لم يتناول الاعلام الرسمي السوري خبر ارسال الرئيس الاسد برقية الى مرشد الثورة الاسلامية ولم يتطرق الى مضمونها.
لن يكون هذا مستغربا في حال اطلعنا على هذا المضمون، فحري بمثل هذه البرقية ان تبقى سرية.
اقتباس ..
"أبارك لكم وللحكومة والشعب الإيراني الإنجاز الاستراتيجي المتمثل في فك الحصار عن مدينة دير الزور"
انتهى ..
لماذا يبارك رئيس دولة المفروض انها ذات سيادة لزعيم دولة اخرى "تحرير" مدينة على ارضه ..؟ ويشكره على هذا الانجاز؟
ذكرني هذا الموقف بخطابات حسن نصر الله الذي لا يفوت الفرصة ولا ينسى في كل مناسبة بان يجير النصر الى مرشد الثورة الاسلامية .. ويعلن على الملأ بان الخامنئي سيده ومرجعيته ، يبدو انه بات علينا في سوريا ان نقوم بذات الدور.
هذا الدم والتكلفة الكبيرة التي دفعها حزب الله والحرس الثوري الايراني والدعم المالي والعسكري غير المحدود الذي قدمه نظام ولاية الفقيه لن يكون بالمجان .. ولن يقبل المرشد بعد ذلك رسائل سرية وشكر واعتراف بالجميل من تحت الطاولة ..
فكروا معي لماذا كشف الخامنئي عن مضمون الرسالة ونشرها في وسائل الاعلام ، مع ملاحظة بانها لم تكتب قط باللغة العربية بل بالفارسية .. لماذا تسبب الخامنئي في هذه الفضيحة للاسد ..
الانظمة الديكتاتورية هي نسخة من اصل واحد لا يوجد نظام ديكتاتوري معدل ، والديكتاتور لا يفيده الانجاز في السر لان بقاءه يعتمد على الصورة الذهنية التي يرسمها لدى اتباعه وحجم هذه الصورة يجب ان يكون كبيرا عظيما ، فهو يجب عليه ان ينسب كل انجاز لشخصه وينفخ بهذا الانجاز ويكبره ويكبر به ..
الا نفعل نحن هذا كل الوقت في سوريا منذ 40 عاما ، اليس كل انجاز او انتصار ولو في كرة المضرب يجير صاحب الانجاز الانتصار للقائد ..!؟
في الواقع بان ثبات نظام بشار الاسد ضد هذا الاعصار الذي عصف في سوريا يعود فضله بشكل كبير لايران بل لزعيم ايران الخامنئي تحديدا ، خلال الهزات والاخطار الذي تعرض لها النظام اكثر من مرة وكادت ان تطيح به امتدت يد الخامنئي لتثبت النظام وتمنعه من الانهيار ، هذا قبل ان تدخل روسيا على الخط حيث لم تعد يد واحدة كافية لتثبيت النظام المتهالك ..
وبالتالي مع الوقت تحول رئيس النظام الى رجل خامنئي في سوريا يستمد بقاءه وشرعيته من دعمه واستمراره من استمرار هذا الدعم.
فاستحوذ الديكتاتور الكبير على الديكتاتور الصغير .. واصبح الاخير من رجال الثورة الاسلامية .. !!؟ ولا يمكنه رفض ذلك لان الرفض يعني نكران "النعمة" وحلول العقاب وخسارة كل شيء ..
لهذا يجب الا تستغربوا بان معظم الاعلام الحربي الذي يصور المعارك التي يخوضها النظام وحلفاءه هو اعلام حزب الله (ومؤخرا اعلام روسيا) ، وستجدون اصرارا بان يظهر في كل تقرير علم اصفر وتحية لنصر الله وتحية لروسيا ومن ثم يمكن ان نجد تحية للاسد ..
وستجدون مقاتلا لحزب الله و وضابط روسي ومن ثم يمكن ان يمر معكم مقاتل في التصوير من الجيش السوري ..
يجب ان نسأل انفسنا هل بقيت هذه معركتنا .. ؟
هل حقا هؤلاء اصدقاء سينصروننا ويذهب كل واحد منهم بعد ذلك الى بلده ..؟
هل حقا انتصرنا اصلا من خلال دعمهم ؟
اذا اردنا ان ننظر مرة اخرى للخارطة التي وثقت باتفاق دولي "استانة" سنجد ان سورية قسمت الى مناطق وقد وهب النظام ادلب الى تركيا وشمال سوريا كله ( 20% من مساحتها ) الى اميركا ، وتخلى عن درعا والقنيطرة واجزاءا من ريف اللاذقية وحلب وحماة ..
وهذه المرة لن يستطيع ان يقصفها بالبراميل ولا يهجر اهلها ولا مسموح له ان يعمل لاسترجاعها فاليوم القوات البرية التركية ، الروسية والايرانية تستعد للانتشار لتثبيت هذا الواقع ..
يجب ان نعي ما يحدث في الحقيقة .. لا يوجد انتصار بعد اليوم في سوريا ، كل مافي الامر انه انتشار لقوة هنا وزمرة هناك بناءا على اتفاقات دولية وخرائط ترسم خارج الحدود ..
الحقيقة بان سوريا سايكس بيكو انتهت الى غير رجعة واليوم نحن نشهد تشكيل المنطقة مرة اخرى ورسم خارطتها ، المرحلة التي يمكن ان تستمر لعقود ..
لا يوجد احد لنوجه الشكر اليه حقيقة ، نحن الشعب ، فقد دمر بلدنا وقسم .. وشكر خامنئي يبقى امرا خاصا بين رئيس نظام يجلس على تلة خراب سوريا وبين رجل ما زال يمد يده ليثبت هذا الرئيس ريثما يحصد باليد الاخرى ما يستطيع من المكاسب ..
نضال معلوف