الجزء 10 - انا وريم ورحلة الى دمشق 1907 ..

22.05.2016 | 18:34

ملخص : 

يمتلك الصحفي مراد غريب القدرة على السفر عبر الزمن ويستخدم هذه القدرة في لقاء شخصيات هامة رسمت معالم منطقتنا في التاريخ الحديث ، فقابل جمال باشا المعروف بالسفاح ، والشريف حسين قائد الثورة العربية وعميد الشهداء العرب عبد الحميد الزهراوي ، وكان اخر لقاء له مع اخر سلطان فعلي للدولة العثمانية عبد الحميد الثاني ..

بعد نشر لقاءته التي تضمنت حقائق هامة كان بحاجة الى راحة قبل ان يقوم بمغامرته التالية ..

 

بعد لقاء عبد الحميد ..

كنت بحاجة لفترة حتى أعيد ترتيب أفكاري، فقد بت مشوش الذهن بعد لقاء عبد الحميد الثاني، كان تعاطفي معه مستغرباً، والمهمة التي بدأتها لمعرفة أصل الاستبداد و"محاربته" ها هي تصل لنقطة حرجة يتعاطف فيها "المحارب" مع "المستبدين".

انقطعت أكثر من شهر عن مغامرتي في السفر عبر الزمن، وانشغلت في عملي الصحفي في موقع "سيريانيوز" الذي كان يعيد هيكلة نفسه، وكان هناك الكثير من أعمال "التدريب" وإعداد صحفيين جدد لينضموا لفريق العمل بما يتناسب مع الخطة الجديدة، وخاصة أنه أسند إلي مهمة مدير التحرير.

كل شيء بدأ يدل على أن الحرب أصبحت "حدثاً" اعتيادياً في بلدي، لم يعد القتل والقصف والجوع والمعارك بين الأطراف المتعددة خبراً يستحق الذكر.

ملّ القارئ مثل هذه الأخبار،  وأصبح "الخبر" واقعاً يعيشه كل يوم.

وهكذا بدأت وسائل الإعلام تبحث مرة أخرى عما يمكن أن يجذب اهتمام القارئ.

في بداية الأزمة كان هناك حرج على وسائل الإعلام السورية أن تتعامل مع الأخبار "الفنية" أو "الطريفة" فالدم المسال كان ما يزال حاراً،  والحدث غير مسبوق، ضخم ومدهش، يخرج الناس في الشوارع يهتفون ضد "الديكتاتور" ويقولون له بصوت عال "ارحل...ارحل" ..

ويختار "النظام" الرصاص ليسكت الصوت ..  أو ربما ليصم أذنيه عن سماع الهتافات، فصوت الرصاص والقصف وصور الدم والقتل أخف وطأة على الديكتاتور من مواطن بسيط يخرج ويقول بصوت متعب مبحوح "لا" .. "لا" للديكتاتور...


سنة.. اثنان.. خمسة.. اعتاد الناس المعاناة، ونجح النظام في أن يجعل كثيراً من السوريين يشعرون بالندم والحسرة على خسارة حياة "الاستقرار" والسكون التي اعتادوا عليها لأكثر من أربعين عاماً وبت تسمع في كل مكان.. "السجن أرحم من الموت".. "النظام أرحم من داعش".. "كنا عايشين".. "شو كان صاير علينا"..

الدولار الواحد أصبح يساوي 600 ليرة سورية أي إنه فقد 90% من قيمته منذ بداية الأحداث فيما لم تتزحزح الأجور والرواتب إلا قليلاً، والاسرة التي كانت تعيش بـ500 دولار شهرياً أصبحت اليوم تعيش بـ50؟!

وفي معظم المناطق لا كهرباء ولا ماء والقانون غائب والأمن مفقود والناس تعيش "على التوكل" ويحمدون الله على كل يوم يعودون فيه إلى منازلهم سالمين ويشكرونه في آخر الليل بأنه وفر لهم خبز  كفافهم ولم يُلق بهم إلى العوز والجوع.

وكان من السوريين من حالهم أسوأ من ذلك، فقد كانت آلاف الأسر تعاني من كل شيء، من غياب المسكن والطعام والماء والأمن .. مئات الآلاف من السوريين يعيشون في الملاجئ ويسكنون الحدائق والخرابات ولا يبقى أمامهم من خيارات  إلا البقاء على قيد الحياة .. دون أن يكونوا متأكدين بأنهم سيكونون أحياء في اليوم التالي..

وهكذا فحتى المعاناة والألم يصبحان مع الزمن نوعاً من الاعتياد، فترى السوريين يخرجون إلى أعمالهم وأشغالهم غير آبهين بقصف أو بقنص أو بحواجز تفتيش.. أصبحت المخاطر جزءاً من حياتهم لا تستدعي كثيراً من الخوف أو القلق.. فالقلق يعيش مع المخاطر الجديدة، مع المجهول، أما المعاناة المزمنة التي ألفناها وباتت جزءاً من حياتنا فلا تستلزم القلق.. وبهذا يعيد العقل برمجة حياة "الخطر" لتصبح حياة عادية ويعود الإنسان للبحث عن الجديد..

وتعود أحاديث "برشلونة" و"ريال مدريد" والمعركة القائمة بين "أحلام"* و"عادل كرم"**، ما هو "برنامجك" المفضل هذا المساء.. هل يوجد فلم "حلو" يعرض على هذه المحطة أو تلك.. آخر مقطع طريف آخر "هاش تاغ" على التويتر.. وتعود اهتمامات الناس لتتوزع بعدما كانت لفترة غير قصيرة تركز على "الأخبار"..

ووسائل الإعلام تتبع ما يهتم له الناس.. وتخرج هي أيضاً من "الاعتياد" حتى لو كان قصفاً وقتلاً ومعاناة وجوعاً، وتتجه لتلبي ما يحتاجه الناس لكي يصرفوا "وقتهم الزائد" من خلاله..

ومن المفارقات العجيبة بأنه كلما زادت أوضاع الناس سوءاً كلما ازداد احتياجهم لكل ما هو "سطحي" و"سخيف"، بحاجة إلى ذاك الترفيه الذي لا يتجاوز شفاههم، يرسم ابتسامة من وراء القلب ويرحل.. وما حاجتهم "للعميق".. "البعيد".. ومشوارهم في الحياة لا يتجاوز "اليوم التالي" ولا يبتعد أكثر من بضع شوارع عن مكان سكنهم المحاصر غالباً بكل أنواع الشرور..

أما أنا فكنت قد أبحرت أكثر مما يجب في الماضي وبت أستعرض الأحداث التي مرت بمنطقتنا خلال هذه العقود الطويلة وكأنها جزء من شريط ذكرياتي أنا، وكيف لي أن أقتطع من هذه الذكريات زيارتي لقصر "بيلار بيه" الذي عشت فيه يومين مع السلطان عبد الحميد..؟ كيف أنسى جناح جمال باشا في فندق فيكتوريا..؟ كيف أنسى منزل الشريف حسين في قبرص..؟

هل حقا أني حاورت هؤلاء الأشخاص وعشت في تلك الأزمنة..؟ أشعر أن عمري أصبح مائة وخمسين عاماً.. مائتي عام..!، بدأت أشعر بأني أشيخ، بأني تقدمت في العمر جداً وحملي بات ثقيلاً.. أوليست المعرفة داءً.. حملاً شديد الوطأة..؟ أليس الجاهل إنساناً بلا هم أو "همه على قده"..

لقد تعلمنا بأن هؤلاء من كانوا في سالف التاريخ سيئين: العثمانيون.. عبد الحميد الثاني.. جمال "السفاح".. الملوك المتسلطون طالبو الجاه والمناصب.. طوال سنوات عمري، كانت الأنظمة الحاكمة تقول لنا "انظروا إلى هؤلاء الأوغاد" وكيف جئنا نحنا وحررناكم منهم .. "وحدة حرية اشتراكية".. "أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة".. لم يخطر ببال معظم الملايين الذين يرددون هذا الشعار كل يوم، أن يسأل ما هي "الرسالة الخالدة" في حياة "الأمة الواحدة".. حتى الشعار الذي قلناه آلاف المرات لا أحد منا يدرك معانيه..

ربما هو مثل "السخف" الذي نعيشه اليوم يصل إلى "الشفاه" ولا يتجاوزها..

حسنٌ.. لقد قابلت هؤلاء الرجال "السيئين".. ويمكنني أن أجزم اليوم بأن كل الممارسات التي جاءت بعدهم وكل الطرق التي سلكناها بعد نهاية المطاف معهم، أدت بنا إلى واقع أسوأ، إلى الوقوع تحت سيطرة حكام أكثر استبداداً ووحشية وأقل أخلاقاً وإنسانية..

ببساطة أعادتنا "الشعارات" التقدمية إلى "الخلف"..

هل حقيقة يمكن أن يختلف اثنان اليوم على رداءة الواقع الذي نعيشه، على مقدار السوء الذي وصلنا إليه.. هل حقيقة يحتاج الأمر إلى نقاش وتنظير وكلام.. أم أننا وبمجرد أن فتحنا أعيننا ونظرنا حولنا اكتشفنا أين وصلنا، وما هو الطريق الذي سار بنا فيه هؤلاء، الذين قالوا "ها نحن ذا لم يولد قبلنا ولن يوجد بعدنا أحد.. العنوا أسلافكم.. وعلموا أولادكم كيف يعبدوننا ويقدسوننا ويخلدوننا.."..

وفي وسط صراع الأفكار هذا أحسست أني وحيد وضعيف، ورغم أن اللقاءات التي نشرتها على موقع "سيريانيوز" لاقت نجاحاً معقولاً.. إلا أن معظم الذين قرؤوها (ربما كلهم) لم يصدق بأن ما كتبت كان رحلة حقيقية إلى الماضي .. وإن شاركتهم المغامرة والأفكار وأقوال من التقيتهم .. إلا أني كنت بحاجة إلى من أشاركه "إحساسي".. "تعبي".. حقاً كنت متعباً وحيداً بدون شريك..

---

كان أول اتصال عبر السكايب أجريه مع ريم منذ وقت بعيد، فقد انتقلت هي منذ فترة وجيزة إلى "دبي" بعد أن وجدت عملاً كمعدة برامج في أحد القنوات الفضائية هناك..

لم تتردد لحظة.. تركت "الوطن" و"قائد الوطن" عند أول عرض بـ"12000 درهم".. وأعتقد أنها كانت مستعدة للسفر فقط في مقابل السكن والطعام، عادة لا يرفع الشعارات البراقة إلا "المفلسون".. "اليائسون".. من لم يبقَ شيء وراءهم ليخسروه.. يتمسكون ببريق "القضية" ولو اختزلت القضية "بحذاء الرئيس".. ومَن مِن السوريين لم يصبه اليأس بعد..؟!

---

أنا وريم والزمن "الطويل"..

وجدتها أمامي مباشرة تقف جامدة بدون حراك متخفية في ملابس رجل كما اتفقنا، تقدمت إليها وعانقتها فرفعت ذراعيها ببطء لتضمني وهي ما تزال تحاول أن تستوعب الذي جرى.

تلفتُ حولي لأستكشف المكان وأحدد موقعي، وجدت أمامي قطيعاً من الخراف تسرح على بقعة من العشب، وراءها بيوت في حي يضم بضع عشرات من الدور البسيطة المؤلفة من طابق أو طابقين، وتمتد وراء الحي غابة هائلة من الأشجار تتسع في كل الاتجاهات وتنحدر على سفح الجبل حتى المدينة القديمة "دمشق".

لم يكن صعباً أن أخمن بأن "التطبيق" قد نقلنا إلى حي الصالحية (وهو غير الصالحية المعروفة اليوم) على سفح جبل قاسيون.

التفت إلى ريم وكانت تضحك وتبكي في ذات الوقت، تنظر إليّ تارة ومن ثم تنظر إلى الأفق البعيد حيث المدينة القديمة تحيط بها الغوطة الساحرة من كل الجهات وقد بانت مآذن الجامع الأموي الثلاث وسط النسيج العمراني المنكمش في معظمه داخل سور المدينة.

كانت قد أصرت عندما اتصلت بها وهي في دبي بأن مغامرتي مجرد خيال، وحاولت جاهداً أن أقنعها أني بالفعل امتلكت القدرة على الانتقال عبر الزمن والتقاء شخصيات هامة أستفسر منها حول حقيقة ما حدث في مجريات تاريخنا (المزور)، وهي بدورها تصر بأن ما أكتبه عبارة عن "افتراءات" على التاريخ ضمن "أيديولوجيا" محددة أحاول الترويج لها.. واحتدم النقاش بيننا ووصل إلى حد أنها اتهتمني مباشرة بــ"الخيانة" وأني بدون أدنى شك أعمل مع "الأتراك" وأروج لمشروعهم ضد بلدي ..

لم يكن أمامي إلا أن أحاول الحصول على إذن من "التطبيق" لنقل شخص آخر معي عبر الزمن، ولو لمرة واحدة، وبعد عدة محاولات مع "الدعم الفني" سمح بأن يقوم شخص آخر بتحميل التطبيق، وقمت بتزويده بـ"الايميل"  المطلوب (ايميل ريم) فاستطاعت من ناحيتها تحميل نسخة "محدودة" منه.

كان كل ما عليها فعله بعدها أن تضع يدها على شاشة "التابلت" خاصتها عندما يحين الوقت المناسب بعد أن نكون متصلين من خلال السكايب في لحظة الانتقال المحددة.

وهكذا كان بعد أربعة أيام من الانتظار حدد لي التطبيق موعداً للانتقال وكان صباح يوم "سبت".

اتصلت مع ريم عبر "السكايب"، وهي بالطبع كانت ما تزال مشككة في الموضوع وتتعامل معي بعدم جدية..  ظهرت اليد على التابلت الخاص بي وكذلك على جهازها، قلت لها ضعي يدك الآن.. وفعلت مثلها..

---

بعد أن تمالكت نفسها قليلاً بدا المشهد من مكان وقوفنا مدهشاً، الغوطة الساحرة التي تشكل سواراً عريضاً من الأشجار الكثيفة حول دمشق وفروع نهر بردى التي تخترق هذه الغابة وتتلألأ مياهها في أكثر من موقع، الأخضر بتدرجات لونه المختلفة، وأزهار الربيع المتفتحة على أغصان  الاشجار المثمرة.. أسراب الحمام التي تحوم فوق المدينة من بعيد.. كل هذا جعلنا نقف دون حراك نتأمل المشهد بصمت..

أتت إلى مخيلتي صورة دمشق من جبل قاسيون في زماننا الحالي، المشهد الذي طالما اعتبرته جميلاً أخاذاً، بت الآن أجده، بعد الذي  رأيت، أشبه بمرض جلدي خبيث قضى على هذا الجمال الممتد إلى اللانهاية أمامي..

قلت لنفسي على الأقل بات الأمر الآن مفهوماً ومبرراً كيف كتب كل هؤلاء الشعراء والرحالة قصائد وأبياتاً وقصص غزل في دمشق وغوطتها "الغناء" ووصفوها بأنها جنة الله على الأرض.. بالفعل إنها كذلك كما أرها الآن..

انحدرنا عبر حي المهاجرين إلى جادة العفيف ووصلنا إلى الجسر الأبيض.

كانت ريم كما ذكرت متخفية في هيئة رجل ليتسنى لنا الحركة بشكل أفضل ونحن بقرب بعضنا.

كانت المنازل معدودة على جانبي الطريق الذي مشيناه بين حقول "الصبار" وغابات الشجر ونحن نتجه إلى نهر بردى الذي أصرت ريم على أن تقف على ضفته.

لم يكن من الصعب أن نصل إلى وجهتنا فقد كان الهدف أمامنا واضحاً في نهاية المنحدر، وبالفعل وصلنا إلى مكان قريب في الجهة المقابلة "للتكية السليمانية" في وقت قصير نسبياً.

كان ماء النهر غزيراً والنهار شارف على الانتصاف،  لم تكن دمشق كما عرفناها مزدحمة وبالكاد كنا نلتقي ببعض الأفراد خلال مسيرنا، وعلى طول ضفة النهر حيث التفتنا إلى جهة "المرجة الخضراء" (أرض المعرض حالياً) أو باتجاه ساحة المرجة، كان يوجد من المشاة ما يعد على أصابع اليد الواحدة ، يمضون في سبيلهم "مبعثرين" على  مسافات متباعدة.

وتأملت قليلاً في المشهد لكي أتعرف على الزمن الذي انتقلنا إليه بشكل دقيق، حيث إني لم أتخذ في هذه الرحلة ذات التدابير التي كانت في لقاءاتي الماضية، من حيث تحديد التاريخ بدقة لزوم لقاء الشخصيات الاستثنائية التي قابلتها.

في هذه المرة فقط سألت التطبيق أن ينقلنا إلى دمشق لأي يوم من فترة بدايات القرن العشرين.

وأعتقد، ومن خلال معرفتي ببعض تفاصيل دمشق وبحثي في تاريخها، بأننا كنا في تاريخ لا يتجاوز الـ 1907، حيث غابت عواميد الكهرباء التي مدت في ذاك العام، وكذلك غياب ما يعرف باسم "جسر الحرية" الذي بني أيضاً في تلك الفترة وهو الجسر الواصل بين شارع "بيروت" وشارع "رضا سعيد".

فيما عرفت الجسر الذي كان قريباً منا إلى الغرب باتجاه ساحة المرجة يصل بين "التكية السليمانية" وشارع بيروت ويدعى "جسر التكية".

جلسنا على ضفة النهر مباشرة وكنا أنا وريم قد اتفقنا أن نرتدي اللباس التقليدي الدمشقي المؤلف من القنباز المصنوع من الحرير (الصاية) وعليه الزنار وفوقه "جاكيت" أو سترة وطربوش على الرأس و"صباط" في القدمين، ولم يكن من الصعب الحصول على هذا النوع من الألبسة سواء في تركيا أم الإمارات.

خلعت ريم "الصباط" الذي كان كبيراً قليلاً على قدميها ووضعتهما في ماء نهر بردى وفعلت مثلها، وأخذتني الذكرى للحظات كيف كانت ريم تحب أن تمشي حافية القدمين عندما تزورني في مكان سكني في دمشق كان هذا يشعرها "بالحرية" كما كانت تخبرني عندما أنظر إليها وابتسم أنا، "الحرية" الكلمة التي أصبحت ريم "تنطقها" اليوم بحذر..

التفت ريم إلي وقالت: ألن تقابل أحد الشخصيات في هذه الرحلة..؟

ابتسمت وأجبت: مع الأسف لا يوجد في دمشق اليوم إلا "شكرية خانم"..

قالت باندهاش: من هذه شكرية خانم ..

أجبت: شكرية خانم هو "شكري باشا" والي الشام ولكن يلقبونه هكذا لضعف شخصيته، فالحاكم الحقيقي للشام في هذه الحقبة هو "أسعد بك" مدير الشرطة.

صمتت قليلاً ثم قالت وهي تنظر مباشرة في النهر: باشا.. بك.. أنت تعمدت أن تنقلني لفترة "الاحتلال" العثماني..

لم أتمالك نفسي وضحكت بصوت مسموع: احتلال؟! هل ما زلت مصرة على أن العثمانيين محتلين..؟

قالت: نعم بكل تأكيد..

قلت أحاول استفزازها: احتلال.. احتلال.. المهم انت هنا الآن مواطنة عثمانية ودمشق ولاية من الإمبراطورية.. هذا واقع لا يمكن أن تنكريه..

قالت: هذه الأرض ستبقى عربية مر عليها من مر، وليأتي من يريد أن يأتي.. في النهاية سيرحل وتبقى عربية..

قلت: يا ريم.. كل ما أحاول أن أقوله لك ومهما كانت نظرتنا لهذه الحقبة سيئة.. فإن ما أتى بعدها كان أسوأ وقادنا إلى هاوية لا قرار لها.. على الأقل ونحن هنا اليوم يمكن أنا وأنت أن نسافر من اليمن إلى البحر الأسود وبلغاريا أو وسط أوروبا ومن العراق إلى ليبيا.. بدون أن يسألك أحد عن جواز سفر أو تأشيرة.. هل يمكننا في عام الـ2016 أن نفعل ذلك..؟ بربك كيف دخلت الإمارات.. وهل يمكنك المغادرة منها إلى أي أرض عربية أخرى..؟!! ألا ترين الواقع المتردي الذي وصلنا إليه اليوم..؟ إذا كان العثمانيون احتلالاً فإن من يحكم اليوم أرضنا أسوأ من الاحتلال واختاري أنت الكلمة المناسبة لن اختلف معك..

لم تجب وربما لم ترغب أن تفسد هذه اللحظات في استجلاب هذا النقاش العقيم بيننا.. نظرت إلي من جديد ورددت "حقيقة أنا لا أصدق هذا حتى الآن.. كيف بالفعل لهذا أن يحدث.. أنا وأنت وبردى في بداية القرن العشرين.. جنون خالص.. وراحت تضحك بصوت مكتوم خوفاً من أن يسمعها أحد ..
 

نبش القبور

رواية تاريخية تفاعلية مستندة الى احداث تاريخية.

 

بقلم نضال معلوف
http://www.facebook.com/nedal.malouf

www.instagram.com/nedalmalouf

تابع تفاصيل مثيرة اخرى حول اللقاء على صفحة #نبش_القبور على فيس بوك
http://www.facebook.com/BygoneInterviews


TAG: