طاعون الكراهية الذي يدور علينا .. وتحمل فئرانه الموت الينا منذ مئات السنين ..
من الروايات التي تتصل بواقعنا بشكل مباشر ويجد القارئ في نهايتها نفسه يتلقى صفعة يستيقظ بعدها على واقع كل شيء فيه مدمر ، دمار لعبنا نحن دور الفاعل فيه.
الطائفية كم هي متجذرة فينا ؟ وكم نمتلك من القدرة للتغلب عليها وتجاوز "الكراهية" التي زرعتها في داخل كل واحد منا ، هي الفكرة التي تدور حولها احداث قصة الكاتب الكويتي سعود السنعوسي في روايته "فئران أمي حصة" ..
هو السؤال الذي يطرحه الكاتب ويختبر فينا على مدى صفحات قصته الـ 400 قدرتنا على الاجابة عليه.
يختلق الكاتب مزيجا موفقا بين وقائع حدثت واخرى من بنات افكاره تمثل رؤية لنهاية حتمية للطريق الذي نمضي فيه ، رؤية وضعها الكاتب في العام 2015 بناءا على سياق الاحداث في المنطقة واعتقد بانه كان موفقا الى حد كبير في استشراف نهايتها.
تدور احداث الرواية في الكويت العاصمة التي تبدأ من "الزمن الجميل" في الثمانينيات وتمر بأحداث حرب الخليج الاولى وغزو العراق للكويت وتستمر الى وقت سقوط بغداد الى حرب تموز بين اسرائيل ولبنان ، يبني الكاتب من هذه الوقائع قاعدة متينة تجعل بقية الرواية المختلقة واقعا يعيشه القارئ الى نهايتها منسجماً مع كل المقدمات والسياقات التي وردت فيها.
الطفل ( الراوي ) الذي يعرض ذكرياته من الشارع البسيط الذي نشأ فيه في احد مناطق الكويت ، حيث تشوب هذه الذكريات نتف متطايرة من نار الكراهية المدفونة في النفوس .. ، ويمضي بنا مع تقدم السنوات التي تنقله الى المراهقة فالشباب فالكهولة ليصور لنا كيف تطورت شرارة الكراهية هذه لتصبح نارا تحرق الجميع.
رغم مافي الرواية من اطالة وسرد لتفاصيل "محلية" ربما لا يدركها الا اهل الكويت وقد تشتت القارئ في كثير من الوقائع التي يرويها الكاتب ويغرق في السرد لتفاصيل كثيرة ربما كان من الممكن تجاوزها دون التأثير على قوة الفكرة الموجودة فيها ، رغم كل هذا فان الصفحات الاخيرة من القصة ستجعل القارئ يتجاوز هذه "السلبية" (ان صح التعبير).
اعتمد القارئ اسلوبا يتبع في الرواية الغربية اذ يمضي بنا في خطين زمنيين الاول يمتد من الحاضر الى المستقبل والاخر يسير من الماضي الى الحاضر ويلحق بخط المستقبل ، ليلتقيا في نهاية الرواية ويشرحان الكثير من "الارتباك" الذي يصيب القارئ وهو يحاول ان يقارب بين الخطين على طول احداث القصة.
هل نحن طائفيون .. هل تسكنننا الكراهية ؟
ربما الجواب هو نعم .. نحن طائفيون ومسكونون بالكراهية ولكن يعتقد البعض منا بانه قادر على تجاوز هذه الافة بما وصل اليه من علم ومعرفة وادراك لخطورتها ، وانه يستطيع مع كل هذا ان يرتقي فوق هذا النوع من "العداوة" وينظر الى كل المحيط بمنظار لا تشوبه التفرقة والفرز ..
ولكني اعترف بان الكاتب نجح في ان يجعلني ادرك كم هي هذه الافة متجذرة فينا وكم هي العداوة لبعضنا البعض عميقة في داخلنا ، بحيث ولو اننا اظهرنا او تظاهرنا او اعتقدنا باننا قادرون على تجاوز قرون طويلة من الكراهية العميقة فينا .. فاننا سنكتشف مرة بعد مرة باننا اضعف منها .. وانها في كل مرة تتغلب علينا وتجعلنا نبغض ونكره الى الحد الذي يسمح لنا بقتل اقرب الناس الينا ..
نضال معلوف