أبو رمانة.. من شارع شُقَ بالصدفة إلى شارع الرؤساء والسفارات والأثرياء
قبل عام 1945 لم يكن هناك طريق يصل بين المهاجرين والصالحية المنطقتين الدمشقيتين القديمتين اللتين يعود عمرانهما إلى القرون الوسطى وخارج أسوار المدينة القديمة، حتى قررت محافظة دمشق أن تصل بينهما بشارع لم تتخيل أن يتحول إلى الأرقى والأغلى في سعر أبنيته بين كل أحياء دمشق.
قبل نحو 65 سنة، وتحديدا عام 1945، شقّت الجهات المسؤولة في محافظة دمشق طريقا تربط بين منطقتين دمشقيتين قديمتين يعود عمرانهما إلى القرون الوسطى وخارج أسوار المدينة القديمة، عند سفوح جبل قاسيون.. هما المهاجرين والصالحية.
واتخذت هذه الخطوة بعدما توسع الامتداد السكاني في المنطقتين جنوبا وغربا، وأطلق على الشارع المشقوق حديثا تسمية رسمية وهي "شارع بريطانيا" وذلك إثر تدخل الجيش البريطاني لوقف العدوان الفرنسي على دمشق عام 1945. وفي عام 1946، تم تبديل التسمية إلى "شارع الجلاء" بمناسبة جلاء القوات الفرنسية عن سوريا، لكن الناس أطلقوا عليه تسمية شعبية هي "أبو رمانة" نسبة إلى ضريح أبو رمانة الموجود في الطرف الشمالي للشارع بجوار حديقة المعري، وقيل فيه أنه كان أحد الأولياء الصالحين دون معرفة أسمه فأطلق الناس عليه أسم أبي رمانة لوجود شجرة رمان تظلل قبره, ومعظم الروايات المتعلقة بأبي رمانة تشابهت في المضمون واختلفت في التفاصيل.
ولم يخطر في بال المسؤولين في تلك الفترة أن هذا الشارع سيتحول إلى حي متكامل مع تفرعاته وأزقته وتمدده نحو الساحة المرتفعة في الجهة الغربية منه، والتي أطلق عليها اسم «ساحة المالكي» نسبة للضابط السوري العقيد عدنان المالكي الذي اغتيل أواسط خمسينات القرن الماضي وأقيم له تمثال وسط الساحة المذكورة، ولقد شيد الدمشقيون الأبنية الراقية حول الساحة غربا وشرقا حتى لاصقت ساحة الأمويين جنوبا وجادات حي المهاجرين شمالا.
وأصبح "أبو رمانة" الشارع الأرقى والأغلى في سعر أبنيته بين كل أحياء دمشق، واحتل موقعا استراتيجيا لافتا اجتذب معظم السفارات العربية والأجنبية، فبعد استقلال سوريا عن الانتداب الفرنسي ازدحم الحي بيوت الرؤساء والسفارات والبعثات الدبلوماسية الاجنبية.
حيث سكن في هذا الحي العديد من الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم سوريا، كالرئيس حسني الزعيم
الذي تنقل ما بين العديد من البيوت في حلب ودمشق خاصة في فترة خدمته العسكرية، إلا أنه بنى قصراً له في حي أبي رمانة وحوصر فيه قبيل الإطاحة بحكمه ويتميز بطابعٍ معماري حديث إلا أن جزءً كبيراً من مساحة حديقته فصلت عنه اليوم لتكون مركزاً تابعاً للمؤسسة العامة للاتصالات في المنطقة، فيما يشغل البناء (دار للمطبوعات الرسمية) .
والرئيس فوزي سلو الذي أقام إثر انتقاله إلى دمشق في أحد البيوت الواقعة بالقرب من السفارة الباكستانية، إلا أنها كانت إقامة مؤقتة انتقل بعدها ليستقر في حي أبي رمانة عام 1949 في بيت كبير حُوِّل فيما بعد لمقر السفارة الأردنية، وكان البيت مكان إقامة السلو في فترة حكمه لفترة لم تدم لعدة شهور، إلى أن تحول سكنه إلى مقر قيادته في معسكر قطنا (سكن الضباط) الذي يشرف على منطقة يعفور، ولا يزال المنزل محافظاً على معالمه الأساسية وقد باعته زوجة الرئيس عام 1974.
ويوجد في ذلك الحي الكثير من الأماكن والأبنية البارزة والمهمة منها في بدايته من الجهة الجنوبية الشرقية فندق الميريديان (داما روز حاليا) ومبنى قصر الضيافة واتحاد نقابات العمال واتحاد الصحافيين السوريين، وفي وسط الشارع الرئيسي السفارة السعودية، اليابانية، الإماراتية،الأردنية، القطرية والليبية وغيرها، كما ويضم الكثير من المراكز الثقافية الأجنبية والعربية كالمركز البلغاري والمركز الروماني ومعهد غوته (الألماني) ومعهد الدراسات الفرنسي للشرق الأدنى، بالإضافة إلى أقدم مركز ثقافي عربي بدمشق، وهو الذي احتضن قبل سنوات تأسيس وإطلاق مديرية ثقافة دمشق (دمشق عاصمة الثقافة العربية).
ومن منتصف الثمانينيات، بدأت المطاعم الراقية بالافتتاح في شارع أبو رمانة والمالكي الأرضية، وصارت هناك ساحة مجاورة لحديقة المعري تُعرف بـ"ساحة المطاعم"، وكذلك قبل بضع سنوات مُنحت الترخيص للوكالات الأجنبية العاملة في مجال الوجبات السريعة والألبسة وغيرها حيث شهد الشارع افتتاح الكثير منها، وبالتالي توجد في الحي اليوم محلات الألبسة الثمينة الفرنسية والإيطالية والألمانية ووكالات الكومبيوتر والمعلوماتية الشهيرة ووكالات العطور العالمية ومحلات الجواهر النفيسة».