جانغو الحر .. تناثر الدماء الحمراء على القطن الابيض
مراجعة : عبد الكريم انيس
هذا الفيلم يأخذ شكل التأريخ الدرامي لمرحلة ما قبل بداية الحرب الأهلية في الولايات الأميركية، التي انتهت بانتصار الشمال على الجنوب وولادة وثيقة تحرير العبيد، وإن لم يكن توثيقياً بناء على أحداث منقولة عن قصة واقعية،
ولكن أحداث الفيلم القاسية التي كانت تصويراً لآلام العبودية في مجتمع تلك الحقبة كانت السبب الأكبر في تضخيم الكاتب والمخرج للأفعال التمييزية البالغة القسوة ضد السود الذين تم استجلابهم عبر المحيطات ليكونوا عبيداً مع ذريتهم للسادة البيض في أميركا الجديدة. هذه الأفعال بتنا اليوم نشاهدها مشينة، وقد كانت وقائع لمشاهد يومية لا ترف عين من عايشها في مرحلة من مراحل التاريخ الأميركي الذي تغير بتغير شكل الظلم الاجتماعي فيه وبزوغ مرحلة جديدة من مراحل التعايش بين السود والبيض كبشر طبيعيين عليهم الواجبات ذاتها، ولهم الحقوق ذاتها.
لا يصلح الفيلم لمن يعانون من فرط الحساسية من مشاهدة القسوة والعنف وما ينتج عن الكراهية من تبعات ومساوئ، وبالتأكيد ليس فيلماً صالحاً ليشاهده الأطفال والمراهقون.
نجاح كاسح
يمتلك الفيلم مقومات ناجحة مكنته رغم كل القسوة والعنف المتواجد فيه من النجاح بشكل كاسح في شباكات التذاكر، فوجود أربعة أسماء من نجوم السينما كانت كفيلة بالترويج للفيلم ودعمه وغض النظر عن مدته الزمنية الطويلة التي وصلت لساعتين و45 دقيقة.
الفيلم من فصيلة أفلام الغرب الأمريكي (المتوحش) تلك التي تروي قصصًا تم حدوثها في النصف الأخير من القرن التاسع عشر في الغرب الأمريكي القديم، وغالبًا تركز على حياة رعاة البقر الرحّل المسلحين بمسدس وبندقية الذين يرتدون قبعات، وينتعلون أحذية رعاة البقر ويلبسون ملابس من جلود البقر، وشخصيات أخرى تشمل الأمريكيين الأصليين، وقطاع الطرق، ورجال القانون، وصائدي الجوائز، والخارجين عن القانون، والجنود، والمستوطنين، والمزارعين ومربي الماشية، وأرياف المدن. (المصدر بتصرف).
Christoph Waltz كريستوف فالتز الحائز على جائزتي أوسكار كممثل مساعد، احداها عن دوره في هذا الفيلم، والذي يأخذ فيه دور صائد جوائز، يمكّن القانون من تحقيق عدالته، يحاول مساعدة شريكه لاحقاً (جانغو) في تحرير زوجته من عبودية سيد من أسياد الجنوب.
جيمي فوكس Jamie Foxx حاصل على جائزة أوسكار وهو ممثل كوميدي ومغنٍ كذلك، أحد العبيد المحررين، اسمه يحمل عنوان الفيلم Django مع صفة تخلصه من القيود والأغلال، اسمه روماني، بمعنى "أنا مستيقظ"، يحاول استرجاع زوجته، ماهر باستخدام السلاح، يمر بأوقات عصيبة وتحديات متواصلة ليصل لمبتغاه، ولكنه ليس البطل المخلص الذي يتبع مسيرة سبارتاكوس مخلص العبيد الذي قام بثورة ضد الإمبراطورية الرومانية في أوج قوتها وجبروتها، فقضية جانغو هنا كانت قضية شخصية ولم تكن قضية عامة.
Leonardo DiCaprio ليوناردو دي كابريو ممثل حاصل على جائزة أوسكار يأخذ في الفيلم دور السيد الأبيض وريث الأراضي الشاسعة والمزارع التي يعمل فيها العبيد، وظيفته في الفيلم لعب دور الفكر الذي يمثله أهل الجنوب الأميركي قبل الحرب الأهلية حول اعتبار العبيد ملكية خاصة يستخدمها كيف يشاء، للتسلية أو للفائدة، أو حتى يقتني عظامها لمرحلة ما بعد الموت. دور كابريو هو (Antagonist) الشخصية المعاكسة لشخصية البطل، وهو هنا يمثل الرجل الأبيض، صاحب المزارع، المواجه كخصم لفوكس الرجل الأسود وتنتهي الخصومة لصالح الأخير تاريخياً وقيمياً.
مشاهد وظيفية
مشهد انتثار الدماء على القطن الأبيض يحمل رسالة وظيفية تتعلق بأن أرباح التجارة الزراعية كانت على حساب العبيد الذين يشتغلون فيها بأقسى الظروف وأدنى الحقوق. وهي إدانة لمجتمع ما قبل الحرب الأهلية الذي قامت أرباحه وتراكمت باعتماد العبودية كأحد أهم الركائز لتحريك الاقتصاد، وكانت شأناً غير قابل للنقاش في مجتمعات الجنوب الأمريكي الذي كان يتمتع بصعود البرجوازية الطبقية والثراء الفاحش.
كل هذه المشاهد وغيرها من الملامح الكثيرة في الفيلم؛ تجعل من مشاهدته أمراً لا يقتصر على متابعة أحداث قاسية عفا عليها الزمن، بل تجعلها عملية محفّزة للتفكير بمدى وحشية الإنسان من جهة واستسلامه من جهة أخرى، في كلا الحالتين يجد مبرراً مريحاً لنفسه ليستمر في اجتراح أفعاله المخزية بحقه وبحق الآخرين.
الفيلم من كتابة وإخراج Quentin Jerome Tarantino كوينتن جيروم تارانتينو وهو كاتب حاصل على جائزتي أوسكار إحداها عن كتابة الفيلم الذي بين أيدينا، والذي حصد نجاحاً كبيراً إذ تخطت أرباحه أربعة أضعاف كلفته الإنتاجية التي قدمتها كل من The Weinstein Company و Columbia Pictures.
تم إطلاق الفيلم للعموم في الولايات المتحدة الأمريكية بنيويورك بتاريخ 11 كانون الأول 2012.
لمن يود الحصول على فرصة بمشاهدة المقطع الدعائي للفيلم (انقر هنا free trailer).