"اختطاف كاترين"..بعد "الحرد" النظام والسويداء يسرعان اجراءات الطلاق!
يبدو أن قراءة الواقع للتنبؤ بالمستقبل بات علما غير صحيح بالنسبة للحالة السورية عموما وحال محافظة السويداء شديد الخصوصية، إلا أن ثمّة سيناريو في المحافظة- ربما مازال يطبخ- قد تكون التطورات ذاهبة إليه بعد التداعيات الخطيرة لاختطاف القاصر كاترين مزهر، فعلى الرغم من أن علامات هذا السيناريو ليست واضحة بعد، لكن الثابت أنه يضمر تحولاً انقلابياً في علاقة السويداء بالنظام وبالتالي بالدولة التي مازالت تختصر بشخص النظام ومؤسساته وأفرعه الأمنية، وهو تحول قد يكون بلا عودة في علاقة النظام بأبناء جبل العرب، فبعد العلاقة التي كانت أشبه بـ"حرد" النظام من السويداء (ترك الزوج أو الزوجة للمنزل)، فلربما تتجه العلاقة هذه المرة للطلاق البائن.
وهنا أسوق أدلة أظنها تدلل على هذا السيناريو وترسم ملامحه:
-رغم أن رد عائلة مزهر على اختطاف ابنتهم جاء هوليوديا من حيث تحقيق العدالة على يد والد المختطفة بتعقب الجناة واصطيادهم واحدا واحدا لتعويض تقصير الدولة وأجهزة أمنها التي بات من الثابت تورطها في عملية الاختطاف، إلا ان هذا الرد لم يأت مفاجئا ولم يكن خارج سياق الاحداث في المحافظة التي حولها النظام خلال السنوات الماضية التالية لاندلاع الازمة في البلاد إلى "شيكاغو" بامتياز، ما يؤكد انسحاب النظام من السويداء بشكله المركزي وتعويضه بميليشيات مسلحة مرتبطة به تحقق سياساته الامنية والادارية على الأرض.
بقيت أجهزة أمن النظام صامتة على تداعيات اختطاف الفتاة القاصر مزهر، ويراقب عائلتها وهي تقتل 3 شبان اعترفوا بتورطهم في اختطافها بحسب تسجيلات مصورة بثتها العائلة، إلا ان احتجاز العائلة زعيم ميلشيشا البستان أنور الكريدي وبث اعترافات تثبت تورطه الى جانب وفيق ناصر رئيس الفرع الامن العسكري في السويداء جعل الاجهزة الامنية تتحرك للرد لكن خارج إطار العمل الرسمي عبر بث فيديو "بوليودي" تخللته هفوات كثيرة للفتاة تقول فيه انها ذهبت للزواج بإرادتها، قبل بث فيديوهات أخرى لحفل زفاف قالت العائلة انه مفبرك وأكدت ان الفتاة الظاهرة فيه ليست ابنتها، فيما تبقى خطورة التسجيلات، رغم اعتقاد كثيرين أنها مفبركة، بأنه قد يجر المحافظة الى حمام دم من خلال اثارة اهالي الشبان المقتولين قبلا بأنهم قتلوا ظلما ما قد يجر المحافظة الى اقتتال داخلي يعزز من قرار النظام الامني على الارض من دون تدخل مباشر فيها.
- صمت الاجهزة المعنية لدى النظام عن الفلتان الامني في المحافظة ورعايته في بعض الاحيان، قد يرد إلى سببين أولهما رغبة النظام بتنفيذ "فركة أذن" طويلة الأمد للمحافظة بعد اعلانها الحياد في الأزمة السورية، ورفض شبابها الخدمة في الجيش النظامي وتحولها إلى معقل آمن للشباب الرافضين للتجنيد الالزامي او الاحتياطي، إذ تشير تسريبات إلى أن عدد المتخلفين عن السوق العسكري بلغ أكثر من 40 ألف شابا يحيون حياة طبيعية داخل المحافظة لكن لا يمكنهم تجاوز حدودها الادارية بأمتار والا كان الاعتقال نصيبهم، فيما يتمحور ثاني الأسباب –وهو الاحتمال الاضعف برأيي- حول رغبة النظام، وفق توجيهات روسية، تهيئة المحافظة لحكم لامركزي يدخل ضمن مناطق خفض التصعيد إلى جانب درعا والقنيطرة لتكون من حصة موسكو بحسب الاتفاق الروسي الامريكي.
وربما يدلل على السبب الاخير ما سرب مؤخرا عن مسودة مشروع تدرسها القوى السياسية والاجتماعية في السويداء لتشكيل نواة إدارة "لا مركزية" محلية في المحافظة لتسيير عمل مؤسسات الدولة و"ضبط الامن" فيها، في وقت تشيع في الاشهر الاخيرة فكرة "الادارة المحلية" في مناطق مختلفة من سوريا.
منذ 3 أعوام، بدا أن المشكلة الرئيسية للنظام مع السويداء هي رفض أبنائها القتال إلى جانبه في المحافظات الأخرى، ومع محاولات النظام المتكررة لإلحاقهم بالجيش بمختلف الوسائل، ظهرت ردود فعل تجلت في قيام الأهالي، في أكثر من حادثة، بتحرير أبنائهم من شعب التجنيد المحلية وأقسام الشرطة بالقوة، قبل ظهور حركة رجال الكرامة بقيادة الشيخ وحيد البلعوس الذي تم اغتياله لاحقا بسبب اعلانه اهداف الحركة حماية المحافظة ومن يسكنها، ودعوته إلى عدم الالتحاق بالجيش وحماية الشباب المتواجدين داخل المحافظة، إلا أن اغتيال البلعوس اضعف الحركة لكن لم ينه دورها في السويداء.
وأخيرا يبدو أن النظام ذاهب إلى استثمار حادثة اختطاف الفتاة القاصر إلى أقصى الحدود بعد فشله قبلا في تحقيق هذه القلاقل على الرغم من الانقسامات في المواقف السياسية بين أبناء محافظة السويداء في مواجهة التحولات الكبرى ومآلات الثورة، إذ تبقى هناك خصوصية في البنية الاجتماعية لمحافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية تقوم على التضامن بينهم في مواجهة ما يعتقدون أنه خطر يتهدد جبل العرب بشكل عام، ولعل هذه البنية الاجتماعية الداخلية كانت سبباً في عدم تحول الانقسامات السياسية التي كانت حادة في بعض المراحل إلى صراعات دموية بين العائلات، أو داخل العائلة الواحدة، وهي الورقة الوحيدة التي بيد ابناء المحافظة لمواجهة سيناريو الفتنة، وتحضير المحافظة إلى معطيات جديدة بعلاقة معقدة مع النظام المركزي في دمشق الذي بات بقاؤه حاليا أمرا واقعا بإرادة وقرار دولي نهائي وحاسم.
لوركا خيزران