إلى أبناء الشعب الكردي الكريم، قيادةً وشعبًا...بقلم: محمد محمود الهلال

تمر سوريا اليوم بمرحلة تاريخية من التحول السياسي والاجتماعي، حيث نشهد إعادة بناء وطننا بعيدًا عن الاستبداد والطغيان. إن المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد تتيح لنا جميعًا، بمختلف مكوناتنا، فرصة فريدة لصياغة مستقبل عادل ومتوازن يُنصف الجميع، ويحفظ وحدة الوطن وسيادته.

لطالما كان الأكراد جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي لسوريا. عبر التاريخ، كان لهم دور بارز في تطوير الثقافة السورية، والمشاركة الفعالة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية. اليوم، ومع انطلاقة سوريا الجديدة، أصبح من الضروري إعادة التأكيد على مكانة الأكراد كأحد أعمدة الوطن، وضمان حقوقهم المشروعة في إطار وحدة الدولة السورية.

لكن في الوقت ذاته، لا يمكن لأي مكون سوري أن يكون بمعزل عن بقية أبناء الوطن، ولا يجوز لأي طرف أن يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة على حساب وحدة سوريا وسيادتها. إن ما يجري على السوريين جميعًا يجب أن ينطبق على الأكراد أيضًا، فهم جزء من هذا الوطن، وما يؤثر على دمشق وحلب والرقة يؤثر كذلك على القامشلي وعين العرب والحسكة. لا يمكن القبول بتحالفات تهدد الأمن القومي السوري أو تفتح الباب أمام التدخلات الخارجية التي لا تخدم سوى الأجندات الأجنبية.

إن قوة سوريا واستقرارها يكمنان في تبني نظام إداري مركزي قوي يضمن وحدة القرار السياسي والإداري، ويحول دون تفكك البلاد إلى كيانات منفصلة. إن الإدارة المركزية ليست مجرد خيار إداري، بل هي أساسٌ لبناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

الإدارة المركزية توفر موارد الدولة وتمنع الهدر، مما يسمح بتوجيه الميزانيات نحو مشاريع تنموية يستفيد منها جميع المواطنين. فعلى سبيل المثال، لو كان هناك نظام لا مركزي في إدارة الموارد، لوجدنا أن منطقة تمتلك فائضًا من الكهرباء بينما تعاني أخرى من انقطاع مستمر بسبب سوء التنسيق بين السلطات المحلية. أما في النظام المركزي، فسيتم توزيع الكهرباء وفق خطة وطنية تضمن وصولها إلى الجميع بعدالة.

تساعد المركزية في فرض رقابة أكثر فاعلية على أداء الإدارات الحكومية، مما يحد من الفساد والتجاوزات. فلو افترضنا أن كل منطقة تدير موازناتها بشكل مستقل دون رقابة مركزية، فإن ذلك قد يفتح الباب أمام المحسوبية وإهدار الأموال العامة، كما رأينا في بعض النماذج التي تبنت اللامركزية دون إشراف فعال، مما أدى إلى تفاوت كبير في الخدمات بين المناطق.

بفضل الإدارة المركزية، يمكن توحيد القوانين والسياسات، مما يمنع تضارب القرارات بين الإدارات المحلية ويحقق الانسجام الوطني. تخيل لو أن كل منطقة في سوريا وضعت قوانينها الخاصة بالتجارة والعمل، سنجد أن شركة تعمل في الحسكة قد تواجه صعوبة في توسيع نشاطها إلى حلب بسبب اختلاف القوانين، مما يعيق التنمية الاقتصادية ويضعف الاستثمارات.

تقلل المركزية من الازدواجية في الوظائف الحكومية، مما يحسن كفاءة العمل الحكومي، ويسمح بتوزيع الموارد الوطنية بشكل أكثر كفاءة، بما يخدم جميع المناطق السورية. فلو أن كل منطقة لديها هيئة أمنية خاصة بها تتبع سياسات مختلفة، فقد يؤدي ذلك إلى تضارب في الصلاحيات وإلى فقدان التنسيق بين الأجهزة الأمنية، مما يفتح المجال للفوضى ويهدد استقرار البلاد.

في مقابل هذه المزايا، فإن اللامركزية تحمل عددًا من العيوب التي قد تؤثر سلبًا على وحدة واستقرار الدولة. فلو أن الإدارات المحلية أصبحت مستقلة تمامًا، فإن المعلومات والقرارات ستنتقل ببطء بين المناطق، مما يعطل تنفيذ الخطط الوطنية بشكل منسق. على سبيل المثال، لو أرادت الحكومة تنفيذ مشروع بنية تحتية ضخم يربط الشمال بالجنوب، فإن التباين في القوانين المحلية وغياب مركزية القرار قد يؤدي إلى تأخير تنفيذه لسنوات.

يؤدي تعدد السلطات الإدارية في اللامركزية إلى تضارب في القرارات، مما يخلق حالة من الفوضى الإدارية. على سبيل المثال، لو قررت مدينة ما فرض رسوم جمركية مختلفة عن مدينة أخرى داخل سوريا، فقد يؤثر ذلك على حركة التجارة الداخلية، ويزيد من التعقيدات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

كلما زادت درجة اللامركزية، كلما ضعفت الرقابة الحكومية على الإدارات المحلية، مما قد يؤدي إلى تفشي الفساد. تخيل لو أن كل منطقة أصبحت مسؤولة عن تحصيل الضرائب وصرف الميزانيات دون وجود هيئة مركزية تشرف على ذلك، فإن احتمالية سوء استخدام الأموال ستكون أكبر، مما قد يؤدي إلى ضعف الخدمات العامة وتفاقم الأزمات الاقتصادية.

لقد كانت السنوات الماضية مليئة بالتحديات، لكننا اليوم أمام فرصة جديدة للتفاهم والتعاون من أجل بناء وطن يحترم الجميع. إن مستقبل الأكراد في سوريا لا يمكن أن يكون في العزلة أو القطيعة مع بقية المكونات السورية، بل في الشراكة الكاملة ضمن دولة عادلة تحفظ الحقوق وتحقق العدالة للجميع.

لا يمكن لسوريا أن تُبنى على مشاريع انفصالية أو ولاءات خارجية. إن القوى التي تحاول استغلال الأكراد لتحقيق أهدافها لن تتردد في التخلي عنهم عندما تنتهي حاجتها إليهم. إن التاريخ مليء بالأمثلة التي تثبت أن الاعتماد على الأجنبي لا يجلب إلا المزيد من المعاناة والخذلان. ولذلك، فإن الخيار الأفضل للأكراد هو الاندماج في النسيج الوطني السوري، والتخلي عن أي رهانات على قوى خارجية.

إننا نؤمن بأن سوريا الجديدة يجب أن تكون وطنًا للجميع، بلا إقصاء أو تهميش. هذه دعوة مفتوحة للأكراد ليكونوا جزءًا أساسيًا من هذا المشروع الوطني، من خلال العمل مع باقي المكونات السورية لتأسيس مستقبل مزدهر، تسوده الحرية والعدالة والمساواة.

نحن نمد أيدينا إليكم، فلتكن هذه اللحظة نقطة انطلاق نحو شراكة حقيقية، حيث نبني معًا سوريا التي نستحقها جميعًا.

 

 

---------------------------------------------------------------

*الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن سياسة الموقع

*ارسل مساهمتك على الايميل [email protected]

 


المواضيع الأكثر قراءة

SHARE

close