مراجعة في كتاب

دمية كوكوشكا .. طريق وعرة شائكة .. يساعدك على المضي في متاهتها صورة جميلة ومعنى عميق ..

16.04.2020 | 21:49

قراءة هذه الرواية تشبه الابحار في بحر عاصف ، لن يكون الوصول الى النهاية بالمهمة السهلة وهي تناسب هؤلاء الذين يقبلون التحدي ويتحملون المتاعب ليحصلوا في النهاية على الكنز ..

وهل في رواية "دمية كوكوشكا" للكاتب "اوفونسو كروش" ..  "كنز"!؟ ..

حسن الموضوع هذه المرة يعتمد على اهتمامات كل واحد منا .. فاذا كنت تبحث عن المتعة الخالصة والقراءة السلسلة الهينة فانت حكما لا تريد قراءة هذه الرواية..

اما هؤلاء الذين يحبون اكتشاف ما بين السطور وحل الاحاجي ومستعدون للخوض في ارض وعرة للحصول على بعض الحكمة .. يمكن ان يخوضوا مغامرة قراءة راوية الكاتب البرتغالي الحاصل على جائزة الاتحاد الاوربي للاداب عن روايته والتي نراجعها اليوم..

يتبع كثير من الكتاب اليوم رواية القصة على لسان اكثر من بطل فيها لتتشابك الخطوط في النهاية وترسم معالم الحكاية ، ولكن "كروش" اتخذ خطوات اضافية الى الامام باتجاه تعقيد الامور اكثر ..

ربما في الفصل الاخير تبدأ بربط الامور ببعضها البعض .. وفي بعض الفصول يخيل اليك انك بدأت قصة جديدة ، اسماء لشخصيات لم يذكرها سابقا تفاصيل عير مرتبطة بما ورد في الفصول الاولى .. الحقيقة ان قراءة هذه القصة اشبه بالاحجية ( puzzle) .

طفل يهودي مختبأ في قبو بائع  عصافير في بلدة المانية في الحرب العالمية الثانية هربا من الملاحقة النازية ، يدخل بشكل او بأخر في جانب من جوانب حياة مليادير يعيش على هواه ويتسبب نمط معيشته في خلق حالة غريبة ..

امرأة على فراش الموت اخلصت لعلاقة استمرت ساعات على سفينة تعبر المتوسط اثمرت عن طفل فحفيدة .. ورجل يقع في حب دمية تتحول الى ادمية يعبدها ويتحمل منها مالا يطيقه بشر ..

شخصيات واحداث تدور بك في متاهة تبدو انها لن تنتهي .. لتخرج منها في النهاية ومع اخر سطر في الرواية وانت تحاول ان تجمع التفاصيل في قالب واحد تسنتج منه المحور الرئيسي للاحداث.

يبدو ما اوردته غير مشجع لقراءة الرواية .. ما الذي اذا يدفعنا لكي نخوض هذا الطريق الوعر .

.
الحقيقة ان فيها ما يستحق العناء .. فكاتبها اقرب لفيلسوف يستغل كل الجمل  التي يعرض من خلالها سياق الاحداث ليرسم للقارئ صورا ويضمن فيها معان ويدفعك للتفكير في امور كنت تحسبها بديهية ولكنه ينجح في ان يجعلك ترى ابعادها التي تتجاوز احيانا الكون نفسه ..

يقول مثلا عندما التقت الجدة بطلة القصة بالرجل الذي احبته طوال حياتها " تعرفت على الماني .. كان شيئا متفجرا .. مثل نشأة الكون .. كان انفجارا شخصيا لم يكن هناك شيء قبله وفجأة حضر كل شيء" ..
في احد الحوارات ايضا .. و اقتبسهنا  من حوار على لسان شخصية اخذت دور كاتب في سياق الاحداث .. يقول لبطلة القصة التي تبحث عن جدها ( عشيق جدتها على فراش الموت ) .. يقول " ما نبحث عنه واكثر ما نريده يكون امام اعيننا .. ما علينا سوى الابتعاد قليلا حتى نراه .. اننا قريبون جدا اكثر من اللازم .. كي نرى علينا ان نبقي مسافة "

وفي احد الحوارات التي يحاول ان يشرح فيها كيف يمكن ان يعم السلام بين الناس يقول " يجب ان نضع انفسنا مكان الاخرين كلهم من اعداء واصدقاء ولصوص ومومسات وكهنة، مكان سائقي التكسي والمهندسين والنصابين والكرماء والبرابرة والكذابين والمعارضين والبائسين والبوذيين والفوضويين والطيارين والخنازير والقديسين الميسحيين والجيران والمجانين والبغيضين ، الجميع الجميع .. دون استثناء وبينهم الاقارب البعيدون والقريبون ليسهل علينا فهم الاختلافات ولنجد نوعا من السلام وسط هذا التوتر ..

 

ليس هناك مساحة لاعرض كل ما اعبجني من عبارات تستحق ان يخوض الواحد منا غمار قرائة هذه الرواية .. ولن استطيع ان اقدم نصيحة نهائية بشأنها .. كل الذي يمكن ان اقوله .. انها طريق وعر .. لمن يحب المغامرة .. وفي كل الاحاول قد تصل بك الى اللاشيء ..

نضال معلوف


TAG: