طغى ضجيج الشارع على صوتها الخافت، وتداخل صراخ الأطفال والباعة مع ضحكات عدد من الشبان الواقفين على زاوية الرصيف، أسفل الحجرة التي حرصت لميس أن تغلق شباكها باحكام ربما لتمنع بعضا من صخب الحي المزدحم، وربما لكي لا يسمع أحد قصتها.
ورغم أنه لايبدو -للوهلة الأولى- على الفتاة السورية ابنة الثلاثين ربيعا، ما يوحي أنها تحمل ذلك القدر من الألم في داخلها، فحركاتها تبدو طبيعية، وبيتها مرتب بشكل جيد، وتجتهد في رسم ابتسامة على وجهها، لكن لمسة حزن دفين تطل من عينيها الشاحبتين.
تعرضت لميس للتحرش الجنسي من قبل شاب مصري عندما كانت تستقل الحافلة في مدينة السادس من أكتوبر وهي إحدى ضواحي غرب مدينة القاهرة، العاصمة المصرية الحافلة بالحياة والزحام، والمثقلة بحالة من الفوضى وانعدام السيطرة على تصرفات شريحة واسعة من البلطجية وسيئي الخلق.
وتقول لميس” كنت بصحبة طفلي الصغير وزوجي ووالدته وجلسنا متباعدين، وجلس خلف مقعدي شاب سرعان ما أسمعني ألفاظا بذيئة، ثم مد يده من خلفي وأمسك بيدي وخاصرتي وقام بالضغط على جسدي، وعندما انتقلت لكرسي آخر لاحقني وأراد الجلوس بجانبي، ولما تنبه زوجي لما يفعل، تطور الأمر إلى اشتباك وملاسنة بينه وبين ذلك الشاب المنحط وعدد من الموجودين وانتهى الاشتباك بإخراج الشاب من الحافلة".
ولم يكن ذلك حدثا عابرا في حياة لميس التي اعتادت العيش في حي برزة الهادئ على أطراف دمشق، وهي تفتقد تلك الحياة الوادعة التي عاشتها هناك دون تحرش أو إزعاج أو منغصات تذكر، قبل أن تضطر للهجرة من دمشق بسبب اشتداد الحرب، لتجد نفسها الآن مثلها مثل نحو ثلاثمائة وخمسين ألف سوري، وسط زحام القاهرة وفي براثن التحرش والعنف.
وتشير دراسة أعدتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة حول هذه الظاهرة، وصدرت عام 2013 أشارت إلى أن نسبة الفتيات والنساء اللواتي يتعرضن لشتى حالات التحرش الجنسي في مصر تصل إلى 99.3%، وتتفاوت هذه الحالات بين التحرش اللفظي وملامسة جسد الأنثى دون رضاها، والنظرات السيئة والملاحقة والتتبع وصولاً إلى حالات الاغتصاب الجنسي.
وترى الباحثة التربوية والأكاديمية المصرية، داليا العطيفي والتي تخصصت بقضايا العنف والتحرش الجنسي عند المرأة، أن ما يحدث في مصر هو كارثة على الصعيد الاجتماعي والأخلاقي، وتؤكد أن ظاهرة التحرش تترك آثاراً هدامة في المجتمع لأنها تدفع شريحة كبيرة من الفتيات باختيارهن أو برغبة أهلهن إلى الانطواء والعزوف عن الخروج للعمل أو الدراسة.
وتعتقد العطيفي أن وجود اللاجئات السوريات في هذا الوسط قد يشكل خطرأ كبيراً عليهن، رغم أنها لا تظن أنهن مستهدفات من المتحرشين لأنهن سوريات، لكن للمرأة المصرية قدرة أفضل على التعامل مع هذا النوع من الأخطار، حيث تجهل السوريات كثيراً من الأمور حول طبيعة المجتمع المصري.
وتضيف الباحثة” إن معظم الدراسات لا تفصل بين جنسية الضحايا، إضافة إلى أن معظم الباحثين يتوجهون بعينات البحث إلى المجتمع المصري تحديداً، لذلك لا تتوفر أرقام محددة حول حجم ما تتعرض له اللاجئات السوريات في مصر، وربما يكون هناك حاجة لدراسة خاصة حول ذلك”.
وبالنسبة للميس التي لا تكف عن التذمر من حياتها في القاهرة، بسبب ما مرت به وما تخشى أن يعترضها كل يوم، فإنها لا تجد بدا من ركوب المواصلات العامة ومحاولة نسيان ما مرت به، حالها في ذلك كحال الكثيرات من السوريات، فقد هربت من وطنها بحثاً عن مكان يحميها وعائلتها من الموت، لتجد نفسها في طوفان من الهموم، وربما يكون التحرش الجنسي أكبرها، في الوقت الحالي على الأقل.
زاهر هاشم