تصعيد اعلامي واضح بين الحكومة السورية وتركيا، وتقدم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في محيط ادلب للقوات السورية لا تنظر اليه تركيا بعين الرضى وتتوعد النظام بانها سترد القوات التي تقدمت على اعقابها.. فما هي حقيقة ما يحصل؟..
كنا في مادة سابقة في هذا الباب تكلمنا عن موضوع "سياق الاحداث" وان في زحمة التفاصيل والمعلومات الانية المتضاربة من المفيد ان يعود الواحد منا الى الخط الزمني ويراجع تطور الاحداث على محور الزمن، حيث على الاغلب بان سياق الاحداث هذا سيكمل باتجاه الهدف النهائي (الاستراتيجي).
وما علينا سوى ان نبحث وراء الاهداف الاستراتيجية للاطراف المشاركة في الصراع في سوريا حتى نفهم حقيقة ما يجري..
ما يهم.. من كل التفاصيل حول الدور التركي في سوريا، هو ان نفهم بان تركيا لا يهمها من كل "المعمعة" التي تحدث الا حماية حدودها الجنوبية من حالة الفوضى التي تسود الشمال السوري، وهي في نفس الوقت (وهذا مهم) تريد ان تستغل فرصة انتظرتها طويلا وتفرض واقعا معينا يؤدي الى القضاء على امال الاحزاب الكردية الانفصالية في تشكيل دولة مستقلة او حكم ذاتي بصلاحية واسعة في سوريا على حدودها الجنوبية قد يمتد "هذا الامل" في حال تحقق ليداعب آمال الاكراد داخل تركيا لفعل مماثل، ما يشكل خطرا على امنها القومي.
اذا وضعنا في اعتبارنا هذا الهدف الاستراتيجي وهو السيطرة على شريط الحدودي الذي يمتد من كسب غربا الى معبر "سيمالكا" في الشرق بعمق محدد، سنرى بان باقي التفاصيل في السياسة التركية تبقى اوراقا للتفاوض مع باقي القوى لتحقيق هذا الهدف.
وفي مقابل حصول تركيا على هذا "المكسب" فانها ملزمة بتنفيذ مجموعة من التعهدات قد لا تكون كلها تصب في مصلحة السكان المحليين في مناطق سيطرتها اليوم.
ففتح الطرقات الدولية من حلب باتجاه حماة (ام 5) ومن حلب باتجاه اللاذقية (ام 4) اتفاق بحسب كثير من المطلعين على الاتفاقات الروسية التركية بند مقرر وواجب التنفيذ، واذا نظرنا اليوم نرى ان هذا ما يحدث بالفعل وان التواجد التركي المباشر من نقاط المراقبة او من قبل فصائل المعارضة المدعومة من تركيا تواجد متواضع في محيط هذه الطرقات وان الحشد الفعلي اليوم للجيش التركي هو في الحدود السورية المتاخمة لتركيا.
ما يهم.. في هذا المشهد الذي يبدو مرتبكا بان نفهم ان الدول تضع مصالحها في الاولويات وانها لا تعمل على تحقيق اي مصالح اخرى متضاربة مع مصالحها، فيما يمكن ان تتقاطع بعض مصالحها هذه مع مصالح الاطراف الاخرى.
ان كانت تركيا او روسيا او ايران دول ضامنة في سوريا فهي ضامنة لاتفاقات تحقق مصالحها بالدرجة الاولى، واي قراءة خارج هذا الاطار سيقودنا الى استنتاجات خاطئة يمكن ان نبني عليها امالا في الحقيقة ليست سوى اوهام..
سيريانيوز