لقاح فيروس كورونا: لماذا يخاف بعضنا منه؟
بعد أن بدأت حملات توزيع اللقاحات في الدول العربية في الآونة الأخيرة قلتُ لأمي مازحة، كم أنتِ محظوظة إذ أنك بسبب العمر ستكونين من الفئات التي ستتلقى اللقاح خلال الأشهر المقبلة بينما أنتمي أنا لفئة عمرية قد أنتظر بسببها لنهاية العام قبل أن أتمكن من أخذ اللقاح وفك "الحصار" الحالي، لأتفاجأ بالرد بأنها مترددة من أخذ اللقاح لأن المعلومات المتوفرة حتى الآن لا تطمئن بشكل كاف بأن "اللقاحات أمنة فعلا ولا نعرف بعد إن كانت لها آثار جانبية طويلة الأمد".
بدأت الدول العربية حملات التحصين في الأسابيع الأخيرة مستخدمة لقاحات أبرزها فايزرـبيونتيك الأمريكي الألماني، سينوفارم الصيني، أوكسفورد أسترازينيكا البريطاني، وسبوتنيك الروسي. وتظهر الأبحاث أن كل دولة تحتاج لتطعيم 65-70٪ من إجمالي سكانها من أجل الوصول لمناعة مجتمعية توقف انتشار المرض.
ازدادت مفاجأتي عندما علمت أن أمي ليست الشخص الوحيد المتردد.. فمنذ أن بدأت حملات التحصين وهناك من يرفضها حتى وصل الرفض للأطباء كما هو الحال في مصر خلال الأسابيع الأخيرة. إذ ازداد عدد الأطباء - ممن يتعاملون مع مرضى كورونا - ويرفضون تلقي اللقاح.
وكما جاء على لسان المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية، فمن أصل 200 شخص يشكلون الفريق الطبي العامل في إحدى مستشفيات العزل الخاصة بكورونا، 87 شخصا فقط وافقوا على التطعيم. وبحسب الباحث في ملف الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أحمد عزب، فالتخوف هنا من اللقاح الصيني تحديدا إذ "أنه لم تنشر نتائج تجارب مرحلته الثالثة رسميا بعد بالإضافة إلى أن تلقي التطعيم اختياري ولا توجد محاولات جادة لإقناع الأطباء بعكس ذلك".
وإن كان الرفض في مصر له أسباب خاصة، فهناك آخرون ممن يتخوفون من أخذ اللقاح بشكل عام. في الكويت التي أعلنت عن استيراد مليون جرعة من لقاح فايزر-بيونتيك وبدأت حملة التحصين، أفادت مصادر صحفية بازدياد الرافضين للتطعيم بعد انتشار بعض الرسائل على مواقع التواصل خاصة واتساب تصور اللقاح "بالمؤامرة لتغيير الحمض النووي".
بينما صرح البعض من مشاهير السياسيين برفضهم لتلقي اللقاح كنائبة البرلمان السابقة، صفاء الهاشم، التي أعلنت رفضها القاطع
وأعلنت الحكومة الكويتية أنها ستمنح شهادة تطعيم ضد كورونا لمن يتلقى الجرعتين المطلوبتين من اللقاح والتي ستكون شرطا أساسيا للسفر خارج البلاد وهو ما فسره البعض بأنها محاولة لحث المواطنين على تلقي التطعيم.
والرفض هنا لا يقتصر على دول المنطقة العربية، فقد قررت دول كإسبانيا تسجيل أسماء من يرفضون التطعيم ومشاركتها مع باقي دول الاتحاد الأوروبي بعد أن أظهرت استطلاعات أجريت أواخر العام الماضي أن أكثر من ربع السكان يرفضون اللقاح.
هل نرفض نهاية "الكابوس"؟
رفض اللقاحات ليس ظاهرة جديدة بل تقريبا في كل مرة يظهر فيها لقاح جديد يظهر من يشكك فيه وهناك حركات مناهضة للتطعيم أو التطعيم ضد أمراض بعينها كالحصبة -على سبيل المثال- ربما أبرزها في الولايات المتحدة.
منظمة الصحة العالمية كانت أصدرت تقريرا أفاد بوفاة 111 ألف شخص حول العالم بسبب الحصبة عام 2018 ورصدت زيادة في الحالات في بعض الدول كالأمريكيتين وأوروبا ودول شرق البحر المتوسط وتفسر هذه الزيادة بتراجع الإقبال على التطعيم.
أما بالنسبة للقاح كوفيد 19 فهو تقريبا الأمل لنهاية "الكابوس" الذي نعيشه منذ عام وعودة الحياة لطبيعتها.
تقول الأخصائية النفسية، آلاء حجازي، إنه في ظل أزمة كورونا "أصبح هناك مأزق ثقة" لدى كثير منا. وبالتالي هذا الخوف متفهم في هذه المرحلة فاللقاح "أصبح بشكل ما يجسد مخاوفنا من المجهول فالإنسان عادة يحتاج إلى وجود يقين واللقاح حتى الان به هامش من عدم المعرفة -حتى وإن كنا مناصرين للقاح فلا ينفي ذلك عدم معرفتنا على سبيل المثال بالآثار الجانبية خلال 5 أو 7 سنوات. فصعب على الإنسان أن يحمل كل هذه الطبقات من عدم الحتمية في ظل الظروف الحالية" .
لماذا أثق في لقاح لا أعرف بعد آثاره الجانبية طويلة الأمد؟
اختلفت الأسباب حول الخوف الحالي من اللقاح، ولكن ربما أبرزها كانت سرعة التوصل للقاح الذي عادة يستغرق أعواما. ولكن منظمة الصحة العالمية تُرجع ذلك إلى التطور العلمي وضخ الاستثمارات من دول مختلفة على مدار العام الماضي من أجل التوصل إليه وهو ما أدى لتقليص المدة الزمنية.
أما بالنسبة للآثار الجانبية فيقول استشاري الأوبئة في منظمة الصحة العالمية، أمجد الخولي، إن هذا التخوف صحيح بدرجة ما ولكن يجب التفرقة بين الآثار الجانبية البسيطة والخطيرة وأضاف الخولي إنه حتى الان رُصدت "آثار جانبية كارتفاع في درجة الحرارة أو ألم في مكان الوخز ]. […المرحلة الثالثة من التجارب الإكلينيكية والسريرية للقاحات تتم على عشرات الالاف من الأشخاص وتتم متابعتهم لعدة أشهر. بالطبع عدة أشهر غير كافية لرصد جميع الآثار الجانبية طويلة الأمد ولكن المؤشرات حتى الآن تؤكد عدم وجود آثار جانبية شديدة على المدى الطويل".
بحسب جامعة جون هوبكينز الأمريكية تسبب فيروس كورونا في وفاة أكثر من مليوني شخص حول العالم وهو مايفوق عدد الوفيات الناتجة عن أمراض الإيدز والملاريا، والكوليرا، والإنفلونزا مجتمعين في نفس الفترة.
في النرويج، توفي 23 مسنا بعد تلقيهم لقاح فايز-بيونتيك الألماني الأمريكي - وهو اللقاح المعتمد من منظمة الصحة العالمية فضلا عن دول كالولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي-. أعلنت السلطات إنه لا توجد حاجة لمراجعة إرشادات حملة التطعيم. وصرح المعهد النرويجي للصحة العامة أن حالات الوفاة كانت لأشخاص كبار في السن يعاني أغلبهم من أمراض خطيرة. بحسب وكالة رويترز، يموت في النرويج ما يقارب 400 شخص كل أسبوع في دور رعاية المسنين.
منظمة الصحة تؤكد عدم وجود دليل حتى الآن على علاقة وثيقة تربط الوفيات باللقاح ويضيف الخولي بأن "اللقاح أثبت فعاليته وسلامته على أكثر من 95٪ ممن أجريت عليهم التجارب وتعدادهم عشرات الالاف وحتى الان لم يثبت وجود أي أعراض جانبية شديدة أو خطيرة "
هل هناك لقاح أفضل من الاخر؟
تفاوتت نسبة فاعلية اللقاحات التي تم اعتمادها حتى الان.
البعض أبدى تخوفه لقاحات معينة نظرا لطريقة تصنيعها. فعلى سبيل المثال يعد لقاحا فايزر-بيونتيك الأمريكي الألماني وموديرنا الأمريكي من اللقاحات التي استخدمت طريقة حديثة نسبيا في التصنيع وهو ما أثار مخاوف البعض، ولكن الخولي يطمئن هذه المخاوف بأن "هذه الطريقة استخدمت على مدار السنوات الماضية لمعالجة بعض أنواع السرطان وأثبتت فعاليتها وأن الدراسات التي أجريت أكدت سلامتها. واللقاحات يتم الحكم عليها بشكل عام من خلال الفاعلية وسلامة الاستخدام وهو مايدفع كبرى منظمات الأدوية لاعتماده وليس طريقة تصنيعه"
ماذا عن السلالات الجديدة؟
بحسب منظمة الصحة ينتمي فيروس كورونا لعائلة تعتبر من العائلات البطيئة نسبيا في التحور الفيروسي. والطريقة المثلى لوقف تحور الفيروس ومنع سلالات جديدة قد تكون أكثر فتكا من الظهور وتكمن في وقف انتشاره من خلال التزام التباعد لوقف العدوى وأيضا من خلال استخدام اللقاح.
ويقول الخولي إن "حتى الان اللقاحات المعتمدة أثبتت فعاليتها ضد السلالات الجديدة وبالتالي توفر فرصة لوقف انتشار الفيروس وأيضا لوقف تحوره أكثر"
ولكن حتى وإن أثبتت اللقاحات فاعليتها ضد السلالات الجديدة فمن غير الواضح بعد طول المدة التي توفر فيها هذا اللقاحات المناعة. الحديث يدور ما بين 6 أشهر وعام وربما أكثر قليلا.. في حين تشير التصريحات في دول أوروبية أنه ربما تكون هناك حاجة لأخذ اللقاح بشكل دوري سنوي فيما يشبه الحالة في اللقاح ضد الانفلونزا. لكن الخولي يرد على هذا بأن "الدافع الرئيسي لتلقي اللقاح هو الحماية من فيروس أثبت أن كلفة مجابهته عالية صحيا وماديا وتؤثر على المؤسسات الطبية."
وأضاف الخولي إن كان أحد السيناريوهات معاودة التطعيم مرة أخرى فالسيناريو الآخر المأمول من اللقاح هو "الوصول لمناعة القطيع فلا يجد الفيروس من يستقبله وهو ما سيضع نهاية له وتعود الحياة لطبيعتها"
وينهي الخولي حديثه بأن التخوف من اللقاح صحي و"لكن لا يجب أن يؤثر على سلوك الفرد أو يتركه عرضة لمواجهة المرض حتى فاللقاح قد يكون فيه حماية للشخص ولأسرته وأحبائه وبالتأكيد المجتمع ككل" .
المصدر : بي بي سي