الشريكة الصغيرة.. نقطة الزيت التي تصل الى اماكن عسيرة الوصول

28.07.2018 | 17:34

مراجعة : عبد الكريم انيس

يمتلك الفيلم الذي سنتحدث عنه اليوم ميزة الانسيابية في طرح الفكرة، وليس هناك من شيء مميز في طريقة عرض الأحداث فهي مجرد مجموعة من المصادفات التي تتراكب فوق بعضها البعض كي يحصل أمر فجائي نهائي يُرضي المشاهد ويجعله يستمر بالابتسام..

على اعتبار أن الفيلم من فئة الكوميديا كحامل لقضية المشاعر الإنسانية، اللطيفة منها والوقحة، على حد سواء، حيث يتم اعتبار الحياة وظروفها فيه على كونها مجرد مصفوفة لا نهائية من الاحتمالات التي قد تصيب شخصاً انتظر طويلاً أن يربح بطاقة يانصيب حتى  تطابقت أرقامه التي اشتراها بعد مئات المرات من المحاولة.

قام بإخراج الفيلم  Emre Kabakuşak، وأنتجه شركة Barakuda Film Production، وقام بأداء دور البطولة فيه كل من Kerem Cem Dürük  وهو ممثل ومطرب بوب تركي، وشاركته Gizem Karaca عارضة أزياء وممثلة ووصيفة ملكة جمال سابقة، تتحدث الفرنسية والإنكليزية بالإضافة للغتها الأم التركية. (المصدر) وطبعاً كانت الفتاة الصغيرة المتألقة Sibel Melek Arat  نجمة الفيلم بدون منازع، مع آخرين.

تدفعك أحداث الفيلم البسيطة كي تتابع الفيلم الذي يضج بالألوان الفاتحة المبهجة والتي تعطي المشاهد دفعة استحسان وتدفعه لمتابعة مسار الأحداث، بالتوازي مع اختيار خلفيات المشاهد الطبيعية أو تلك التي فيها لمسات بشرية من البساطة في انتقاء تفاصيل ديكورها، التي تجمع بين الحداثة والذوق الرفيع، وتوظيف وسامة وكاريزمية الشخصيات التمثيلية التي قامت بتجسيد الأحداث في فيلم "Küçük Ortak" الذي سنتحدث هنا عن بعض محاوره الأساسية.

في الفيلم ستظهر لديك حالة من الواقعية التي تكسر قالباً يقول بأن الشخصيات التي تتمتع بالمظهر الحسن وتنتمي لعالم الدرجات الاجتماعية الرفيعة تعكس طيبة ونقاء أصحابها، ولكنك ستتفاجأ بأن عالم الشركات الكبيرة هو عالم محفوف بالمخاطر كعالم الافتراس تماماً، هناك من يتصيد لآخر وهناك من يحاول الحفر لآخر وهناك تنمو كل أنواع الفيروسات التي تعرض العلاقات الإنسانية لكثير من الصدام والتنافس غير المشروع وتتباعد فيها الشراكات كما جاء في عنوان الفيلم لتصبح مثار صدامات ودق أسافين بين الموظفين أنفسهم، وظهر هذا واضحاً في عالم الشركة الكبرى للإعلانات وما يدور داخلها من تجاذبات وحسد وضيقة عين ونزالات غير شريفة، وحدها كانت الشراكة مع الصغيرة عائشة شراكة محدودة الأذى، كون الأذى الذي حدث جراءها كان غير متعمد وتم تحت الاكراه.  

سنلاحظ محوراً شديد التعقيد حول الشخصيات المتحفظة التي تبدو قاسية، وصعبة النفوذ لسرائرها، وما يبنى على ذلك من تصورات قد تكون مجرد مبالغات في استخدام مخيلات ليس لها من صحة في عالم الحقيقة، وقد تكون الحقيقة أمراً بالغ القسوة وبالغ الخصوصية ولذلك لا يجب أن يعرف فيه الا أشخاص محددون، تذوب لهم فقط الفوارق والسدود، التي تظهرهم كأناس يعيشون كالجزر منعزلين. قد يختفي وراء القسوة دوماً خفايا لا يريد كثيرون لأحد أن يطلع عليها، الا من يُسمح له بالدخول للمنطقة الآمنة، هذه الفئة من الناس تحتفظ بأسرار، وهم يحرصون كل الحرص ألا تذهب أسرارهم لمن بإمكانه أن يستخدمها ضدهم، ولذلك تجدهم متحفظين ويتصنعون القسوة في تعاملاتهم مع الناس، نسبة كبيرة من هؤلاء الناس لا يريدون لقلوبهم أن تجرح عدة مرات من مكان ضعفهم ذاته، وغالباً يكونون أناساً رقيقي المشاعر وأصحاب طوية طيبة.

أما عن المحور الأساس الذي يدور الفيلم حوله فقد كان عالم الطفولة، حيث الأشياء المعقدة والتي تبدو أنها صعبة الحدوث وتحتاج الكثير من التخطيط تتحلحل بسهولة، خصيصاً إذا اجتمعت خفة الدم والشقاوة المحببة في شخصية الطفل.

في هذا العالم لا تدري فعلاً من هو الذي يحتاج الآخر، الطفل الصغير الضعيف الذي يحتاج الرعاية والعناية والانتباه، أم هم الكبار الذين تكون حياتهم فارغة بدون نعمة الطفولة، الفيلم يضعنا في تصور أن الانجاب ليس بالضرورة ما يمكننا من الحصول على مشاعر الأمومة أو الأبوة، فمن الممكن أن نحصل على تلك المشاعر عبر احتضان يتيم يحتاج أحداً يقبّل جبينه وقت النوم، ويغطيه، ويهتم لظهور بسمة على شفتيه.

وقد تكره شيئاً وتحاول تجنبه، لكنه للمفارقة وحده من بإمكانه أن يكون سبيل عودة للسعادة والفرحة لتعاود احياء روحك، إنه فرح العيون الصغيرة، بتفاصيل صغيرة، منها قد تنال الاهتمام مهما ظننت أنك مقيّد بها،  قد يحدث أن يكون الطفل سبيلاً يجمع ما لا يمكن أن يدرك في عالم المستحيلات،

بإمكان الطفل وببساطة أن يتحدث بما يريد ومع من يريد بدون أن تكون لديه التحفظات التي يضعها كبار السن حين يريدون التحدث حول أمر ما، وتكاد الطفلة Sibel Melek Arat  التي أجادت بموهبتها التمثيلية الملفتة أن تكون نقطة الزيت التي بإمكانها الانزلاق لأماكن عسيرة الوصول، حيث تعتمد شخصية الطفلة على العفوية والتلقائية والتحدث بحديث الشارع بدون تكلف، وتستطيع أن تقول أمثالاً لا يقولها سوى الكبار في أوقاتها المناسبة، ففي حين يكون هناك أي استعصاء يرتكبه الكبار نتيجة تداخل الأحداث في الحياة اليومية، نجدها تتمكن بعفويتها فتترك مجالاً للكبار ليعترفوا ويدلوا لها بما في صدورهم، وغالباً هذا الشيء لا يستطيع الكبار أن يفعلوه أو أن يقوموا به كثيراً أو أمام أي كان، هذا ما تقسوا به الحياة على الكبار حيث يصبحون متحفظين وحريصين حول لمن وأين يدلون بما تخفيه صدورهم. نجح المخرج لحد كبير بترك الطفلة تأخذ دور صلة الوصل بالعلاقة بين أمها المزيفة وبين صاحب وكالة الإعلان القاسي والذي يبدو بدون مشاعر في كثير من الأوقات.

في عالم الطفولة، وأنت تتحدث لطفل صغير، بإمكانك أن تعود طفلاً مرة أخرى، وتنسى البروتوكولات والتصنع ومحاولات اظهار الود أو الشدّة والقسوة أو بقية المشاعر التي تتطلبها في عملك اليومي، وهي ليست جزءاً أصيلاً منك، تتظاهر بذلك مع الناس كي تصنع بينك وبينهم حدوداً لا يتم تجاوزها، مع الطفل كل هذه الحدود والمظاهر تصبح بلا قيمة ويستعيد الانسان شيئاً من عفويته التي طمسها تقدمه بالعمر. وهي الشراكة التي تستمر وتسمو بك بعد أن أكلت منك الأيام والسنون.

لمشاهدة المقطع الدعائي للفيلم (انقر هنا free trailer )


TAG:

الخارجية: بيان الدول الأربع دليل على الاستمرار في سياساتها العدائية ضد سوريا

أدانت وزارة الخارجية والمغتربين، اليوم الاحد، البيان الذي اصدرته حكومات دول امريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، في الذكرى الـ13 "للثورة السورية"، مؤكدة ان الدول الأربع مستمرة في سياستها العدائية تجاه سوريا.