مساهمات القراء

لماذا ستنجح الثورة المضادة.. بقلم: بينوكيو

06.01.2025 | 18:57

بعد خروج مظاهرة المطالبين بالعلمانية في دمشق، بات جليَاً أنَ الشعوب العربية لا تستطيع التعلم من تجاربها السابقة، و أنها في كل مرة تكون فيها قريبةً من تحقيق الحلم المنشود بتأسيس دولة المؤسسات و القانون و المواطنة، لا بد أن ينحرف مسار التغيير لينتج بدلاً عن ذلك نوعاً ما من الدكتاتوريات، دكتاتورية تدّعي العلمانية، أو أخرى تدّعي التديّن.

من يقود المشهد الشعبي اليوم، خصوصاً في المناطق التي كان النظام السابق مسيطراً عليها، هم مجموعة من المنظرين السياسيين أو المؤثرين، ينشرون آرائهم و تحليلاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، و المصيبة الكبرى هي أن معظمهم ليس لديه الثقافة الكافية المؤهلة كي يكون في هذا الموقع، و هذا ما يؤدي غالباً إلى تحليلات شعبوية و عاطفية بعيدة عن المنطق و المصلحة العامة للناس و البلد.

كمثالٍ على ذلك بعد تلك المظاهرة، خرج معظم هؤلاء المنظرين ليعلنوا مواقفهم منها، حيث كانت بمعظمها مواقف أقلّ ما يقال عنها أنها مواقف (تشبيحية) و إقصائية، و كأنها نسخٌ متكررة من مواقف أبواق النظام السابق الإعلامية عند اشتعال الثورة 2011، و بداية خروج المظاهرات.

كان التركيز منصبّاً على أربع أو خمس شخصيات تصدرت المشهد في هذه المظاهرة، من أصل مئات المشاركين، شخصيات لديها ماضٍ في التشبيح الإعلامي أيام النظام السابق، و لم يلتفت أحد لبقية الأشخاص الموجودين، جميعهم اختُزلوا و أصبحوا متهمين بنفس تهمة التشبيح، و استلام أموال من إحدى الدول العربية المشجعة للثورة المضادة، و هو نفس الاتهام الموجّه لمتظاهري 2011 بحصولهم على (سندويشة شاورما) و خمسمئة ليرة سورية لقاء خروجهم للتظاهر.

فشل أولئك المنظرون في تحليلاتهم، بسبب قصر نظرهم أو تعاميهم عن رؤية الواقع، ما استطاعو فهم دوافع و مخاوف المتظاهرين التي أدّت إلى خروجهم للمطالبة بالعلمانية، و التي يقصدون بها فصل الدين عن الدولة.

فعندما تضع شاباَ مراهقاً مع سلاحه ليقف على مدخل مؤسسةٍ حكومية، و يطلب من الموظفات وضع حجابٍ على رؤوسهن حتى يسمح لهنَّ بالدخول..

عندما ترسل مقاتلاً إلى مشفى ليأمر مدير المشفى و مجلس إدارته بفصل الرجال عن النساء في مصعد..

عندما يظهر الناطق الإعلامي باسمك في مقابلةٍ تلفزيونية، و يعلن على الملأ نظرته الدونيّة للمرأة..

عندما تعيّن إحداهنَّ للاهتمام بشؤون المرأة السورية، و لديها نفس نظرة ذلك الناطق الإعلامي لبنات جنسها..

عندما تعزل القائمين على إدارة المؤسسات الخدمية و تستبدلهم بأشخاصٍ يفتقدون الخبرة اللازمة للإدارة و ميزتهم الوحيدة أنهم يحملون نفس أفكارك و أيدلوجيتك الدينيّة..

عندما تعين في مناصب الدولة فقط من تعرفهم و تعرف أنهم موالون لك..

فعليك أن تتوقع ردّ فعلٍ كهذا، و عليك أن تتوقع من فلول النظام السابق و مناصريه أن يستغلّو ردود الأفعال هذه ليعودوا إلى المشهد، فانعدام الأخلاق و الكرامة لديهم مكّنهم من التحدث بكلِّ وقاحة و بدون أدنى شعورٍ بالحرج، و أتاح لهم التركيز على تكرار كلمة (علمانية) المستفزة للطرف الآخر الذي يعتبرها مرادفاً لكلمة (الكفر)، بينما كان من الممكن التركيز على عبارات أخرى، مثل المطالبة بدولة مدنية، أو المطالبة بحرّية المرأة و امتلاك قرارها.

و يزيد في قتامة المشهد بيانات الطائفة العلوية - أو التي تدّعي بأنها تتحدث باسم الطائفة العلوية - و التي باتت شبه يومية، حيث تتسم بالعنجهية و الاستفزاز، و البعد عن رؤية الواقع، ربما عن قصدٍ أو ربما نتيجة قلّة خبرة سياسية.

كل هذا في النهاية سيؤجج الاستقطاب الأيدولوجي بين المُتأسلمين و مُدّعي العلمانية، و سيغيّب صوت الأغلبية المعتدلة من المسلمين و الأقليات و العلمانيين الحقيقيين، سيُعاد إنتاج الديكتاتورية بأحد أشكالها، و الثورة المضادة ستنجح بسبب التنظير السياسي الغير مسؤول بالدرجة الأولى، إلا إذا تمّ فرض واقع جديد على جميع الأطراف من قبل دولٍ خارجية مهتمة فعلياً بمصلحة الشعب السوري، و طبعاً نعلم جميعاً أن الدول تهتمّ بمصالحها الخاصة فقط، و ليست جمعيات خيرية تعطي بلا مقابل. 

بينوكيو

 

الاراء الواردة في هذا الباب لا تعبر بالضرورة على سياسة الموقع

ارسل مساهمتك على الايميل [email protected]

RELATED NEWS
    -

لبنان: مستعدون لاعادة النظر في القيود المفروضة على دخول السوريين

أعلن المدير العام للأمن العام اللبناني بالإنابة اللواء إلياس البيسري، ان لبنان مستعد لاعادة النظر في القيود المفروضة على دخول السوريين الاراضي اللبنانية، وذلك عقب منع الادارة السورية الجديدة دخول اللبنانيين سوريا الا بشروط محددة.