخيرة من عمله في المخزن .
كشف مروان عن أسنانه المتفرقة وهو يقول :نحن في عرضكم ، جئنا من سفر بعيد ولا نستطيع العودة ، سدت من قبلنا كل الطرق وحياتنا في خطر إذا عدنا من حيث اتينا . وقال العجوز الأكرش للراهب مشيراً إلى مروان : إنه مهدد بالموت ، ولو رددتنا من أمام هذا الباب فسوف نموت حتماً . الموت متربص بنا إذا عدنا من حيث أتينا . بدا الفزع على وجه الراهب : صدقاً؟ فقال مروان : أقسم بالمسيح على ذلك . وهز العجوز الأكرش برأسه الأشيب مؤكداً . قال لهما الراهب : ادخلا . وأشار إلى مقعد خشبي مستطيل وهو يقول : انتظرا هنا .
سألوه عمن يعبد ، فأجاب العجوز الأكرش مراوغاً ، وهو يصغر فتحة عينية الصغيرتين لئلا يكتشفوا حقيقة ريائه المشهود :" لا أعبد أحدا . الله موجود في أعماقنا ولا يحتاج لأيّ أنبياء . ولا لمن يمثله . علينا فقط أن نتجنب أذية من حولنا ". لم يتعود هذا العجوز الأكرش أن يبدأ يومه باسم الله وذكر الله ، ألا بذكر الله تطمئن القلوب . كان يبكي دائماً في عتمة الليل بعد أن أدرك أخيراً أن نار الله الموقدة لم تخلق إلا له ولتابعه مروان الفاضي بن علي وعيشة بالذات .
وسألوا التابع عمن يعبد فحكى لهم كيف جاءته السيدة العذراء ما بين الحلم واليقظة ، وتجلت له ، ولم يكن أمامه إلا أن يتبع طريقها . وكشف لهم طرف ثوبه عن أعلى ذراعه . كان مروان قد ذهب إلى وشام عجوز في سوق الثلاثاء قام على عجل في وشم علامة الصليب المقدس في أطرافه ثلاثة صلبان أخرى وكتب تحتها اسم ميخائيل .
أشاروا إليهما نحو باب مفتوح في القاعة التي يعلوها البرج .وطلبوا منهما أن ينتظران هناك ريثما يحضر رئيس الدير. أطال الراهب رزق النظر قليلاً إلى وجه مروان . كانت ملامح وجهه المربع القصير تكشف على الفور غبائه المبين ، وحكايته عن السيدة العذراء مبتذلة إلى درجة لا يُمكن تصديقها .وتكاد حركاته القلقة تكشف حقيقته كلص وضيع أفلت من العقاب في هذه الحياة الدنيا .
خطى العجوز الأكرش برفقة مروان إلى داخل القاعة وقد أنهكهما التعب والجوع . كانت رطبة معتمة فيها مقعد خشبي مستطيل . وأخذا يبحثان على الفور عن مكان لقضاء الحاجة . كاد الواحد منهما أن يبول على نفسه . استندا أخيراً إلى ظهر المقعد ، كانت الجدران عالية ، لا توجد فيها إلا نافذة قريبة من السقف عليها زجاج ملون هو مصدر الضوء الوحيد ، مرسوم على الجدران صور عديدة ، أشخاص ، وبلدان وسفن ضخمة ، كل شيء كان يرقبهما في صمت وريبة . كان هناك لافتة مكتوب عليها بخطوط سوداء آية قصيرة من الكتاب المقدس "محبة المال أصل لكل الشرور" . ولكن مروان لم يكن يعرف القراءة والكتابة .
كان هناك في آخر القاعة ممر طويل على جانبيه أبواب منخفضة تؤدي إلى غرف صغيرة ، عرف العجوز الأكرش فيما بعد أنها الصوامع التي يقيم فيها الرهبان وأن بعضاً منها مخصص لضيوف الدير . سارا فوق أرض خشبية نظيفة ولامعة كالمرآة .قال الراهب رزق لهما ستقضون الليلة معنا ، فراشنا خشن ، وطعامنا فقير ، ولكن عندنا نبيذاً جيد . كانت الصوامع تطل على مقبرة صغيرة في حضن الجبل يتصاعد الدخان من أحد اطرافها . خليط من شواهد القبور والصلبان . وفتحات غائرة تؤدي إلى سراديب خفية داخل الجبل .
البحث عن بداية جديدة
كانت علامات التعب وخيبة الأمل بادية بوضوح على قسمات وجه مروان كمن رافقته التعاسة إلى النهاية . كان كبير الرأس ذو هيئة لا تبعث على الارتياح .فسمات الشر والخطيئة والأنانية والغباء المبين نافرة بقوة على وجههالكئيب زاد من حدتها كون شخصيته بطبيعتها خشنة ذو نزعة بليدة جامدة تنسجم مع شكله الضخم كالحمالين .انحدر من بقرة ضخمة لا تكف عن المضغفي زريبة آل الشماط ، ومازال يحتفظ بأذنيها الكبيرتين . وكان العجوز الأكرش يشعر نحوه بكراهية مقيتة بعد أن أدرك أن الذي فتح له أبواب بيته ، وخزانة ملابسه ، وأكل من مطبخه ، يسرق أمواله كما يسرق الآخرين .
قطع مروان رحلة طويلة دون أن يعرف سببها مثل الحمار الذي كان يركبه مع المسروقات التي حملها من المخزن الكبير ليلة طرده منه على عجل تلاحقه اللعنات الباردة والساخنة ،وأيادي الموظفين التي كانت تتناوب بالصفع على قفاه والبصق فوق وجهه .كان مثالاً للأغبياء بحكم المورثات لدرجة الإعاقة ، ولفقراء العقل . أمضى عقد من الزمن في بلاد العم سام ولم يتمكن أن يتعلم لغة أهلها مثلما بقي يغط كمستخدم في المخزن الكبير لربع قرن ، مكنسة بيد وسطل بالأخرى ، حصل في نهايتها بجدارة واقتدار على لقب كبير المستخدمين .
كان المستخدم مروان يقف طيلة فترة عمله الطويلة في المخزن على عتبة حياة متصلة بالضياع بسبب حقيقة صلته بالعجوز الأكرش كمخلب للسرقة .كان مسكوناً بهاجس الخوف الشديد من انكشاف أمره ، وأن يصبح كبش فداء في نهاية المطاف. كان الزمن في كل يوم يسرق جزءاً من عمره دون أن يتمكن من تطوير نفسه وتحسين وضعهما أدى لأن يعتمر في داخله كراهية ومشاعرعدوانية حاقدة ناقمة حتى على ذاتها .
لم يستطع أن يهتدي لنفسه طيلة فترة عملة الطويلة في المخزن وخاصة بعد أن فقد توازنه منذ أن ذاق طعم الدم البشري لضحاياه الذين كانوا يشعرون بالاختناق لأن السنوات كانت تتوالى كالطعنات يتضاعف فيها الظلم ويتآكل الأمل .كانوا متوترين مكفهري الوجوه دوماً كأسود حبيسة داخل أقفاصها ، محاصرين خلف جدران سميكة يعانون لعنة مروان المستخدم التي تواصلت على مدى سنين طويلة . كان الوقت يُسقي شجرة اليأس بعد أن أصبح المخزن ساحة موت مفتوحة لا توحي بأي أمان .لقد أوغل في ظلمهم ،لكنهم استطاعوا أخيراً أن يخترقوا جدار عزلتهم ، ويحققوا حلم الخلاص الذي كانوا ينتظرونه لسنوات عديدة .
لكن مروان أهتدى إلى شيء آخر . أهتدى إلى طريقة مبتكرة للانتقام من هذا العجوز الأكرش بأن يسرقه كما يسرق الآخرين ، وأن يحل مكانه في المخزن وفي البيت وحتى في السرير. لكنه كان مصاباً بعجز دائم كان الحديث الخفي لموظفات المخزن .كانا يتلاصقان في السرير بحثاً عن الدفء دون أن يتمكن من الإقلاع بها .
الرجل الغامض
خلد مروان إلى سكون الدير وإلى برودته . حل الظلام ، ودقت الأجراس تدعو للصلاة ، ظل مروان في غرفته حتى انتهت الصلاة . جلس مع بقية الرهبان على منضدة خشبية مستطيلة وهم ينظرون إليه بهيئته الشعثاء نظرات غريبة ومستريبة قبل أن يهزوا رؤوسهم في استغراب شديد . بدأت رائحته المبهمة في القاعة تطبق على أنفاس الرهبان تدخل في عظامهم . كان يلوث الهواء برذاذ فمه وأنفاسه التي تفوح منها رائحة النجاسة .
كان الراهب رزق يمسك أنفه طوال الوقت . أكل مروان الخبز والجبن والتمر . تناول كوب الشاي المصنوع من الفخار بأصابع مرتعدة ولكنه كان فارغاً .كان يلتهم بعيون جائعة فيها ألم الحرمان كل ما أمامه من طعام، يتناول الطعام بطريقة بدائية في دفعات سريعة دون ان يُعنى بمضغه . يُسمع صرير أسنانه وهي تطحن الطعام وكثيراً ما يتجشأ أثناء ذلك .
أسر مروان للراهب رزق أن الكثيرين كانوا يتربصون بالعجوز الأكرش ريب المنون عندما أصبح مديرا ًللمخزن الكبير بسبب وضعه الصحي الحرج المعروف.وكيف أصيب بالتهاب رئوي مزمن من الحمرا الطويلة ، إلا أن هذا أهون أمراضه فقد تعرض لنوبات قلبية ، وأصيب أيضاً بمرض باركنسون مثل الملاكم علي كلاي بسبب الضربات الموجعة التي كان يتلقاها كل ليلة في البيت نتيجة هزائمه المتكررة وانكساراته المتوالية على الفراش، وكذلك بالربو . ويعاني من التهاب المفاصل والتخمة الدائمة وما يصاحبها من غازات سامة ، وهو أيضاً مصاب بفقدان الذاكرة وتعرض للغيبوبة والوقوع على الأرض والانهيار. وكان رئيس مرافقته في الواقع طبيب . ولم يعد ينفعه سوى الدعاء أن يخفف الله عنه .والسؤال كيف هو لا يزال على قيد الحياة ؟
مكافأة قدرية
لم تكن المقبرة المجاورة للدير تبدي شيئاً من أسرارها الدفينة حيث ترقد الاجساد في انتظار الحساب الموعود وإحقاق الحق والعدل . كان ينبعث منها في سكون الليل أصوات مخيفة . أحس العجوز الأكرش بأنها تتحدث إليه بشكل خاص تحذره من الدخول إلى عالم الموتى وهو يحمل كل هذه الذنوب والخطايا والمسروقات .
ارتجف قلبه وشعر بخوف شديد يملأ الصدر، وبدأ يتخيل سكان المقبرة وقد تركوا أكفانهم وانطلقوامن ظلماتالقبور ، وإنهم استطاعوا التسلل إلى صومعته وجاءوا لمحاسبته . تداخلت الصور أمام بصره ، ولم يعد يدري أين هـو . لا يوجد من يمد له يد العون . غرق في بحر من العرق . لم يعد يرى أو يسمع أحداً .سرت عدوى الارتجاف إلى مروان وبدا الخوف يتسلل إليه ، كأنه لم ينقصه إلا أن يأخذه العجوز الأكرش إلى كوابيسه الخاصة .
أراد الراهب رزق أن يتجول قليلاً ثم يعود ليؤكد لهما أن المكان خالي وإنهما كانا واهمان ، ولكنه أحس أن هناك شيئاً بالفعل يهيم في الفضاء ، أرواح هائمة تشعر بالظلم جاءت بنية الصفح أو الانتقام، وامتلأت الريح فجأة بأصوات خافتة. عاد الراهب رزق بخطى سريعة إلى صومعته الصغيرة في قبو الدير، وأوقد كل الشموع الموجودة فيها ، امتلأ المكان بالضوء ثم ركع على ركبتيه وبدأ في الصلاة . ودعا أن تتجلى للأكرش وتابعه الآلهة عوضاً عن مشاهدة الكوابيس .
وجدوه في الصباح ميتاً في صومعته من شدة الخوف الذي ملأ صدره راقداً مشرئب الأذن وعيناه لامعتان كالزجاج الفارغ وجسده بارد ومنتفخوعقب سيجاره حمراء لا تزال معلقة على طرف فمه .مات مجرد غريب عابر كما قال لمروان اللص أكثر من مرة .مكافأة قدرية لضحاياه الذين جاءوا إليه بعد أن اهتدوا إلى مكانه في الدير بنية التسامح والغفران .أوصى وهو يحتضر بأن يتم استخدم جزء من الأموال التي جمعها من كل وجوه الحرام ومن حيث أتت في بناء ممر يصل بين قبره وقبر مروان بحيث يستطيعان أن يلتقيا معاً بعد أن ينتهي العالم . لم يكن يريد حتى للموت أن يفرق بينهما .
وضعوه في ظلمه أول قبر صادفوه في المقبرة المليئة بالثعابين والكلاب الجائعة التي بح صوتها من كثرة النباح بعد أن شمت رائحة مبهمة .أهالوا عليهوعلى شروره التراب وعادوا على عجل إلى الدير. ظلت الشمس تواصل سقوطها خلف حافة الأفق . غابت بأسرع من المعتاد . وسادت العتمة وأصبح العجوز الأكرش ممدداً عاجزاً في القبر في انتظار الحساب والعقاب ، وحيداً كما لم يكن من قبل بعد أن ترك مروان لمصير يبدو مخيفاً.
الفساد المطلق والغباء المبين . الجزء 2
وفي تلك الليلة حلم مروان بأمه عيشة ، رأى ملامحها بوضوح ، لم تكن تشكو أو تتألم . كانت تحس بأصابع الشماط الكبير وهي تزحف على جسدها . كانت ترتعد تحت جسده من شدة الخوف.. لم يتعلم مروان أن ينزوي على نفسه في بيت الشيطان ، يرى الجميع وكل ما يدور حوله من دون أن يراه أحد .ربما كان قد شعر في بعض الأيام بأنه قد وصل إلى نقطة ما يجب أن يتوقف عندها، وأن هذا ليس مكانه والأمر فوق استطاعته وقدراته ، ولكنه مع ذلك استمر في حماقاته ونوبات جنونه حتى آخر لحظة . فاكتملت بذلك فصول الجريمة والعقاب.