انتهت جنيف 4 وبانتظار جنيف 5 و6 و7 والله أعلم ماذا سيكون الرقم الأخير.. بقلم د.عبد الحميد سلوم

لا بأس أن يستمر المتفاوضون السوريون في السفر إلى جنيف إلى ما شاء الله، وفد الحكومة ووفد المعارضة. فهي فرصة لقبض التعويضات بالعملة الصعبة، وبذات الوقت سياحة وتسوُّق، عدا عن إشباع الحنين إلى جنيف لدى أحدهم في الوفد (.....) ممن يُلقّب بـ "المستشار" .. فقد تعوّد على جنيف هو وابنهِ الذي خدم فيها عدة سنوات، وتعودوا على القبض باليورو وهم من لم يقدموا لهذا الوطن بقيمة يورو من فائدة وحلبوهُ حتى الأخير، وما زالوا، كما الكثيرون من الطفيليين على جسد الوطن، بينما البيوت التي فقدت أربع أخوة في المعارك، لا يمتلك ذويهم ما يعادل مائة يورو في الوطن الذي يموت لأجله البعض ويتركون ذويهم للفقر والعوز والتعتير، ويقطف ثمار دمائهم البعض الآخر وهم من مهمةٍ خارجيةٍ لأخرى وقد صاروا في أواسط السبعينيات من العُمر وكأنه لا يوجد في الوطن من يفهم سواهم، ويمضي أقاربهم وأبنائهم أيامهم في العواصم الراقية في البعثات الدبلوماسية بعيدون عن البلد بالكامل وليس فقط عن الجبهات، وهم يكدسون كل شهر ما يعادل ملايين الليرات السورية باليورو، بينما تجد شبابا وشابّات بالوطن مؤهلين ووطنيين وغيورين ومتفانين على استعداد أن يقوموا بعمل أولئك بنصف الرواتب والتعويضات التي يتقاضاها أولئك الطفيليون على الوطن السوري، والمزايدون بالثرثرة والكلام الفارغ.

 

والأنكى أن من قاربوا الثمانين من العُمر أو الخامسة والسبعين ما زالوا في مواقعهم بكل الصلاحيات، بينما أقصوا من يصغرونهم بالعمر خمسة عشر عاما وأكفأ منهم، بحجة العُمر، فهل من سخرية في دولةٍ بالدنيا أكثر من ذلك، وهل من فساد إداري بعد ذلك!.

المفاوضات والانتقال من عاصمة لأخرى ومن بلدٍ لآخر باتت مسألة مُربِحة للبعض من طرفي التفاوض، فهي تدرُّ عليهم آلاف اليوروات أو الدولارات كمهمات، ومع ذلك هل هؤلاء قادرون على صنع الحل السياسي لسورية؟!. الجواب كلا، هم غير قادرون على صنع شيء، فالحل ليس عند أولئك وإنما في موسكو وواشنطن، وإلى حدٍّ ما في طهران والرياض وأنقرة، ولكن حينما تتفق موسكو وواشنطن فإن كافة العواصم الإقليمية المُشار إليها تصمت وتبلع ألسنتها، وكفانا ضحكا على الّلحى. مسألة الانتقال السياسي لم تكن مطروحة للنقاش لدى الوفد الحكومي ولكم الضغط الروسي هو من جعلها مطروحة، بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام، والجميع يعلم كيف حضر نائب وزير الخارجية الروسي إلى جنيف خلال المباحثات، وكذلك معاون وزير الخارجية الإيراني وكيف أن المبعوث الأمريكي لسورية كان موجودا من اليوم الأول.


كل ما يحصل هو لعِبا في الوقت المقتطع، وحينما يبدأ التوافق أو الاتفاق الروسي الأمريكي حينها فقط يبدأ العد العكسي للحل السياسي في سورية. ولعلّ ما صرّح به الخبير الأمريكي، مستشار ترامب، بول فاليلي يوم 28 شباط من موسكو خلال حضوره مؤتمرا عن الشرق الاوسط بأنه يتوقع أن تتوصل موسكو وواشنطن ألى توافق حول تسوية للأزمة السورية في غضون ثلاثة أشهر، لعلّ ذلك سيكون بداية الطريق.


وحتى يبدأ التوافق أو الاتفاق الروسي الأمريكي، فالأمر سيأخذ زمنا ليس بالقصير. فالروسي بكل بساطة جاهز للمقايضة في سورية ولكن هو يريدُ ثمنا جديرا بهذه المقايضة. وهذا الثمن لم يشعر بأنه قادر على الحصول عليه حتى اليوم رغم كل تلميحاته للغرب وللولايات المتحدة بذلك، وآخر هذه التلميحات كانت على لسان نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف يوم 28/شباط 2017 حينما قال: " سيكون من الأيسر على روسيا العمل مع الولايات المتحدة بشأن الأزمة في سورية إذا رفعتْ العقوبات ". أي هو ببساطة يربط بين الحل في سورية وبين رفع العقوبات الأمريكية عن بلاده التي أنهكتها العقوبات وأثّرتْ بشكلٍ عميق وواسع على الاقتصاد الروسي. ورفع العقوبات يعني اعترافا غير مباشر من واشنطن والغرب بضم موسكو لجزيرة القرم وللموقف الروسي إزاء أوكرانيا، لأن هذه الأسباب هي التي دفعت الغرب لفرض العقوبات.


ولذلك ما زال بوتين متمسكا بمواقفه إلى حين نضوج كافة الشروط والمتطلبات. طبعا هذا لا يعني أنه ليس مع التسوية في سورية، فهو معها، وهو يدرك أن انتصاراته العسكرية لا يمكن أن تترسّخ إلا بإيجاد حل سياسي، والتأخير ليس في مصلحته، ولكنه يريد الحل كما يراه هو، يلبي مصالحه ورؤيته ومخططاته ويعطيه دفعا وقوة في وجه الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ويمنحهُ مكانة قوية يستطيع من خلالها إحراز مقايضات في الأمور الأهم بالنسبة له، وهي إلغاء العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا واعترافهم له بضم جزيرة القرم، والتفاهم حول مسائل أخرى استراتيجية كما الدرع الصاروخي ونشر قوات أطلسية في بُلدانٍ قريبة أو مجاورةٍ لروسيا، ومنح الحكم الذاتي لمواطني شرق أوكرانيا ذوي الأصول الروسية. فهنا يكمن بيت القصيد والروسي يريدها صفقة واسعة ومتكاملة من سورية وحتى أوكرانيا ودول البلطيق التي يستضيف بعضها قوات أطلسية، ولا يُعقَل أن يعطي في مكان دون أن يأخذ في مكان آخر، أو يُفرِّط بورقة بين يديه دون مقابل فهذه هي السياسة وهذه هي العلاقات الدولية. إنها معادلات حسابية رياضية، وأي خللِ في الحسابات فإن طرفي المعادلة تختل لصالح أحد الطرفين. وهؤلاء شاطرون في علوم الرياضيات ولذلك فإنهم حريصون على عدم الإخلال بطرفي المعادلة. إنهم حريصون جدا على عدم التورُّط في حربٍ مباشرةٍ بين بعضٍ، وهذا غير مطروح لا في موسكو ولا في واشنطن، ولكن كلٍّ منهم حريصٌ على عدم التفريط بالأوراق التي بين يديه دون مقابلٍ لها، وعضُّ الأصابع مستمرا ولكن من يصرخ متألما هم السوريين. فلا أحدا يعطي للبائع ألف ليرة دون أن يعطيه البائع مقابلا لها. نعم هكذا السياسة هي تجارة أيضا. وتُحسَب في ميزان الربح والخسارة.


ولذا يمكننا القول: مسكينة سورية فهي رهينة لتلك الحسابات والمعادلات. وهناك في سورية قناعة أن الحرب هي بين روسيا والغرب، وهذا ما صرّح به بالماضي كبار المسئولين. فالحل السوري خرج من بين أيدي السوريين منذ أمدٍ، وبات بأيدي موسكو وواشنطن. نعم كان كل شيء مع بداية الأزمة بيد السوريين ولكنهم أضاعوا الفرصة لأنهم لم يأخذوا مصلحة الوطن والشعب كأولوية قبل كل شيء، وإنما كانت الأنانيات والمصالح الخاصة أقوى بكثير من مصالح الوطن.
ومن هنا فإن رأيي أن الحل السياسي السوري قد يتحقق في الحالة التالية: حينما يجتمع الخبراء من موسكو وواشنطن ويضعون أمامهم قرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بسورية، وبيان جنيف للعام 2012 الذي توصّل إليه الروسي والأمريكي، ثم يتفقون على معاني ومقاصد وتفسيرات كل بند في تلك الوثائق بشكلٍ نهائي لا لُبسَ فيه ولا غموض، وبعدها يجتمعون بممثلين عن الدول الإقليمية (إيران وتركيا والسعودية) ويبلغونهم بضرورة الالتزام بهذه التفسيرات التي توصّل لها الطرفان الأمريكي والروسي، تحت طائلة المسئولية لكل من يسعى لعرقلة ذلك أو وضع العصي في الدواليب. وحينها فقط نضع الرِجل على طريق الحل السياسي السوري. وهذا ما يتماشى مع قناعة الرئيس بوتين التي عبّر عنها في أحد خطاباته في أيار 2016 حينما قال ما معناه أن السلام يتحقق بالقوة. أما أن تُترك الأمور بهذا الشكل من دون أي اتفاق بين وفد الحكومة ومعارضيه على أي تفسير موحّد لتلك القرارات والبيانات والبنود، ويستمر الغوص في تفسيرِ مَن قبلَ مَنْ: البيضة أم الدجاجة، فإن الشعب السوري قد يتحول كله إلى فراريج مشوية قبل أن يتوصلوا للإتفاق على ذلك!. ولعلّ المؤتمر الدولي المزمع عقده قريبا حول سورية سوف يقدم التفسيرات النهائية للقرار 2254 .


إن كان الروسي والأمريكي حريصان فعليا وجادّان على إنهاء المشكلة السورية، فيجب أن ينخرطا بجهودٍ كبيرةٍ ومضنيةٍ وموحّدةٍ لزمنٍ مُحدّد، وعملٍ دؤوبٍ ليلا نهارا، قد يستغرق شهرا أو شهرين حتى يتوصلا إلى تفسير واحد مُتّفق عليه لكافة القرارات والبيانات التي تمت الإشارة إليها، وإلزام كل الأطراف الأخرى بها، الإقليمية، والسورية. وطبعا يمكنهم خلال تلك المباحثات التوصل إلى اتفاقات تتعلق بأوكرانيا والقرم والعقوبات ضد روسيا، وكل هذه المسائل الصراعية والخلافية. وعسى أن تصريح مُستشار ترامب المُشار إليه أعلاه بول فاليلي سيكون المقدمة لخروج الدخان الأبيض، وإلا فسيبقى حل المُعضِلة السورية: (على الوعد يا كمُّون) وسيبقى الحل السوري مؤجّلا حتى إشعار آخر.
 

14.03.2017 12:20