موقف مضحك محرج خلال سباق على كرسي "الملكية" في سوريا بين شخصيتان بارزتان في العام 1930!؟

02.12.2019 | 19:58

يذكر في هذه المادة وقائع مثيرة لم تسجل كثيرا في كتب التاريخ ولا في الذاكرة المحكية التي تناقلتها الاجيال ، فبعد انتهاء حكم فيصل القصير كملك لسوريا الذي امتد شهور في العام 1920 ، سنكتشف الى ان نغمة "الملكية" عادت بعد اقل من عقد اليها وداعبت مخيلة بعض الزعماء ..

لا تكشف هذه المادة حدث لا نعرف عنه الكثير وفقط، وانما تكشف ايضا جانبا خطيرا من دهاليز عمل الصحافة السورية ، ممارسة حسبنا بانها كانت بعيدة عن السلطة الرابعة في ذاك التاريخ ولكنها تظهر بشكل فج و"وقح" ، ممارسة قد تكون معظم وسائل الاعلام تقوم بها من تحت الطاولة ولكن كشفها بهذه الطريقة من خلال هذه المادة كان امرا لافتا ..

يمكن ان يكون اصل الحكاية ان  مرور "الملك فيصل" في العام 1931 ( وكان ملكا للعراق وقتها ) بسوريا في طريقه الى باريس ، قد داعب حلم البعض باعادة اقامة الدولة الملكية فيها ، الدولة التي لم يكتب لها الاستمرار طويلا.

وكان السوريين قد عقدوا مؤتمرا عاما في اذار من عام 1920 اعلنوا استقلال البلاد وعينوا فيصل ملكا عليها .. سقط الحلم مع انذار غورو وقتها ودخول الفرنسيين الى دمشق في تموز من العام نفسه ..

يذكر عن موضوع التفكير باعادة الملكية في بداية الثلاثينيات في المراجع التاريخية معلومات متفرقة شحيحة ، تبدأ بمرور فيصل بسوريا في تشرين الثاني من العام 1931 وارتفاع بعض الاصوات باعادة تنصيبه ملكا ورفض هذه الفكرة قطعيا من القوى السياسية وقتها وطبعا رفضها بشكل قطعي من قبل فرنسا وانتهى الامر بهذا القدر ..

ويبدوا ان طرح الفكرة كما هو واضح من المادة ادناه دفعت شخصيات معروفة مثل "الداماد" احمد نامي الذي شغل قبلا منصب رئيس الدولة وشكل عدة حكومات بعد دخول الفرنسيين الى سوريا ، وشخصية اخرى ايضا بارزة ، الى استحسان الفكرة لتبدأ حملة علاقات عامة بشأن الموضوع ..

المضحك المبكي – العدد 841 – السبت 31 كانون الثاني 1953

صحافي دمشقي عريق يرشح ملكين في وقت واحد لسوريا ، ويقع في مشكلة مضحكة يحمر منها وجهه خجلا

 

قال زميلنا الصحفي العتيق:

لقد اشتغلت في الصحافة اكثر من ثلاثين عاما، فلم اقع، ولا وقع غيري من الصحفيين في مشكلة يندى لها الجبين خجلا كالمشكلة التي وقعت فيها ذات يوم عندما كنت اعمل في ترشيح ملك على سوريا...

وقصة هذه المشكلة، انه في عام 1932 طغت موجة الملكية على هذه البلاد، واخذ طلاب العروش يرشحون انفسهم لهذا العرش السوري العتيد، وكل واحد منهم يسعى لان يكسب اكبر عدد ممكن من الانصار سواءا كانوا صحفيين ام رجال سياسة ام غيرهم.

وكان بين هؤلاء المرشحين الداماد احمد نامي بك، والامير سعيد الجزائري، والشريف علي حيدر وغيرهم.

وجاءني ذات يوم السيد بهجت الداعوق مندوبا عن الداماد ليطبقني بتأييد الداماد والعمل معه للوصول الى العرش، ولما كان لابد لمثل هذا (التطبيق) من (معاملة)، فقد اجرى السيد الداعوق (المعاملة) اللازمة، على رأي ذلك الموظف، وحكايته المشهورة، وتمت البزرة على ان تكون جريدتي الى جانب صاحب السمو احمد نامي بك، وان اعمل كل ما عندي من جهد لاوصله الى العرش السوري...

وبعد كم يوم جاءني مندوب عن الشريف علي حيدر، وسألني رأيي في ترشيح الشريف الى العرش السوري، فقلت له، اني لا أرى ما يمنع ترشيحه للعرش، وهو احق من غيره لانه ذو حسب ونسب ومعروف بأخلاقه واخلاصه ووطنيته، فليس هناك اذن من سبب لان افضل غيره عليه...

فقال لي، اذن، هل تعدنا بأن تجعل جريدتك في جانب سيدنا الشريف؟؟

قلت له، ان الوعد مني يحتاج الى (معاملة)، فلا يمكن ان يتم هكذا ارتجالا...

قال لي، لم افهم ماذا تقصد بكلمة (معاملة)، فهل تتفضل بشرحها وتفسيرها...

قلت له، ان مدير الادارة هو يشرحها لك، فاذهب اليه وهو يجري لك (المعاملة) اللازمة، ايضا ثم تعود الي...

فذهب حضرته الى مدير الادارة، وكان المرحوم السيد ابراهيم الزكا، رجل فلسطيني في حيطان السبعين من العمر، وقال له،

ان الاستاذ صاحب الجريدة لم يشأ ان يقطع لي وعدا بتأييد الشريف الا بعد (معاملة) ضرورية وقال لي، انك انت تستطيع ان تعملها لي، فما هي المعاملة اللازمة لهذا الامر...

وهنا راح المدير ابراهيم الزكا يقص عليه حكاية ذلك الموظف الذي كلما جاء اليه صاحب مصلحة يسأله عن قضيته يقول له، ان قضيتك بحاجة الى (معاملة)، ويحرك ابهامه وسبابته اشارة الى فت العملة، فيفهم الزبون العوافي قصد هذا الموظف ويدفع له (هلي فيه النصيب) وفي الحال تنتهي قضيته ويستلم اوراقه ويمشي...

وهنا ادرك مندوب الشريف ماذا قصدت بكلمة المعاملة فاتفق مع المدير السيد الزكا على مبلغ محترم من المال دفعه اليه عدا ونقدا ثم عاد الي وقال، لقد انهيت المعاملة اللازمة حسب طلبك، فهل تقطع لي وعدا بتأييد الشريف؟؟

قلت له، الان، على العين والراس، فان الجريدة وصاحب الجريدة تحت امر سيدنا الشريف...

وطلب مني وصلا بالمبلغ، فقلت له، غدا سارسله لمولانا مع اول عدد يصدر من الجريدة...

ومضت ايام بدون ان اكتب شيئا لا في تأييد الداماد، ولا في تأييد الشريف، لان كل حكاية الملكية ما كنت (قابضها من جد) ابدا، بل كنت اهزأ بها واسخر منها امام اخواني واصدقائي...

وفي ذات يوم حمل الي البريد كتابا من الداماد يعاتبني فيه على تقصيري في الكتابة ويذكرني بارسال وصل بالمبلغ الذي قبضته من وكيله كما وعدت، كما اني استلمت في يوم آخر كتابا من الشريف حيدر يذكرني هو ايضا بالوصل الذي وعدته بارساله اليه ويلفت نظري الى انه لم يقرأ شيئا في جريدتي بشأن تأييدي لترشيحه...

واخذت ورقة وقلما وكتبت كتابا الى الداماد اعتذر به عن التقصير في تأييده بسبب مرض منعني عن المداومة على ادارة الجريدة وبهذه المناسبة اعربت عن تقديري له وعن فضائله التي لا يلحقه بها غيره من المرشحين، ثم هنأته سلفا بعرش سوريا لأنه المرشح القوي التي تضافرت حوله الأمة، ولا يمكن ان يزاحمه مزاحم...

ثم كتبت له وصلا بالمبلغ وربطته بدبوس مع الكتاب ووضعته امامي...

ثم كتبت كتابا آخر للشريف علي حيدر اعتذرت له ايضا عن قصوري نحوه بسبب مرض ألم بي منعني من الاشراف على الجريدة والتحرير فيها ثم اعربت له عن تقديري له ولخدماته واظهرت كيف ان الامة ملتفة حوله، وانها لا يمكن ان تتركه وهو ابن الحسب والنسب لنؤيد احمد نامي الغريب عنها وعن العروبة، ثم كتبت وصلا ايضا بالمبلغ المقبوض وشكلته بهذا الكتاب ووضعته امامي الى جانب كتاب الداماد احمد نامي بك.

ومددت يدي بعد ذلك الى الخزانة فتناولت مغلفين كبيرين، فكتبت على الاول عنوان الداماد وعلى الثاني عنوان الشريف علي حيدر، ووضعت الكتابين في هذين المغلفين وناديت الى الخادم ليوصلهما الى البريد...

ولم تمض ايام قلائل حتى جاء الداماد الى دمشق، فذهبت لازوره مع انصاره ومريديه ولكنني وجدته عابسا في وجهي معرضا عني اخاطبه فلا يجيبني، وكان بالقرب منه السيد بهجت الداعوق، كلما وقع نظره على نظري يهز لي برأسه كمن يريد ان يهدد او يتوعد...

فودعت وخرجت، وانا افكر في نفسي لماذا هذا الانقلاب في موقف الداماد ووكيله نحوي، هل احد وشى بي اليه، ام دس عني امامه، ام ماذا؟؟

وبعد اسبوع ايضا قابلت مندوب الشريف فاذا به عاتب متأثر وقد ظهرت على وجهه علامات الاسف الشديد...

فسألته، اراك مش على بعضك فشو الحكاية استاذ؟؟

قال، هلي بصدرو ابره بتنغزو...

ورحت افتش عن هذه الابرة التي هي بصدري فاذا بي علمت، ولكن بعد فوات الوقت، اني عندما وضعت الكتابين في المغلفين اخطأت، فوضعت كتاب الداماد في مغلف الشريف علي حيدر، وكتاب الشريف علي حيدر في مغلف الداماد!!!!

هذه الحكاية كلما اذكرها اذوب خجلا لانها كانت اكبر فضيحة في التاريخ...

اعداد : سيريانيوز


صدرت مجلة المضحك المبكي في دمشق عام 1929، وهي مجلة سياسية كاريكاتورية اسبوعية من اشهر المطبوعات السياسية الساخرة في الوطن العربي ، ويمكن اعتبارها هي من اسس الكوميديا السياسيّة على الساحة السورية ( وربما العربية).

اصدرها الصحفي حبيب كحالة ( 1898 – 1965 ) وهو درس التجارة والاقتصاد في الجامعة الاميركية في بيروت.

أنشئ كحالة في بداية الثلاثينات من القرن الماضي مطبعة حديثة بدمشق لطباعة المجلة، وكانت تقع في شارع الملك فؤاد الأول، استمرت هذه المجلة في الصدور إلى عام 1965 ، وقامت "الجهات المعنية" بإغلاق المجلة وإلغاء ترخيصها وذلك عام 1966.


TAG:

تعليقا على استهداف المنطقة الجنوبية.. سوريا تطالب المجتمع الدولي بمحاسبة اسرائيل

أدانت وزارة الخارجية والمغتربين، يوم الجمعة، الهجوم الي شنته الطائرات الاسرائيلية على مواقع بالمنطقة الجنوبية، مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ اجراءات لوقف هذه الاعتداءات على الأراضي السورية.

مملوك يلتقي ممثلي البحرين وسلطنة عمان والعراق على هامش الاجتماع الدولي لمسؤولي القضايا الأمنية

التقى مستشار شؤون الأمن الوطني في الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية علي مملوك، يوم الاربعاء، ممثلي البحرين وسلطنة عمان والعراق كلا على حدا، وذلك على هامش الاجتماع الدولي لمسؤولي القضايا الأمنية، المنعقد في مدينة سان بطرسبورغ بروسيا.