احمد حلمي في "عسل اسود" .. وطن اسود .. طعمه حلو المذاق!؟

09.10.2018 | 18:56

وأنت تشاهد الفيلم المصري "عسل أسود" لابد أنك ستخرج بالكثير من الملاحظات التي تكاد لا تنتهي بسبب شدة تباينها من جهة وشدة وضوحها من جهة أخرى. يقدم الفيلم جزءاً من المنظومة الاجتماعية والسياسية التي أدت لهياج رياح الربيع العربي العاصفة المثيرة للآلام المبرحة، والتي كانت ربما لتمر بأقل ما يمكن من خسائر وأحزان لولا أن المجتمعات العربية قد وصلت للحضيض نتيجة تأثيرات سلطوية واضحة بعيدة كل البعد عن الإصلاح والجدية في محاربة الفساد وإطلاق الحريات، مقترنة بانتكاسات اجتماعية بالغة الإنحدار والانكسار.

ضفدع مغلي

يتحدث الفيلم عن قيمة الفرد في الوطن الذي يعامل أبناءه بتمييز واضح في كل شيء، فهو أم ليست رؤوماً، لا تعترف بأولادها المسحوقين تحت رحى التأثيرات والانقلابات السياسية التي تزيدهم لا مبالاة ويأساً بالتغيير، كل هذا مع استمرارية إعراض جهات المجتمع التي تقع عليها مسؤولية القيام بالتغيير المطلوب عن معالجة شؤون وأوضاع هذا الفرد لصالح السيطرة والتخدير والمزيد من التعسف في عالم يضيق بأرواح ساكنيه الذين وصل عدد كبير منهم لحالة "الضفدع المغلي"، وهو مصطلح يشير إلى قصة شائعة تصور ضفدعاً يقفز فوراً عندما يوضع في ماء حار، لكنه إذا وضع في ماء معتدل الحرارة ثم تم تسخين الماء ببطء فإن الضفدع لن يقفز وسيبقى في الماء حتى بعدما يصير قريباً من الغليان لأنه لن يشعر بالخطر المتصاعد على حياته؛ فيموت دون مقاومة. هذه النظرية تستخدم مجازياً لتذكير الناس بأن عليهم أن يكونوا حذرين من التغييرات التدريجية السلبية التي تحصل لهم حتى لا يعانوا من خسائر مفجعة بعد فوات الأوان.  (المصدر).

إحكام الخناق:

منذ اللحظة الأولى في الفيلم يقوم المخرج بإبراز فكرة الوطنية لدى البطل بطريقة رومانسية تبدو ساذجة للغاية، مع أنها الفكرة السائدة لدى كثيرين في المجتمع، ويذهب بها على هذه الشاكلة مع بعض حالات التأفف والتذمر حتى نهاية الفيلم، حيث يتعامل بطل الفيلم مع فكرة كونه إنساناً مصرياً يمتلك مخزوناً من الذاكرة الدافئة والحلوة حول الأقارب والجيران والأصدقاء والطعام والأحاسيس الدافئة في بلده الأم مصر، وليشدد على تجذر هذه الرومانسية في وجدان البطل ربط الكاتب اسمه بالجنسية، فهو "مصري" مشبع بالحنين لمصريته بالرغم من كونه يحمل الآن الجواز الأقوى في العالم والجنسية الأميركية والتي سرعان ما سيدرك أنه لولاها لما كان أكثر من مواطن مصري بسيط مسحوق كغيره من الملايين المتكدسة في العشوائيات التي أهملتها عيون الإعلام والمسؤولين.

سنجد في الفيلم الكثير من المفارقات التي تم تأديتها بطريقة الكوميديا السوداء؛ لتجعل المشاهد يشعر بحجم التضاد في التعامل مع من يمتلك جنسية أميركية وآخر يمتلك جنسية بلده فقط في مواقف عديدة، وكذلك لم ينس كاتب النص أن يوظف انتهازية كثير من المواطنين "الحرابيق" الذين يعتبرون حملة الجنسيات الأخرى صيداً مشروعاً لتوفير لقمة عيشهم.

ومثل هذه المعاملة يلحظها وتذوقها العاملون في دول الخليج وهم من جنسيات عربية أو مشرقية، حيث يتم تغيير التعامل معهم بالكامل إذا تمكن أحدهم من الحصول على جنسية دولة غربية، فيعلو راتبه وتتغير طريقة التعامل في استقباله في المطارات واجهة الأوطان المزيفة التي نعيش فيها.

سائح ومقيم

هناك مئات ألوف من البشر أجبرتهم ظروف مختلفة على ترك بلادهم والبحث عن حياة في دول أخرى ونجحوا في ذلك. يمتلئ هؤلاء عادة بمخزون عاطفي كبير يظهر في شكل حنين جارف لمسقط رأسهم، تكون مخرجاته دليلاً على كرم منبتهم ورفعة أخلاقهم أو على عكس ذلك، فنشاهد عينات كثيرة يشاهدون الوطن بعيون السائح الساخط الذي يبدي تأففه من سلبيات مسقط رأسه، ويقوم بإجراء المقارانات غير المنصفة بين المكان الذي جاء منه ونجح فيه ووطنه المتأخر في كل مناحي الحياة. وهناك أيضاً السائح الذي لا يريد سوى أن يتنعم بما كان محروماً منه في وطنه سابقاً، يعزز إمكانية ذلك عودته بمال وفير، فيعيش في هذه الفترة القصيرة من الزيارة ببذخ ظاهر، يزور كل المناطق التي يسمع عنها المواطنون المقيمون في وسائل الإعلام، والتي لا يمكن سوى لنذر يسير منهم أن يزورها لاعتبارات الدخل الاقتصادي المنخفض، وتراه كثير الإلحاح على نظرائه في الوطن كي يحافظوا على الوضع الحالي الذي هرب منه ويرفض منهم أي محاولات للارتقاء لمرتبة مواطنين لا رعايا ينتظرون عطايا من القيادات السياسية التي تغرق الإعلام الوطني بالسفاهة الوقحة مع مخدر الوطنية الحلوة، كما هي حالة العسل الأسود، هو يريد وبكل أنانية ممكنة أن يحافظ على المكان الذي يستمتع فيه بأداء سياحته.

علاقة معقدة

بعد مشهد هام لتجمهر القوات المسؤولة عن حفظ الأمن والنظام بمواجهة المظاهرات الشعبية التي كانت تندد بالاحتلال الأميركي للعراق الجريح، هناك مقطع سابق ملفت للغاية لضابط شرطة يعتذر من صاحب سطوة تعدى على أحد الضعفاء فيعكس الضابط المظلمة لصالح الأقوى رغم أنه المعتدي، حينها يشعر بطل الفيلم المستقوي بجواز سفره الأميركي بحدوث اضطهاد، فيسعى لمساندة السائق الذي وقعت بحقه واقعة الظلم. وينتقل كاتب النص عبر مشهد بسيط ليشرح لنا وضع الأنظمة العربية التي تقف ضد رغبة الشعب  ومصالحه وتعمل شرطياً يسير المصالح الأميركية ويحافظ عليها لقاء استمرارية بقائها وشرعيتها، وحين تحاول الأنظمة الغربية أن تتحدث عن بعض المظالم أو الحريات والحقوق التي تضعها شعارات لها في بلادها وتعتبرها معايير شرعية لأي نظام حاكم؛ تقوم الأنظمة العربية بإرخاء الطوق الصارم الذي تفرضه ضد العوام ليعبروا عن غضبهم وسخطهم، وعندما تشعر تلك الأنظمة الغربية بخطر تحركات الشعب تستعين الإمبريالية مرة أخرى بتلك الأنظمة العنيفة والإجرامية وتستعملها كصمام أمان ودرع أمامي مخافة خروج الأمور عن السيطرة.

ختاماً لابد من الإشادة بالموسيقى التصويرية الرائعة للموسيقار عمر خيرت، وكلمات أغنية الختام لأيمن بهجت قمر، وكذلك أداء ريهام عبد الحكيم لتلك الأغنية بتميز واقتدار. كلمات الأغنية كانت تظهر الفرق الشاسع بين الوطن كحيز جغرافي فيه بعض الذكريات الجميلة وكثير من البسطاء الذين لا يدركون أنهم يعيشون حالة قهر متأخرة ليس لها علاج سببها التعلق فيه بطريقة مرضية، وحالة الوطن كعقد اجتماعي شامل يضم مواطنيه كافة ويضمن لهم مستوى مقبولاً من العيش بشكل لائق يحفظ كرامتهم وأمنهم.

بإمكانك الاطلاع على الأغنية (انقر هنا)

قام بتأليف وكتابة السيناريو الكاتب خالد دياب، وتولى خالد مرعي إخراج الفيلم، أطلق الفيلم للعموم بـ25 أيار لعام 2010 في القاهرة قبل أشهر من اندلاع الربيع العربي في أوائل 2011 وسقوط نظامي تونس ومصر، من بطولة أحمد حلمي ويشاركه في تشخيص الشخصيات كلٌ من إدوارد وأنعام سالوسة ويوسف داوود وإيمي سمير غانم، وآخرون.

الفيلم من إنتاج الإخوة المتحدين وألباتروس للإنتاج الفني والتوزيع، للاطلاع على المقطع الدعائي للفيلم (انقر هنا).


TAG:

منظمة تتهم "الادارة الذاتية" بارتكاب انتهاكات بحق معتقليها .. وواشنطن تعلق

اتهمت منظمة "العفو الدولية" الادارة الذاتية لشمال وشرقي سوريا، بارتكاب انتهاكات بحق المدنيين المعتقلين في السجون التابعة لها، بالمناطق الخاضعة تحت سيطرتها، فيما علقت الخارجية الامريكية على ذلك، مشيرة الى انها ستعمل على مراجعة هذه التقارير.