شهداء ايار .. مالهم وما عليهم .. ماذا حل باحلامهم بعد اكثر من 100 عام ..؟

معظم السوريين لا يعلمون كثيرا عن خلفية ما جرى في 6 ايار من العام 1916 ، صورة مبهمة عن قائد سفاح قام باعدام سوريين في ساحة المرجة لانهم طالبوا بالحرية .. ولكن الحقيقة بعيدة قليلا عن هذه الصورة المبسطة ..

معظم السوريين لا يعلمون كثيرا عن خلفية ما جرى في 6 ايار من العام 1916 ، صورة مبهمة عن قائد سفاح قام باعدام سوريين في ساحة المرجة لانهم طالبوا بالحرية .. ولكن الحقيقة بعيدة قليلا عن هذه الصورة المبسطة ..

ولكي نضع النقاط على الحروف يجب ان نذكر بعض الحقائق في ميزان اعمال الشهداء الـ 33 الذين اعدم معظمهم في 6 ايار من العام 1916 في دمشق وفي لبنان بتهم خيانة الدولة.. فهل كانوا حقيقة خونة ؟

 

اولا ما عليهم :

-  كل الذين استشهدوا في هذه الحادثة كانوا عثمانيين يحملون في جيوبهم الهوية وجواز السفر العثماني.

- ومن قبلهم كان ابائهم عثمانيين واجدادهم ، حتى عاشر جد وقبل هذا لم يأت العثمانيون ويحتلوا "دولة سوريا" او "دولة العرب" ، كان قبل العثمانيين المماليك وقبلهم العباسيين وقبلهم الامويين .. باختصار كانت الدولة امتداد للدولة الاسلامية التي تأسست منذ القرن السابع الميلادي في المنطقة ..وهم مواطنون فيها ..

- الظرف العام كان ظرف الحرب العالمية الاولى ( 1914 – 1918 ) وكانت الدولة العثمانية ( دولتهم ) حليفة لالمانيا في مواجهة فرنسا وبريطانيا.

- اختار ( الشهداء ) بشكل مباشر او غير مباشر التحالف مع اعداء دولتهم العثمانية، مع فرنسا وبريطانيا وكان الكثير منهم ينسق مع سفارات تلك الدول قبل الحرب، وبقي على اتصال سري معها خلال الحرب..

- جمال باشا ( السفاح ) كان قائدا للجيش الرابع في الدولة العثمانية ( دولة الشهداء ) وحاكما عسكريا معينا من قبل الخليفة في المنطقة ( في بلده وليس محتلا، كانت سوريا مثل اسطنبول جزءا من الدولة العثمانية ) اثناء الحرب العالمية الاولى لادارة البلاد اثناء الحرب ، ووقعت في يده وثائق وادلة على ارتباط هؤلاء مع دول (الاعداء) واجرى لهم محاكمة عسكرية اقرت احكام الاعدام بتهم الخيانة للدولة ..

 

ثانيا ما لهم ..

- شهداء ايار الذين قضوا في لبنان او في سوريا جراء احكام الاعدام - التي صادق عليها جمال باشا الحاكم العسكري - انفسهم لم يتعمدوا ان يقوموا بفعل الخيانة .. ، كانوا مؤمنين بانهم ماضون في حركة تحرر يجب ان تصل بابناء العرب الى الاستقلال وتشكيل دولتهم العربية.

- تدخل الدول الاجنبية في شؤون الدولة العثمانية لا يرجع الى تاريخ الحرب العالمية الاولى ولم يبدأ بشهداء ايار ( ولم ينته بهم )  بل هو موضوع قديم يعرف باسم "الامتيازات الاجنبية"، والتي نتجت عن ضعف الدولة العثمانية، بحيث اصبحت شعوبا وجماعات ( الاقليات ) داخل الدولة مرتبطة مباشرة بالدول الاجنبية ..

- عملية تشكل فكرة القوميات ( ارمن عرب اتراك اكراد ) امر اشتغل عليه الغرب في منطقتنا منذ القرن الثامن عشر ورسخه في اوساط الاقليات وايضا البرجوازية السنية عن طريق التعليم والطبابة، وايضا كان هناك دورا للكنيسة والمبشرين في عملية طويلة معقدة انتجت شريحة "مثقفة" تؤمن بمبادئ معينة من ضمنها تفوق العرب على العثمانيين وضرورة ان يكون لهم دورا اكبر في الدولة او ان ينفصلوا لتأسيس دولتهم واللحاق بركاب الدول الغربية 

-  كثير من الشهداء لم يكن على علم بحقيقة العلاقات السرية بين قيادات الحركات السرية "العربية" والدول الغربية ( الاعداء لاحقا للدولة العثمانية) .. كان نشاطهم محصورا في حزب مرخص في مصر باسم "حزب اللامركزية" الذي كانت تسيطر عليه "الجمعية العربية الفتاة" السرية المرتبطة مع فرنسا وبريطانيا ..

 

هذا في ميزان النقاط لنفهم المشهد من خلال وجهتي نظر طالما كان هناك محاولات لتغليب واحدة على اخرى، والحقيقة بان كل وجهة نظر مما عرضت انفا تشكل جانب من الحقيقة .. وبكل الاحوال هذا لا يهم اليوم كثيرا ..
 

يمكن القول بان هؤلاء ( الشهداء ) نجحوا في "تحرير" شعوب المنطقة لتجد هذه الشعوب نفسها لاول مرة في التاريخ امام فرصة اقامة دولتها الخاصة ، وتحقيق حلم النخب الذين ضحوا بحياتهم لكي تلحق بركاب التطور والحضارة ..وتصبح الدولة المزعومة واحدة من الدول الحقيقية تضاهي النماذج التي حلم بها شهداء ايار ، دول مثل فرنسا وبريطانيا ومعظم دول اوربا .. في ذاك الحين ..

و يمكنني ان اؤكد بان نية معظم شهداء ايار  كانت سليمة، ومن قراءة مذكراتهم وكثير من السير الذاتية والوثائق يمكن التأكيد بانهم كانوا مؤمنين بما يفعلون ومستعدين للتضحية بحياتهم من اجل ما يؤمنون به وهو مستقبل افضل لابناء الشعوب ( غالبا العرب ) التي ينتمون اليها ..

ولكن الذي حدث مع الاسف بان الانظمة التي تشكلت في المنطقة بعد انهيار الدولة العثمانية ، الانظمة التي نعرفها باسم الانظمة العربية التي ظهرت على انقاض النظام القديم الموجود في المنطقة منذ 14 قرن تقريبا، كانت منذ البداية رهينة للغرب وعميلة له ( تفصيل هذه النقطة يحتاج شرح مطول لا مجال لذكره هنا ) وعوضا ان تسير في تحقيق احلام الشهداء في بناء دولة الكرامة والحرية والتقدم لشعوب المنطقة ، سارت في مشاريع ومخططات هذه الدول ( الغربية ) ، في غير ما اراد هؤلاء الشهداء وفي غير ما كانت النخب تعمل من اجله ..
 

الانظمة العربية ببساطة - التي تشكلت بعدما ضحى هؤلاء بحياتهم بما كانوا يؤمنون بانه سيوفر لنا حياة افضل - .. سرقت احلام الشهداء وقامت بالسطو على مستقبل الشعوب التي كان لديها فرصة في التحرر والتقدم ..

قامت هذه الانظمة بعكس ما ضحى هؤلاء الشهداء من اجله،  بان امعنت في اذلال شعوب المنطقة واستعبادهم وتكريس تخلفهم، وعملت في وظيفة حارس على هذا التخلف،  وظيفة وحيدة .. لم تقم باي وظيفة اخرى طوال اكثر من 100 عام من استشهاد نخب ايار  .. عملت الانظمة العربية حارس على ابقاء الشعوب متخلفة جاهلة فقيرة معدمة  .. ليس اكثر ..
 

كان يمكن ان نحتفل اليوم بعيد الشهداء .. لو تحققت احلام شهدائنا التي ضحوا بانفسهم من اجلها ..

ومن المؤسف بان نشاهد من يحتفل اليوم بهذا "العيد" هي الانظمة العميلة ذاتها التي قتلت هذه الاحلام ودفنتها وجلست فوقها على كراس ، حارسا لكي لا تبعث الحياة فيها من جديد 

 

نضال معلوف

06.05.2020 19:29