شاخ الزمان وقلعة الشهبا ظلت في صباها.. ماذا طرأ على قلعة حلب من القرن 16 ق.م وحتى اليوم
بنيت قلعة حلب على تلة تدعى "أكروبول" أظهرت التنقيبات في القلعة عن وجود معبد إله العاصفة "هدد" الذي يعود إلى منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد كما أشير إليه في النصوص المسمارية في إبلا وماري، وإحدى الروايات تقول بأن النبي إبراهيم كان يحلب غنمته على تل القلعة.
وتحتضن كثيراً من آثار العهود التي مرت بها منذ أن كانت حلب مملكة عمورية واسمها "يمحاض" قبل الغزو الحثي في القرن 16ق.م، حيث تعاقب على حكم المدينة الأكاديون والحثيون والآراميون والبابليون والآشوريون والسلوقيون والرومان والبيزنطيون والفرس والمغول والعثمانيون.
واعتبرت القلعة "كأكروبول" محصن مع بداية عهد سلوقس نيكاتور الأول، الذي قام بإحياء المدينة تحت اسم "بيرويا" وفي بعض أجزاء القلعة هناك بقايا مستوطنة هلنستية تصل إلى ارتفاع مترين، ويظهر شارع معمد يصل إلى تل القلعة من الغرب، حيث المنطقة الجنوبية من حلب والتي لا تزال تحتفظ بنمط شوارع في العصر الهلنستي.
وبعد خلع الرومان للسلالة السلوقية في عام 64 قبل الميلاد تحت قيادة "بومبيوس الكبير"، نالت التلة التي تقوم عليها القلعة أهمية دينية، حيث زارها الإمبراطور جوليان عام 363 م وقدم القرابين المقدسة بحسب التقاليد الرومانية.
وخلال الحرب مع ملك الدولة الساسانية كسرى الثاني في القرن السابع ميلادي، ذكر بأن سكان حلب لجأوا إلى القلعة لأن سور المدينة كان في حالة يرثى لها.
وسيطر المسلمون على حلب عام 636 م، في إطار الفتح الإسلامي بقياد خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح، عقب سيطرة المسلمين على أحد أبوابها.
وبدأت تقام الإصلاحات في القلعة بعد أن ضربها زلزال قوي، وغزا الأمير سيف الدولة الحمداني مدينة حلب عام 944 م، حيث ارتقت فيما بعد إلى نهضة سياسية واقتصادية.
وقام الحمدانيون ببناء قصر رائع على ضفاف نهر قويق الذي يمر في المدينة، ولكن نقل إلى القلعة نتيجة الهجمات البيزنطية في عام 962 م.
وتبع فترة السيادة الحمدانية فترة من عدم الاستقرار، تميزت بالهجمات البيزنطية والبدوية وتحول حلب إلى قاعدة فاطمية لفترة قصيرة الأمد.
ووصلت القلعة إلى ذروة أهميتها في فترة التواجد الصليبي في الشرق الأدنى، حيث استطاع الحاكم الزنكي عماد الدين زنكي، ومن بعده ابنه نور الدين زنكي الذي حكم حلب (1147-1174) م، توحيد حلب ودمشق بنجاح.
كما قام نور الدين زنكي بإدخال العديد من التحسينات على القلعة مثل الارتفاع وجدران الطوب في المدخل المنحدر والقصر الملكي، وقام بالإضافة إلى ذلك بترميم وإعادة بناء المسجدين الموجودين داخل القلعة وتبرع بتفصيل محراب مسجد إبراهيم الخشبي الذي اختفى في فترة الانتداب الفرنسي.
وسُجن العديد من مشاهير الصليبيين في قلعة حلب، منهم كونت الرها "جوسلين الثاني" الذي توفي هناك، وأيضاً أرناط "رينالد أوف شاتيلون"، وملك القدس "بلدوين الثاني" الذي احتجز لمدة عامين.
وحكم ابن صلاح الدين الأيوبي الظاهر غازي حلب بين عام 1193 و1215، وخلال هذا الوقت قام بإعادة إعمار للقلعة، وقام بإضافة هياكل جديدة أدت بمجملها إلى شكل القلعة الحالي حيث قام بتعزيز الجدران وصقل سطح البروزات الصخرية والأقسام المغطاة من انحدار المدخل مع الكسوة الحجريةـ وقام أيضاً بزيادة عمق الخندق المرتبط بقنوات المياه وإضافة الجسر ذو القناطر والذي لا يزال اليوم بمثابة مدخل القلعة.
خلال العقد الأول من القرن الثالث عشر ميلادي تطورت القلعة لتصبح مدينة فخمة شملت جميع المعايير ما بين السكنية (قصور وحمامات)، والدينية (المساجد والأضرحة)، والمنشآت العسكرية (التدريب والأبراج الدفاعية)، والعناصر الداعمة (صهاريج المياه ومخازن الحبوب)، وكان التجديد الأبرز في البوابة حيث تم إعادة بنائها في عام 1213 م.
وقام السلطان غازي بترميم المسجدين الموجودين داخل القلعة، ووسع أسوار المدينة لتشمل المناطق الجنوبية والشرقية مما يجعل القلعة وسط تحصينات، بدلاً من مجاورتها للأسوار.
ولحقت أضرار بالغة في القلعة إثر الغزو المغولي عام 1260 م الذي أمر به هولاكو إنتقاماً للهزيمة التي لحقت بالجيش المغولي في معركة عين جالوت.
ودمرت مرة أخرى بسبب الغزو المغولي للمرة الثانية بقيادة تيمورلنك الذي اجتاح حلب في العام 1400-1401 م.
في عام 1415 م أعاد "سيف الدين جكم" ترميم القلعة، حيث أصبحت مركز مدينة حلب التجارية الهامة التي بلغ تعداد سكانها ما بين 50-100.000 نسمة.
وشملت إصلاحات "سيف الدين جكم" البرجين الشمالي والجنوبي في سفح القلعة وأقام البرجين المحيطين بباب القلعة والقصر المملوكي الجديد الذي بني في قمة برجي مدخل القلعة.
وشملت الإصلاحات أيضاً الخندق، حيث أنه قد ألزم الناس العمل في الخندق ويرد أن كبار القوم عملوا بالخندق تشجيعاً لباقي الناس.
وأدار المماليك مشاريع ترميم للحفاظ على التراث الموجود في القلعة، وقام سلطان المماليك الأخير "الأشرف قانصوه الغوري" باستبدال السقف المسطح لقاعة العرش بإضافة تسع قباب إلى السقف.
وخلال الفترة العثمانية بدأ دور القلعة العسكري كحصن دفاعي بالتراجع ببطىء، إثر التوسع إلى خارج أسوار المدينة، بإعتبارها مدينة تجارية، ولكن القلعة بقيت تستخدم كثكنة للجنود العثمانيين، على الرغم من عدم معرفة تعداد الجنود الذي كانوا يتمركزون في القلعة.
وفي عام 1679 م أفاد القنصل الفرنسي آنذاك "لوران دانفيو" بأن هناك 1400 شخص في القلعة، 350 منهم من الإنكشارية، إحدى قوى فرق الجيش العثماني آنذاك، فيما بعد قام السلطان سليمان القانوني بترميم القلعة عام 1521 م.
تضررت حلب والقلعة أيضاً بشدة نتيجة الزلزال الذي وقع عام 1822 م، بعد الزلزال بات الجنود فقط هم من يعيشون في القلعة.
وقام الحاكم العثماني آنذاك إبراهيم باشا آنذاك باستخدام حجارة المباني المدمرة في القلعة لبناء ثكنة إلى الشمال من القلعة، وتم ترميمها فيما بعد تحت حكم السلطان عبد المجيد في 1850-1851 م .
وفي فترة الانتداب الفرنسي استمرت مرابطة الجنود في القلعة حوالي الخمسة والعشرين عاماً.
وبدأ الفرنسيون عمليات التنقيب الأثرية وأعمال ترميم واسعة في الثلاثينيات من القرن الماضي وخصوصاً الجدار الخارجي.
كما تم تجديد القاعة المملوكية بالكامل خلال هذه الفترة، وتم تركيب سقف مسطح جديد للقاعة المملوكية صمم في القرن التاسع عشر على الطراز الدمشقي.
وفي عام 1980 شيد مدرج حديث على سطح القلعة في أجزاء لم ينقب فيها يتسع لحوالي 3000 متفرج، لعقد الفعاليات والحفلات الموسيقية، فيما يرجح أحد الباحثين الأثريين وجود أثار رومانية تحت المدرج الحديث.
وفي آب 2012 أي خلال المعارك التي كانت تجري في حلب بين أطراف الصراع في سوريا، تعرضت البوابة الخارجية للقلعة لأضرار جراء الاشتباكات التي كانت تدور هناك.